تعيد ذكرى تحرير سيناء إلى الأذهان مواقف حافلة سجلها التاريخ لأبطال ضحوا بأرواحهم وديارهم من أجل أن تنعم مصر بالأمن والاستقرار، رافضين أن تنال المصلحة الشخصية من عقيدتهم الراسخة فى حب مصر والدفاع عن أرضها. ولا يزال التاريخ يشهد على تضحياتهم المتواصلة دفاعاً عن الوطن، فهم حراس البوابة الشرقية لمصر وحصن الأمان المنيع ضد بغى الاستعمار وغطرسة العدو الصهيونى على مر العصور. وبالرغم من الإغراءات الصهيونية لبدو سيناء إبان حقبة الاحتلال إلا إن اهلها لم يخضعوا لمطالب شخصية، عازمين على التضحية فى سبيل الوطن مهما تطلب الأمر من تضحيات. فبداية يقول الشيخ عبدالله جهامة، رئيس مجلس إدارة جمعية مجاهدى سيناء، إن ذكرى تحرير سيناء محفور فى قلوب القبائل السيناوية لأنه يوم استرجاع العزة والكرامة للنفس التى أهينت اثناء الاحتلال الإسرائيلى، موضحاً الدور العظيم لأبناء القبائل البدوية فى تحرير سيناء ومساندة القيادة السياسية فى استرداد الارض وتلقين العدو درساً فى الوطنية وعشق الوطن. وأوضح جهامة، انه بعد 5 يوليو 1976 تركت الحكومة المصرية سيناء وانتقلت الى الجانب الغربى لقناة السويس ولم يبق سوى ابناء سيناء وعدد من ضباط المخابرات الحربية المصرية الذين شكلوا حركة مقاومة تحت اسم "منظمة سيناء العربية". وتابع جهامة، نشطت "منظمة سيناء العربية" التى تشكلت من رجال ونساء القبائل البدوية فى سيناءوالسويس والإسماعيلية ومحافظات أخرى فى متابعة ورصد تحركات العدو واستهدافه داخل الاراضى السيناوية، لافتاً إلى أن أعضاء المنظمة جعلوا سيناء كتاباً مفتوحاً امام القيادة السياسية فى القاهرة من خلال إمدادهم بمعلومات عن العدو الصهيونى وتحركاته وخططه الاستراتيجية على الأرض. وأكد رئيس جمعية مجاهدى سيناء، ان عزيمة بدو سيناء فى التخلص من الاسرائيليين كان دافعاً قوياً لاستمرارهم فى النضال والكفاح ومساندة رجال المخابرات المصرية، مضيفاً ان اعضاء الجمعية قسموا أنفسهم الى فرق عدة منهم فرق تصوير وفرق للعمليات الفدائية وفرق لعرقلة خطوات العدو وأخرى لجمع المعلومات، كذلك لتدمير خزانات الوقود، مشيراً إلى ان التاريخ سطر بحروف من نور دور المرأة السيناوية فى أحد المواقف عندما تظاهرت بأن هناك حالة ولادة داخل أحد البيوت السيناوية التى كان يختبئ فيه زوجات قادة المخابرات المصرية من العدو الصهيونى اثناء تفتيشهم لمنازل البدو. وعلى جانب متصل نستعرض الجهود التى بذلتها القبائل العربية فى تحرير أرض سيناء: أول عملية للمقاومة فى سيناء تمثلت أول عملية للمقاومة بسيناء، فى مقتل 11 طياراً وامرأة من العدو الاسرائيلى، وكانت تلك أول عملية ينفذها أفراد "منظمة سيناء العربية"، بحسب رواية رئيس جمعية مجاهدى سيناء، ثم توالت عمليات نسف خزانات الوقود وتدمير مطار العريش لعرقلة القوات الاسرائيلية. أول شهيد من المقاومة فى سيناء. الشيخ حسن المسعودى شيخ قبيلة المساعيد كان اول شهيد من أفراد "منظمة سيناء العربية"، حيث وقع فى كمين للعدو الصهيونى اثناء تهريب ضباط مصريين الى غرب القناة، وتم على إثره تبادل لإطلاق النار من جانب بعض أفراد المنظمة والجيش الاسرائيلى، واستشهد المسعودى وتم حجز جثتة 15 يوماً من جانب المحتل ليتسلمها الصليب الأحمر المصرى، كما وقع عدد من أبناء سيناء فى الأسر ولم يفرج عنهم إلا فى صفقة تبادل الأسرى بين القاهرة وتل أبيب. تشكيل جمعية مجاهدى سيناء وبعد انتصار أكتوبر المجيد كرّمت الدولة المصرية رموز العمل الوطنى من أبناء سيناء، وكان عددهم 757مجاهداً بأنواط الامتياز من الدرجة الاولى، فضلا عن إنشاء جمعية لخدمتهم وخدمة ذويهم نتيجة لدورهم العظيم فى خدمة الوطن. تقول سلوى الهرش، أمينة المرأة فى سيناء، إن تحرير سيناء يذكرنا بالماضى الحافل بالمواقف التاريخية لأبناء سيناء فى نضالهم ضد العدو الاسرائيلى ومساندتهم للقوات المسلحة المصرية طول فترة الاحتلال، لافتة الى ان هذه الحقبة كانت حافلة بالمواقف التاريخية لمشايخ وشباب ونساء سيناء. ذكرت الهرش، بعض مواقف اهالى سيناء منذ النكسة فى عام 1967 وحتى حرب اكتوبر المجيدة 1973 تمثلت فى شهادة قادة القوات المسلحة المصرية الذين قالو انه "لولا الجلباب الأبيض ما انتصرنا فى حرب أكتوبر" مضيفة أن بدو سيناء كانوا يفصلون الثياب البدوية لقادة المخابرات الحربية حتى يتخفوا من العدو الاسرائيلى. وأضافت أمينة المرأة السيناوية، أنهم كانوا يسيرون بالأغنام على إثر الجنود حتى لا تكتشفهم اسرائيل، وذكرت ايضاً ان بدو سيناء أعدوا مائدة طعام للاسرائيليين فى احد "بيوت الشعر" الخاصة بأبناء البادية وبجوارها بيت آخر لرجال المخابرات الحربية المصرية لرصد خطط اليهود فى تدويل سيناء اثناء تناولهم للطعام بالتنسيق مع بعض مشايخ البادية. وأكدت الهرش، فى تصريحات خاصىة ل"الوفد"، على استكمال ابناء سيناء نضالهم من اجل دحر الإرهاب الأسود ومساندة القوات المسلحة المصرية ،مثنية على دور الشباب فى التبرع بالدم لمستشفيات العريش خلال وقوع الهجمات الارهابية الأخيرة على القوات المسلحة. وطالبت أمينة المرأة القيادة السياسية بضرورة تنمية سيناء وحث أبناء وادى النيل للعيش فيها، قائله، "إن الحل فى سيناء لا يتغير بدون تنمية حقيقية ننادى بها منذ تحرير سيناء". من جهته قال يسرى الهرش، حفيد المجاهد سالم الهرش، إن الموساد حاول ان يظهر للعالم أجمع أن أهالى سيناء يرغبون فى الاستقلال والانفصال عن مصر، وفى 26 أكتوبر عام 1968، اتفق الموساد على عمل مؤتمر عالمى بالحسنة، يحضره وفد من الاممالمتحدة "وموشى ديان" رئيس الحكومة الاسرائيلية، وقد استعان بمخرج إيطالى وأرسل دعوات الى مختلف وسائل الإعلام العالمية، ليتم اعلان انفصال سيناء عن مصر وانها أصبحت دولة مستقلة. ويكمل حفيد البطل، فى تصريح خاص ل"الوفد"، أن اسرائيل أرادت أن تفجر القنبلة أمام العالم أجمع، وبعد أن ألقى "موشى ديان" كلمته، كان الجميع فى انتظار كلمة الشيخ "سالم الهرش" ليعلن فيها استقلالهم عن مصر، وقد وقف الشيخ وسط الجموع وردد بصوت جهورى "سيناء مصرية مائة فى المائة ولا نملك فيها شبراً واحداً يمكننا التفريط فيه، أما أنا فلا أملك إلا نفسى وجسدى فأفعلوا بهما ما تشاءون، لكن من يتخذ قرار سيناء هم حكام مصر، ورئيسنا هو الرئيس جمال عبدالناصر وإذا كانت سيناء محتلة حالياً فستعود قريبا إلى الوطن الأم". فصفق له الحاضرون من أهالى سيناء. وهنا سعت إسرائيل للانتقام من الشيخ سالم الهرش، فحاولوا اعتقاله الا ان المخابرات المصرية تمكنت من تهريبه عن طريق الأردن إلى القاهرة،ل يقابل بعدها الرئيس جمال عبدالناصر، وأهداه عبدالناصر "طبنجة وعباءة وسيارة جيب ومبلغاً مالياً" الا ان الشيخ لم يقبل سوى العباءة فقط، وتبرع بالباقى الى الجيش. "القمر الصناعى المصرى" ظهر المجاهد "متعب هجرس" فى سيناء، الذى لقبته المخابرات ب"القمر الصناعى المصري"، ويسرد ابنه علي متعب هجرس، فى تصريح للوفد، ان المخابرات لقبته بهذا اللقب لانه لم يفوت معلومة عن المعدات الاسرائيلية ولا ما تقوم به اسرائيل دون أن يرسله للقيادة المصرية. وأضاف نجل هجرس، ان والده استمر في امداد المخابرات المصرية بكل المعلومات عن تسليح ومعدات الجيش الاسرائيلى موثقة بالصور لفترات طويلة، اعتمد هجرس فى تلك المهمة على إظهار الولاء لاسرائيل والتعامل مع الموساد على أنه ضمن مجنديه، واستمر على هذه الحال حتى عام 69 عندما قبض عليه. "واقعة القبض" أشار علي متعب هجرس، أن أحد الأشخاص قام بالتبليغ عن والده وثلاثة من المجاهدين كانوا فى طريقهم الى بورسعيد لإرسال صور ووثائق عدة عن معدات حديثة للجيش الاسرائيلى وصلت الى سيناء، وقد تعقبتهم دورية اسرائيلية وفتحت عليهم النيران واصابت بعضهم ثم ألقت القبض عليهم، وقد حكم على ثلاثة: "خالد عرابى بسبع سنوات، وسالم نصار بثلاث سنوات، ومتعب على هجرس بخمس سنوات". واكمل هجرس، أن والده اصيب بتهتك فى الرئة اليمين نتيجة تعرضه لأبشع أنواع التعذيب، خصوصاً أنه كان يتعامل مع الموساد الاسرائيلى ما جعلهم ينتقمون منه أشد انتقام، مضيفاً انه تم الإفراج عنه بعد ثلاث سنوات نتيجة تدهور حالته الصحية وتم ترحيله عن طريق الصليب الأحمر وتوفى بمستشفى الدمرداش، متأثرًا بالإصابة التى تعرض لها نتيجة التعذيب. وقد كان للشباب صغير السن دور كبير فى تحرير سيناء، فكان الشهيد نصر عودة الهرش، أول شهيد فى منظمة سيناء الدولية، والشهيد سليمان علي، اللذان استشهدا عام 67، يحملان خرائط وصور لأحد المواقع الاسرائيلية بسيناء، واستهدفتهم دورية إسرائيلية قامت بإطلاق النيران عليهم مما أدى إلى استشهادهم فى الحال، ولم يكتف العدو الاسرائيلى بمقتلهما وإنما قام بالاستيلاء على جثمانهما وإخفائها.