رغم أنى غير منتمٍ لأى حزب سياسى، ورغم أن الحظ لم يسعدنى بأى علاقة شخصية مع الدكتور السيد البدوى، إلا أن الزوبعة التى حدثت مؤخراً داخل حزب الوفد العريق أزعجتنى كثيراً وأثارت استيائى الشديد، ليس لما انطوت عليه من إساءة لأحد رموز الحركة الوطنية فحسب، وإنما لما تنذر به من مخاطر وعواقب وخيمة على الوطن بأسره. فبادئ ذى بدء لا أحد يستطيع أن يجحد قدر ذلك الرجل الذى يقود حزب الوفد بمنتهى الاقتدار والحنكة السياسية، لا أحد يستطيع أن ينكر عليه مواقفه الوطنية ومكانته الشعبية التى جعلته رمزاً من رموز هذا الوطن، وبالتالى فإن التعامل مع مثل تلك الرموز - مهما كان الاختلاف فى الرأى معها - يجب أن يكون بكل الاحترام والتقدير، خاصةً إذا كان المختلفون من أصحاب المقامات الرفيعة وينتمون إلى أعرق المؤسسات السياسية الوطنية.. واذا كان حزب الوفد يزخر بآليات ديمقراطية راقية تتيح لأعضائه مساحة واسعة للرأى والرأى الآخر وتضمن اتخاذ القرار فى إطار توجهات الحزب وبما يحقق الصالح العام فقط، فإن ما بدر من بعض السادة الأعضاء خروجاً على هذا المنهج إنما يثير كثيراً من التساؤلات والظنون عن الدوافع والأهداف. هذا من جانب وأما الجانب الآخر الأكثر أهمية وأراه جديراً بالنظر والتأمل، فهو تلك الموجة العاتية التى يتعرض لها الوطن بالهجوم الكاسر والنقد الزائف لرموزنا السياسية والدينية، ومحاولات إثارة الفتنة والقلائل داخل كيانات الدولة المتنوعة!، ألا يعلم الجميع أن مصر فى حالة حرب رغم عدم إعلان حالة الطوارئ، بل أنها تخوض الآن أخطر وأشرس حروبها فى تاريخها الحديث، وأنها حرب للدفاع عن وجود الدولة ذاته، وأنها تحارب أعتى القوى الدولية بأذنابها الإرهابية المنتشرة سرطانياً فى أحشائها، وأن القوة الوحيدة التى تعتمد عليها للنصر فى هذه الحرب هى وحدتنا الوطنية وصلابة وتماسك وتكاتف الشعب بكل أطيافه وفئاته ومؤسساته؟.. وهل يغيب عن أصحاب الفكر وأهل المعرفة أن الأحزاب السياسية من أهم الكيانات التى يتشكل بها كيان الدولة، وأن أىَ اختلال أو اضطراب بداخلها - خاصة فى هذه المرحلة التاريخية الدقيقة التى يمر بها الوطن - يمكن أن ينتقل إلى الكيانات الأخرى مثل النقابات المهنية والجامعات والاتحادات والجمعيات والهيئات وغيرها، وبما يؤدى إلى اختلال واضطراب كيان الدولة ويعرضها لأشد المخاطر وأسوأ العواقب؟.. وهل غاب عن هؤلاء السادة الذين افتعلوا الأزمة داخل حزب الوفد واتخذوا ذلك المنحى الغريب والمثير للتعبير عن موقفهم، أن حزب الوفد يُعد إحدي مدارس الديمقراطية ويمثل قدوة لقطاع عريض من الشعب المصرى، ومن ثَمَّ فإن كل حركة وسكنة فيه وكل خطوة منه أو عليه تؤثر تأثيراً مباشراً فى الوطن كله وتوجه مكنونه فى هذا الاتجاه أو ذاك؟ إننى أحمد الله سبحانه وتعالى أن استطاع حزب الوفد بقياداته الرشيدة احتواء تلك الأزمة، وأتمنى أن يُسدل الستار عما يجرى بشأنها من تحقيقات داخلية، وأرجو أن يدرك الجميع أن مصر فى أمسّ الحاجة الآن إلى وحدة كل أبنائها، وأن التحديات الجسيمة التى تواجهها تفرض نبذ أى خلافات والالتفات عن كل الصغائر وشحذ الهمم والطاقات فى اتجاه واحد، وأن اتحاد الكل على قلب رجل واحد لن يتأتّى إلا إذا كانت كل مؤسسة من مؤسسات الدولة على قلب رجل واحد متماسكة ومتكاتفة خلف قيادتها مهما كانت أوجه الخلاف التى يجب التغاضى عنها فى هذه المرحلة الدقيقة التى أشرنا إليها، فأعداء الوطن يتربصون به ولو استطاعوا شق الصف أو إحداث البلبلة فى أى كيان وطنى فسيكون ذلك بمثابة قطع خيط السبحة وانفراط حباتها. تبقى كلمة أخيرة أناشد بها السيد رئيس الجمهورية، بأن يفصح للشعب بقدر أكبر عن حقائق وأبعاد الحرب المقدسة التى تخوضها مصر ضد الإرهاب، والقوى التى تستهدفنا بهذه الحرب وأدواتها وفصائلها المتعددة التى تستخدمها، والأهداف التى تسعى إليها، وأن حالة حرب كهذه كانت تحتم فرض حالة الطوارئ بكل قيودها وتبعاتها، مع تشكيل حكومة حرب لا تهتم إلا بالتعبئة العامة للحرب، إلا أن عدم حدوث ذلك حتى الآن يجب ألا يلهينا عن حقيقة الحالة ومسئولياتها. حفظ الله مصرنا الغالية, وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل. E-Mail :