نشرت «بوست» على حسابي ب«الفيس بوك» لخبر عن فتوى منسوبة لمفتي دولة عربية يبيح خلالها أكل الرجل لزوجته أو أجزاء من جسدها إذ أصابه جوع شديد باعتبار أن ذلك من قبيل تضحية الزوجة من أجل زوجها ورغبتها في أن يصير جسدهما جسدا واحدا. الخبر المفبرك كان قد انتشر بشكل كبير في مئات من المواقع الإلكترونية، وحظي بآلاف التعليقات لربما لحاجة في نفس بعض الأزواج المغتاظين من زوجاتهم! ولأنه الخبر مستفز ولا ينم عن عقل سليم فلم اكتفى بنشره وإنما أضفت إليه تعليقا مبني على تصريح منسوب لمفكر سياسي ومسؤول كبير في أحد الأحزاب المصرية، رأي أن تقنين «الحشيش» فكرة عميقة وان مناقشتها يستهدف تقليل تداوله واستخدامه بين المواطنين، حيث وجدت أن اللامعقولية هي الرابط بين الخبرين، و إن كان الأول ملفقا، بينما الثاني موثقا بالصوت والصورة. وهذا الربط امر معتاد في نقل الأخبار عبر «الفيس بوك» حيث تضاف إليها آراء «الفيسبوكيين» وتعليقاتهم، وهو ما يجعل من «الخبر الفيسبوكي» كيانا حيا ممزوجا بمواقفنا ومشاعرنا .. وهنا تكمن الخطورة التي سأبينها لاحقا. أما هدفي من النشر فهو قياس مدى تقبل جمهور «الفيس بوك» للأخبار المفبركة حتى لو كانت غير معقولة، وبالفعل تلقيت فيضا من التعليقات المهاجمة للفتوى والمستهجنة لصدورها من مفتي كبير، وهناك من حاول البحث في تاريخ فتاوى الرجل ليجد أمثلة غريبة تؤكد نسبتها إليه، فيما رأى آخرون ان تسريب الفتوى يأتي ضمن موجهة الهجوم على الإسلام. الأمور كانت سوف تسير على هذا المنوال حتى نهاية المطاف لولا نشر تعليق مفاجئ يشكك في صحة الفتوى ويدعو إلى التريث والبحث عن مصدرها. وعلى الرغم من هذا التعليق قد قلص من حجم العينة التي كنت سأعتمد عليها في هذه التجربة لاختبار دور وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للأخبار المكذوبة، إلا أن ما لمسته من حرص على نشر «الخبر» وما حصلت عليه من تعليقات وفرت لي استنتاجات معتبرة، فخرجت من هذه التجربة بعدة ملاحظات : أولا: تعامل القراء مع هذه الشائعة أو الفتوى المفبركة على انها خبر لمجرد انطلاقها من موقع إعلامي. ثانيا: لأن كثير من المواقع على الشبكة تفتقر إلى المعايير،فقد اعادت نشر الشائعة على أنها خبر، مما اكسبها نوعا من المصداقية الزائفة عند الجمهور، اعتمادا على نشرها في أكثر من موقع إخباري. ثالثا: بوصول الشائعة إلى شبكات التواصل الاجتماعي فقد بدأ الانتشار الواسع لها مستفيدة من القوة النفسية لهذه الوسائل المتمثلة في الثقة التي تمنحها لأغلب ما ينشر بها، لأننا عادة نسحب ثقتنا في أصدقائنا «الفيسبوكيين» على الأخبار التي يبثونها على حساباتهم فتكتسب مصداقية زائفة. رابعا: إن الكثيرين يساهمون في نشر أخبار ومعلومات ليس تقديرا لمحتواها او لثقتهم فيها، وإنما مجاملة لأصدقائهم. خامسا: إن نقل الأخبار ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسمح بإضافة معلومات واستنتاجات وآراء، وفي ذلك خطورة تكمن في ضرب المعايير المهنية للخبر الذي يفقد موضوعيته بخلطه بالرأي أو التدخل في محتواه بالحذف والإضافة. وبالتأكيد يزيد هذا الخلط في الشائعات والأخبار الكاذبة، لمنحها جاذبية أكثر، وهذا ما حدث مع الخبر سالف الذكر. وعندما استنفدت التجربة غرضها نشرت تعليقا، أوضحت فيه أن الخبر غير صحيح وبعد وقت قصير قمت بحذفه من حسابي على «الفيس بوك» ولكن موقف أصدقائي اختلف، فمنهم من صاغ الخبر في قصة جذابة تلقن القراء درسا في عدم التهجم على العلماء، أي أنهم روجوا له من حيث يحسبون انهم يهاجمونه، فيما تبنى آخرون الفتوى باعتبارها صحيحة. ومن ثم يسهم «الفيس بوك» في نشر أكاذيب سواء كان بقصد او بدون قصد، لذا أدعو إلى التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي في ضوء الأهداف التي أنشئت من أجلها باعتباره أداة للتواصل ومتابعة أخبار الأصدقاء وأفراحهم وأحزانهم وليست وسيلة إعلامية، فهي ساحة للتسلية والدردشة وليس مصدرا للمعلومات الصحيحة، إلا إذا كانت تابعة لوسيلة إعلامية موثوق بها او مؤسسة معروفة. أما إذا حولناها إلى وسيلة إعلامية فلن يتوقف الأمر فقط على الترويج الكاذب لأكل الزوجات، وإنما قد يصل إلى استحلال لحوم الأمهات وبقية البشر أحياء مرة وأموات مرات، عبر الغيبة والنميمة العلنية التي أصبحت بضاعة رائجة على «الفيس بوك»!