عندما أطلقت «الوفد» يوم الخميس الماضي حملتها ضد فساد وتخلف وروتين «المصالح الحكومية» و«دوخة» المواطنين أمام أبوابها «كعب داير»، كنا نهدف إلي إطلاق صافرات الإنذار والضوء الأحمر علي بعض هذه المصالح علي سبيل المثال، لأن حصر هذه المصالح لا ينتهي، فهناك «دوخة» المصريين في كل مكان، في وزارة التعليم والإدارات التعليمية لنقل أولادهم من مدرسة لأخري، وفي وزارة الصحة، في كل جهد يتعلق بالجمهور وما يحتاجه من خدمات، وهي صفحات طويلة، لن تنتهي إلا بصحوة تصحيح لتصويب مسارات العمل والخدمة بهذه المصالح، وبصورة تصحيح لأوضاع الموظفين أولاً حتي نهيئ لهم مناخ عمل ملائماً ليخدموا الجمهور.. ونختم اليوم هذه الحملة بكارثة «الحكومة الإلكترونية»، تلك التي انطلقت قبل 14 عاماً، وحتي الآن هي «ساقطة شبكة» أو «خارج الخدمة»، وقليل من المصريين سمعوا عنها، رغم أنه لو تم تشغيل وتفعيل الخدمات الإلكترونية من مصالح الحكومة لأنهت أغلب معاناة المصريين مع هذه الجهات.. ولا نعرف متي يمكن أن تدخل مصر مرحلة التطوير والتقدم التقني من تقديم الخدمة للجمهور. منذ إعلان مصر إنشاء حكومة إلكترونية عام 2001 وحتى العمل بها فى عام 2004 أثناء وزارة أحمد نظيف لا تزال هذه الحكومة المزعومة «محلك سر» عاجزة عن حل الكثير من المشكلات التى تواجه الجمهور، وما زالت حكومة «فوت علينا بكرة» تعطل مصالح الجماهير وما يتم الإعلان عنه من استخراج للبطاقات التموينية شهادات التوثيق عبر الإنترنت ورخص القيادة مجرد أوهام، فلم تحرك الحكومة ساكناً بعد حصول مصر على المركز ال 80 فى تصنيف الحكومات الإلكترونية أو الرقمية حول العالم، متأخرة عن الكثير من الدول العربية كالسعودية والإمارات، ويبدو أن هذه النتيجة التي هي بمثابة جرس إنذار لم تحرك ساكناً لدي أي مسئول، فبينما دول العالم تتسابق لتقديم الخدمات لمواطنيها بشكل يتناسب وروح العصر ما زالت الحكومات المتعاقبة في مصر تعتمد معايير شديدة التخلف في تقديم خدماتها، مما ينجم عنه وقوف المواطنين بالساعات فى طوابير طويلة لإنهاء إجراءات لا تتكلف سوى دقائق معدودة. ومن المؤسف أن الحكومة المصرية ما زالت عاجزة عن تقديم مواقع ذات تكنولوجية عالية وقواعد إلكترونية حديثة، هذا خلاف انها لم تحظ بشعبية كبيرة لتواصل المواطنين معها، لتقليل تكدس المواطنين داخل مكاتب استخراج شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية ورخص القيادة، والمسئولون لا يكفون عن ترديد شعارات حول الحكومة الإلكترونية دون أن يشعر المواطن بأي شواهد علي الأرض تعزز من تلك المزاعم، حيث ما زال استخراج أي مستند لا يتم بدون اللجوء إلى الموظف، الذي يعمل وفق آليات تنتمي لعصر بداية النهضة. ويزيد من حجم تلك الأمية الكبيرة الموجودة في المجتمع التي تصل نسبتها إلى 30 % من السكان. «الوفد» تجولت داخل بوابة الحكومة الإلكترونية لتقف على أهم نقاط العجز بها، وكانت أولي المفاجآت، ارتفاع أسعار الخدمات على البوابة الحكومية عن المكاتب الخدمية، لاستخراج رخص القيادة عبر الإنترنت وبطاقات التموين، أما الأكثر غرابة فإنه لا توجد أي خدمات بالفعل يقدمها ذلك الكيان الوهمي منذ بداية افتتاحه منذ قرابة عقدين لتكون في نهاية الأمر مجرد وهم ينضم لمجموعة الأوهام التي تصدرها لنا الحكومات منذ زمن مبارك.
فتش عن الحكومة تهدف البوابات الحكومية الإلكترونية فى الأساس إلى تقديم الخدمات المباشرة للجمهور مثل استلام طلبات الرخص والشهادات ودفع الضرائب وتسجيل العقارات، دفع المخالفات المرورية والغرامات والفواتير البريدية والكهرباء، تسهيل عمليات الدفع وتنفيذ المشتريات بالقطاع العام، توفير النماذج الإلكترونية واستطلاع الرأي العام بشكل آلي، معلومات الوظائف الشاغرة، توفير البيانات الإحصائية، كما تهدف لدعم تقنية المعلومات والاتصالات للأعمال التطوعية ومراكز الأمن والمحاكم، وخلق حكومة منفتحة بشكل أفضل مثل نشر القوانين واللوائح التنفيذية على الشبكة المعلوماتية، فى مصر يبلغ عدد العاملين فى القطاع الحكومى 6.5 مليون موظف، أكثرهم من غير الحاصلين على مؤهلات عليا وبحكم عمل تلك المؤسسات فإنها خاضعة لنظم قديمة وإجراءات بيروقراطية معقدة، جعلت المواطن يفقد الثقة فى التعامل مع الخدمات الحكومية، ففى وقت الحاجة دائماً ما يظهر فشلها فى وقت الحاجة، فما حدث ببوابة وزارة التربية والتعليم عند الإعلان عن نتائج مسابقة ال 30 ألف معلم، أكبر مثال لفشل التعامل الإلكترونى بين الدولة والمواطن فلم تُرفع البيانات على الموقع في الموعد المحدد، ودائماً ما كان الموقع معطلاً أثناء البحث عن النتيجة، أما خدمة التوثيق عبر البوابة التى أعلن عنها وزير العدل الأسبق المستشار أحمد مكى بإضافة 5 مكاتب توثيق ومكتب شهر عقارى، ما هى إلا مجرد أوهام، فالموقع دائماً فى حالة صيانة علي مدار الساعة، أما خطوط سكك حديد مصر فإن كنت من مرضي ضغط الدم المرتفع فلا تعتمد على صفحتها الإلكترونية، لأنك ببساطة إن أعتمدت فى سفرك على حجز تذكرة من الصفحة الرسمية، فعند ذهابك ستجد أنها لم تحجز أو تم بيعها.
النصب الإلكتروني دول العالم العربى والغربى اتجهت إلى الحكومة الإلكترونية لتوفير الوقت، فضلاً عن عبء المصروفات المدفوعة لاستخراج الأوراق الرسمية علي المواطنين، غير أن الأمر في مصر مختلف، فبدلاً من انخفاض التكلفة كما يحدث فى كل الدول، فإنها مرتفعة عن استخراج الأوراق من الشبابيك التقليدية، فاستخراج بطاقة بدل فاقد أو تالف قيمتها 15 جنيهاً، والتسليم بعد 15 يوماً، أما على بوابة الحكومة المصرية التكلفة 56 جنيهاً. د. صلاح الدين الدسوقى، رئيس المركز العربى للإدارة والتنمية يتحدث قائلاً: «الحالة التعليمية فى مصر يرثى لها 40% أميين، ونسبة من المواطنين لا يجيدون التعامل مع الإنترنت، ومن يلجأون لإنجاز مصالحهم إلكترونياً يواجهون مشاكل عديدة، لذا فالحكومة يجب عليها التغلب علي تلك المشاكل الخاصة بالخدمات الإلكترونية، لأنها مهمة للغاية لإنجاز المصالح، خاصة في مجال حجز تذاكر القطارات الذي يعد مثالاً صارخاً علي الفشل، فعندما تقوم بالحجز عن طريق موقع سكك حديد مصر عند الذهاب لشباك التذاكر تفاجأ بأن التذكرة غير موجودة، وهذا مشهد يتكرر كثيراً، مما أفقد المواطن الثقة في الخدمة الإلكترونية، لذلك فالدولة تحتاج لمزيد من تحسين الأوضاع، وعلي سبيل المثال فى الخارج قراءة عداد الكهرباء يتم عن طريق الربط على الشبكة، فلا هناك حاجة للقراءة عن طريق المواطن أو مندوب الشركة، فكل عدادات الكهرباء والماء مربوطة على شبكة الإنترنت». ويكمل «الدسوقى» حديثه حول أسعار الخدمة، قائلاً: «إن الزيادة فى أسعار الخدمة غير مبرر، فالنظام الإلكترونى يوفر للدولة الجهد والمال، فكيف يتحمل المواطن أعباء إضافية، ومن المهم خفض التكلفة لتشجيع المواطن على إنهاء مصالحه عبر الإنترنت بديلاً عن التكدس في المكاتب الخدمية». ويتحدث «الدسوقى» عن أسباب فشل مشروع الحكومة الإلكترونية، قائلاً: «النظم التقليدية فى ظل دولة الفساد القديمة دربت أجيالاً من العاملين الذين يرفضون التطور والعمل بالنظم الحديثة، خلاف أن هناك قاعدة داخل الجهاز الحكومى وهى الاستفادة من تعطيل مصالح الجمهور، وهو ما خلق بيئة إدارية معادية للتطوير، فالنظام الإلكترونى سيمنع الرشاوى، وهناك موظفون يعتقدون أن استخدام التكنولوجيا يعنى الاستغناء عنهم، فهو لا يعرف أن الخدمة تقدم بنظامين، ولابد للدولة ابتكار أنشطة جديدة، فلا يعقل أن يكون الموظف الإدارى الذى يتعامل مع الجمهور هو نفس الموظف الذى يتعامل مع المواطن إلكترونياً». فيما أكد مصدر، عضو بمجلس النظم والمعلومات - رفض ذكر اسمه - أن الحكومة الإلكترونية ليست واجهة لتقديم الطلبات، وإنما ميكنة لكل ما يدور داخل أروقة الحكومة وكل ما يقدم من طلبات إلكترونياً يتم العمل عليه يدوياً.. مضيفاً: لدينا حوالى 6.5 مليون موظف أغلبهم يحصل على راتبه يدوياً وعدد قليل يحصل على راتبه إلكترونياً عن طريق الفيزا ويأخذ وقت تسليم الشيكات 21 يوماً، خلاف أنه يتم تأمين النقود عن طريق الجهات الأمنية، وهى تكلفة تحسب على ميزانية الدولة، فضلاً عن أننا نمتلك 22 ألف مخزن حكومى غير مميكن، وهو ما يفتح باباً كبيراً للفساد، أما تطبيق نظام الحكومة الإلكترونية سيوفر الكثير من الوقت والمبالغ التي تنفق فى التأمين. وحول أهمية الحكومة الإلكترونية، أشار إلي نجاح المغرب التي فعلت منذ أكثر من 3 أعوام الدفع إلكترونياً في كل المرافق ولا يوجد شيكات حكومية والتجربة ناجحة، كذلك في إيطاليا، فالشراء من السوبر ماركت عبر ماكينة التحصيل متصلة بالشبكة لتحسب الضرائب على البائع فى البيع والشراء.. ويري أننا لو افترضنا أن الحكومة الإلكترونية ستوفر 1% من ميزانية الدولة، فإن هذه النسبة ستسهم فى بناء مستشفيات أو مدارس. ويكمل قائلاً: «هناك معوقات أخرى، فهناك جهات حكومية بالأقاليم والنجوع لا يوجد بها كهرباء، خلاف أن هناك عدم وضوح فى الإجراءات وهو ما يخلق طبقة تدعى علمها ببواطن الأمور وخوفهم من تطبيق النظام الإلكترونى، معتقدين أنه ليس هناك إمكانية لتعديل البيانات فى حالة الخطأ أو المراجعة». أما د. حاتم قابيل، أمين نقابة تجاريي القاهرة، فتحدث عن تهاون إرادة الحكومة فى التنفيذ، قائلاً: «منذ أن قامت مصر بتنفيذ الحكومة الإلكترونية عام 2004 الجهود التي تبذل غير كافية وتفتقر الرؤية الشاملة، ولا ينبغى إلقاء العبء كاملاً على وزارة التنمية الإدارية ووزارة الاتصالات».. مطالباً بخطة واضحة تنفذها كل الجهات، والأهم توفير البنية التحتية، فما يحدث أثناء إعلان ظهور نتيجة الطلاب آخر العام على المواقع من سقوط للمواقع أو بطء التصفح بها نتيجة الضغط هو قصور فى التنفيذ، فالدولة تعتمد على أنها صممت الموقع وليس هناك متابعة باستمرار للتحديث والصيانة. ويشدد د. حاتم، على أهمية الحكومة الإلكترونية، قائلاً: «إن تفعيلها بشكل أوسع فى مصر سيقلل الاتصال البشرى وغلق باب الرشاوى، كفكرة صرف الرواتب فهو بشكل أو بآخر خدمة إلكترونية والكثير من المواطنين يعتمد عليها ويجب تفعيلها فى فواتير الكهرباء والمياه بإقامة منافذ إلكترونية للسداد، مع الأخذ فى الاعتبار أن تتم الخدمة بمهارة. أما المستشار عادل عبدالباقى، نائب رئيس حكومة الوفد، فيرصد أهم عقبات الحكومة الإلكترونية، قائلاً: «الدولة يجب أن تبذل جهداً كبيراً لاستكمال تطبيق الحكومة الإلكترونية بإنشاء إدارة متخصصة تابعة لوزارة التنمية، ويتم عقد بروتوكول بين هذه الإدارة ووزارة التخطيط ووضع ميزانية لسرعة التنفيذ، فالحكومات الإلكترونية وفرت الكثير من المال والأيدي العاملة، فضلاً عن المجهود المبذول من أصحاب المصالح للوصول للهيئات وتوفير للوقود، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، إلى جانب تقوية الجهاز الإدارى للدولة». ويضيف عبدالباقى: قد يعارض الموظفون بالدولة مشاريع الحكومة الإلكترونية وقد يرفضون التكيّف مع الإجراءات المستحدثة، لذا فإنه يجدر بنا فهم أسباب هذه المعارضة والتغلب عليها من خلال التوعية والبرامج التدريبية في المجال التقني، أما فكرة تعامل الجمهور فلا يري وجود عقبة في هذا المجال، مستشهداً بوجود كم هائل من الشباب وكبار السن يتعاملون مع أحدث أنواع الموبيلات بسهولة، ونفي أن تقف الأمية التي يعاني منها قطاع من المواطنين دون نجاح تلك المشروعات المهمة.