الأخلاق هي عنوان الشعوب، وحثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس، وقد تغنى بها الشعراء في قصائدهم، ومنها البيت المشهور لأمير الشعراء أحمد شوقي:(وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت.... فإن هُمُوُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا)، وللأخلاق دور كبير في تغيير الواقع الحالي إلى العادات السيئة، لذلك قال الرسول: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فبهذه الكلمات حدد الرسول الكريم الغاية من بعثته، وأنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين، ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون. إن التحلي بالأخلاق الحسنة، والبعد عن أفعال الشر والآثام يؤديان إلى تحقيق كثير من الأهداف النبيلة منها: سعادة النفس، ورضاء الضمير، وأنها ترفع من شأن صاحبها، وتشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم، وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق والآداب التي حثَّ عليها الإسلام، وذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية اقتداءً بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم- الذي هو أكمل البشر خلقًا لقول الله عنه:(وإنك لعلى خلق عظيم). إنَّ مصدر الأخلاق الإسلامية هو الوحي، ولذلك فهي قيم ثابتة ومثل عليا تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه ونوعه، أما مصدر الأخلاق النظرية فهو العقل البشري المحدود أو ما يتفق عليه الناس في المجتمع «العرف»، ولذلك فهي متغيرة من مجتمع لآخر ومن مفكر لآخر. كما أن مصدر الإلزام في الأخلاق الإسلامية هو شعور الإنسان بمراقبة الله عز وجل له، أما مصدر الإلزام في الأخلاق النظرية فهو الضمير المجرد أو الإحساس بالواجب أو القوانين الملزمة. حين تجد أمرًا سهلاً ميسرًا، يتنازل عن حظ نفسه أو جزء من حقه، ليحلّ مشكلة هو طرف فيها، أو ليطوي صفحة طال الحديث فيها، أو ليتألف قلبًا يدعوه، أو ليستطيب نفس أخيه، وهو قبل ذلك لا يتعدى على حق أخيه، ولا يلحف في المطالبة بحقوقه، فذلك هو الرجل السمح، وتلك هي السماحة، ودعا رسول الله بالرحمة للرجل السمح: ((رحم الله رجلاً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى))، وما هي إلا صور من المعاملات اليومية، التي تقتضي قدرًا كبيرًا من السماحة. ويعلق ابن حجر على رواية البخاري بقوله: "السهولة والسماحة متقاربان في المعنى والمراد بالسماحة ترك المضجرة ونحوها، وإذا اقتضى: أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف، وإذا قضى: أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مماطلة، وفيه الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم"، وأكثر ما تكون الخصومات في المعاملات المالية، والمناظرات الخلافية، والمشدات الكلامية، وقلّ أن يسلم فيها من لم يتحلّ بكرم الخلق، وجود النفس، وسماحة الطبع.