أصبح فكر الجباية الضريبية موروثاً سائداً لدى الحكومة المصرية، حتى وإن كان الوضع الاقتصادي الحالي ومع اقتراب عقد مؤتمر شرم الشيخ المرتقب يفرض ضرورة إتاحة أكبر قدر من التيسيرات الضريبية للمستثمرين، إلا أن الحكومة لازالت تتمسك بذيول تلك الجباية ولا تريد التخلص منها نهائياً.. وينطبق ذلك على اتجاه الحكومة الحالي لتصحيح أخطاء تطبيق الضريبة على أرباح المستثمرين الأجانب بالبورصة، حيث تدرس وزارتي المالية والاستثمار إيجاد آلية جديدة خاصة بعملية تحصيل هذه الضريبة، باعتبار أن طريقة التحصيل الحالية «غير منطقية» على حد وصف أشرف سالمان وزير الاستثمار.. لكن للأسف أفكار الوزارتين لا تعالج تلك المشكلة نهائياً، وبدلاً من عدم الاستمرار في خصم 6% تحت حساب الضريبة على الأرباح التي تتم قبل إجراء التسوية النهائية للتعاملات، فإن دراسات وزارتي المالية والاستثمار تعتمد على مجرد خفض تلك النسبة.. وذلك دون النظر في الأساس إلى أن هذه الضريبة تعتبر «جباية وهمية» يتم تحصيلها لفترة من الوقت وتستردها الشركات والمستثمرين الأجانب بعد ذلك، بناء على اتفاقيات منع الازدواج الضريبي المبرمة بين حكومة مصر وأكثر من 52 دولة، والتي تقضي معظمها بإعفاء أرباح بيع الأسهم في البورصة!! الوضع القائم حالياً بالنسبة لضريبة البورصة يتمثل في تحصيل وزارة المالية للضريبة من المستثمرين الأجانب على كل عملية، على أن تتم التسوية كل 3 أشهر، في حين يتم إعفاء توزيعات الأسهم المجانية وأول 10 آلاف جنيه من التوزيعات النقدية من الضرائب، مع السماح بترحيل الخسائر لمدة 3 سنوات، وهذا الوضع وصفه وزير المالية الحالي هاني قدري في بداية تطبيقه بأنه يراعي تحقيق الموازنة بين البعد الاقتصادي والمالي والاجتماعي، بل وشدد على أن الضريبة لن تؤثر على البورصة لأنها ستبحث عن نقطة توازن جديدة. ولكن يأتي وزير الاستثمار أشرف سالمان ليطعن في هذا النظام الضريبي، ويؤكد أن الطريقة التي يتم بها تحصيل ضريبة أرباح البورصة من المستثمرين الأجانب «غير منطقية» لأنها تثير حفيظة المستثمرين، ويجب إيجاد طريقة أكثر مرونة وعملية لتحصيل تلك الضريبة، حيث يتم فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية المحققة من التعامل في سوق الأوراق المالية وعلى التوزيعات النقدية بنسبة 10%، تمت في إطار حزمة إجراءات لزيادة الإيرادات وتخفيض عجز الموازنة، ولكن يتم خصم نسبة تصل إلى 6% من أرباح كل عملية ينفذها المستثمرون الأجانب بالبورصة بشكل فوري قبل إجراء التسويات النهائية لمجمل تلك العمليات. ورغم هذا الاعتراض من جانب وزير الاستثمار إلا أنه قام بحصر التعديل في مجرد خفض النسبة المحصلة تحت حساب الضريبة على أرباح العمليات، ولم يتطرق إلى ضرورة إلغائها تماماً والعمل على تفعيل اتفاقيات منع الازدواج الضريبي قبل التحصيل وليس بعده، أي بعد إتمام التسوية والتحقق من مدى إعفائها بمطابقتها لهذه الاتفاقيات. ويؤكد المحاسب القانوني أشرف عبدالغني رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية أن الضريبة على الأرباح الرأسمالية بالبورصة بالنسبة للمستثمرين الأجانب تحكمها اتفاقيات منع الازدواج الضريبي المبرمة بين مصر والدول الأجنبية، حيث تقضي معظم هذه الاتفاقيات بإعفاء الأرباح التي يحققها الأجانب في البورصة المصرية، بحيث يخضعون للضريبة في بلدهم وليس في مصر ، والدليل على ذلك عدم خضوع صفقة بيع أسهم بنك «سوسيتيه جنرال» للضريبة بسبب اتفاقية منع الازدواج الضريبي، والتي أعفت أرباح الصفقة بالكامل رغم أنها كانت بالملايين، وبالتالي فإن هناك تعارضا بين هذه الاتفاقيات وما تقوم به وزارة المالية من خصم ضريبة تحت الحساب من المنبع، مما يسبب حرجاً شديداً للحكومة، حيث تعتبر هذه الاتفاقيات قانونا ملزما بين مصر والدول المبرم معها تلك الاتفاقيات. وأضاف «عبد الغني» أن حصيلة ال 6% التي تحصلها المصلحة تعتبر حصيلة وهمية تدخل خزينة المصلحة ثم تخرج مرة أخرى، ولكن يتم تحصيلها بغرض استفادة المصلحة منها لبعض الوقت، حيث إنه بعد خصم ال6% تتقدم جميع الشركات بطلبات للمصلحة باستردادها بناء على اتفاقيات تمنع خضوعها للضريبة في مصر، والمفروض من الأصل ألا يتم خصم الضريبة على الأجانب، فالمفروض أن ضريبة البورصة لا تخاطب غير المصريين فقط، وحتى المصريين الذين يزيد حجم تعاملاتهم عن 10 آلاف جنيه، أي من لديهم عباءة تسمح بتحقيق أرباح في نهاية السنة . ومن جانبه طالب المحاسب القانوني أحمد شحاتة بضرورة إعادة النظر في تطبيق الضريبة على أرباح البورصة بشكل كامل، وذلك في ضوء حجم الحصيلة وتكلفة جبايتها، موضحاً أن تكلفة الجباية الخاصة بضريبة البورصة أعلى بكثير من الحصيلة المحققة منها، وأشار إلى أن تعاملات المصريين لا تمثل أكثر من 20% من تعاملات البورصة، وبالتالي فإن تكلفة الجباية بعد استبعاد حصيلة الأجانب ستكون أكبر . وشدد على ضرورة عدم الاكتفاء بتخفيض نسبة خصم الضريبة تحت الحساب من المنبع عن 6%، ولكن أن يتم منع تحصيل أية مبالغ تحت حساب الضريبة لحين التحقق من مطابقة الأرباح مع بنود اتفاقيات منع الازدواج الضريبي، فيما إذا كانت الاتفاقية تعفي هذه الأرباح أو إثبات العكس بأن هذه الاتفاقيات لا تغطي هذه الأرباح حتى تكون الحصيلة حقيقية بالفعل، أما إذا كانت المصلحة تستهدف زيادة الحصيلة فقط فعليها أن تقوم بتعديل تلك الاتفاقيات، إلا أنه من الصعب حدوث ذلك. ومن جانبه أكد محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار أن البورصة من أهم موارد الاقتصاد لاجتذاب النقد الأجنبي، وبالتالي يجب إعادة صياغة التشريعات الضريبية وفقاً للمنظومة الاقتصادية المصرية ومعدلات الجاذبية الاستثمارية المتاحة لدى قطاعات الاستثمار في الدولة وعلى رأسها البورصة المصرية، بهدف إعادة دور البورصة كمنصة تمويل كبيرة للمشروعات الاستثمارية . وأضاف أنه يجب أن تدرك الحكومة أهمية التوافق على ضريبة البورصة وطريقة تحصيلها حتى لا تتحول إلى «جباية»، ينتج عنها قضايا عديدة يتم نظرها أمام المحاكم، بالإضافة إلى دراسة الأثر الاقتصادي للأعباء الضريبية، وكيف يغير في فلسفة الاستثمار، مؤكداً أن الضريبة تشكل عبئا إضافيا لا يوجد في البورصات المنافسة. وأوضح أن قانون الضريبة علي الدخل الحالي يعفى الأرباح الناتجة عن التوزيعات، منعا للازدواج الضريبي، حيث سبق تحصيل الضريبة عليها قبل التوزيع بالفعل، الأمر الذي يخضعه لشبهه الازدواج الضريبي والطعن عليه، مشيراً إلى أن القيمة الحالية للحصيلة الضريبية تكون أقل في حالة خضوع المستثمر للضريبة على الدخل، ذلك أن حملة الأسهم يفضلون عدم الحصول على التوزيعات في حالة خضوعها لضرائب مرتفعة على الدخل، وبالتالي لا يفضلون إعادة استثمارها بالبورصة.