أودعت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار أنور العاصى، النائب الأول لرئيس المحكمة حيثيات بطلان نص المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، في مجال انطباقه على الانتخاب بالنظام الفردي، والجدول "(أولاً) الفردي" المرفق به، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب. وتضمنت الحيثيان أنه بتاريخ الخامس من فبراير سنة 2015، أودع المدعي صحيفة الدعوى الماثلة قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالباً في ختامها الحكم بعدم دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب؛ لمخالفة المادة الثالثة منه وكل من الجدول المرافق له ومذكرته الإيضاحية، للدستور، وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرتين بدفاعها، طلبت في ختام كل منهما الحكم؛ أصلياً: بعدم قبول الدعوى، واحتياطياً: برفضها، وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها، ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة الأحد. وبعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة، حيث إن الوقائع تتحصل، على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق ، في أن المدعي كان قد أقام ضد المدعى عليهم الدعوى رقم 26447 لسنة 69 قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، طالباً في ختامها الحكم؛ بصفة مستعجلة: بوقف تنفيذ قرار اللجنة العليا للانتخابات رقم (1) لسنة 2015 الخاص بإجراء الانتخابات بصفة عامة، ووقفه بالنسبة للشق الخاص بإجراء الانتخابات بدائرة الدرب الأحمر والسيدة زينب يومي 25و26 أبريل سنة 2015، لحين الفصل في دستورية قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم (1) لسنة 2015 المشار إليه. وإذ دفع المدعي بعدم دستورية القرار بقانون السالف الذكر، وقدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية، فقد أقام الدعوى الماثلة. وحيث إن السيد / محمد صلاح الدين محمد أحمد، والسيد / شامل عبد العزيز عبد الله، طلبا بجلسة 25/2/2015 قبول تدخلهما انضمامياً للمدعي في طلباته في الدعوى الدستورية الماثلة. وحيث أنه يشترط لقبول التدخل الانضمامي طبقاً لما تقضي به المادة (126) من قانون المرافعات وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن يكون لطالب التدخل مصلحة شخصية ومباشرة في الانضمام لأحد الخصوم في الدعوى، ومناط المصلحة في الانضمام بالنسبة للدعوى الدستورية أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين مصلحة الخصم الأصيل أو الذي قُبل تدخله في الدعوى الموضوعية المثار فيها الدفع بعدم الدستورية وأن يؤثر الحكم في هذا الدفع على الحكم فيما أبداه هذا الخصم أمام محكمة الموضوع من طلبات. لما كان ذلك، وكان كل من طالبي التدخل في الدعوى الماثلة لم يكن خصماً أصيلاً أو متدخلاً في الدعوى الموضوعية المقامة من المدعي، ولم تثبت لأي منهما تبعاً لذلك صفة الخصم التي تسوغ اعتبارهما من ذوي الشأن في الدعوى الدستورية؛ فإنه لا تكون لهما مصلحة في الدعوى الراهنة، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول تدخلهما. وحيث إن المادة الثانية من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب تنص على أن :"تٌقسم جمهورية مصر العربية إلى مائتين وسبع وثلاثين دائرة انتخابية تُخصص للانتخاب بالنظام الفردي، كما تٌقسم إلى أربع دوائر انتخابية تُخصص للانتخاب بنظام القوائم".
وتنص المادة الثالثة من القرار بقانون ذاته على أن:"يُحدد نطاق ومكونات كل دائرة انتخابية وعدد المقاعد المخصصة لها، ولكل محافظة، طبقاً للجداول المرافقة، بما يراعى التمثيل العادل للسكان، والمحافظات، والتمثيل المتكافئ للناخبين". وحيث إن هيئة قضايا الدولة دفعت بعدم قبول الدعوى من وجهين؛ أولهما: انتفاء الصلة بين المسألة المثارة في الدعوى الدستورية الراهنة والطلبات المطروحة أمام محكمة الموضوع؛ فضلاً عن أن المدعي لم يقدم ما يفيد ترشحه لانتخابات مجلس النواب، مما يكون معه من غير المخاطبين بأحكام القانون المطعون فيه، وثانيهما: أن المدعى أقام دعواه الماثلة بطلب الحكم بعدم دستورية القانون المشار إليه برمته، دون أن يبين النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته، ومن ثم يكون نعيه مجهلاً بما يخالف أحكام المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979. وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة في الدعوى الدستورية وتندمج فيها الصفة وهي شرط لقبولها، مناطها وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يؤثر الحكم في المسألة الدستورية على الطلبات المرتبطة بها والمطروحة على محكمة الموضوع، ويتحدد مفهوم هذا الشرط باجتماع شرطين؛ أولهما: أن يقيم المدعي في الحدود التي اختصم فيها النص المطعون عليه الدليل على أن ضرراً واقعياً قد لحق به، وليس ضرراً متوهماً أو نظرياً أو مجهلاً، ثانيهما: أن يكون مرد الأمر في هذا الضرر إلى النص التشريعي المطعون عليه، بما مؤداه قيام علاقة سببية بينهما؛ فإذا لم يكن هذا النص قد طُبق أصلاً على من ادعى مخالفته للدستور أو كان من غير المخاطبين بأحكامه أو كان الإخلال بالحقوق التي يدعيها لا يعود إليه، دل ذلك على انتفاء المصلحة الشخصية المباشرة، ذلك إن إبطال النص التشريعي في هذه الصور جميعها لن يحقق للمدعي أية فائدة عملية يمكن أن يتغير بها مركزه القانوني بعد الفصل في الدعوى عما كان عليه عند رفعها. وحيث إن المقرر في قضاء المحكمة الدستورية العليا أن الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح التي تباشرها هذه المحكمة؛ إنما تنتظم المشروعية في أعلى مدارجها، وأن إرساء هذه المشروعية وتثبيت دعائمها وأركانها عملية متواصلة مع اتصال الأيام والسنين؛ لا ينقطع جريانها واستمرارها، ولا يجوز بحال أن تتعثر خطاها، ذلك أن إقامة هذه المشروعية على دعاماتها الدستورية، وإن كانت تقع في المقام الأول على عاتق هذه المحكمة وسلطات الدولة كافة، فإنما تُعد مسئولية كل مواطن، فتلك المشروعية هي صمام أمنه، وهي التي تمهد أمامه الطريق لتحقيق الآمال العظيمة التي يتطلع إليها بما يعود بالنفع على نفسه وأهله وعشيرته، وبما يعود بالنفع والمصلحة والخير على المجتمع المصري بأكمله. وحيث إن دستور سنة 2014 القائم قد أولى صفة "المواطنة" أهمية بالغة، إذ قرنها، بنص أولى مواده، بسيادة القانون، وجعل منهما أساساً للنظام الجمهوري الديمقراطي الذي تقوم عليه الدولة، ونص كذلك في المادة (4) منه على أن السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم على مبادئ المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، كما كفل في المادة (87) منه مشاركة المواطن في الحياة العامة كواجب وطني، وجعل لكل مواطن الحق في الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وفي هذا السبيل؛ تلتزم الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب . وحيث إنه متى كان ما تقدم؛ وكان المدعي، باعتباره مواطناً، قد ثبتت له صفة الناخب؛ إعمالاً لما نصت عليه المادة (87) من الدستور من التزام الدولة بإدراج اسم كل مواطن بقاعدة بيانات الناخبين دون طلب منه، متى توافرت فيه شروط الناخب، وقد خلت أوراق الدعوى الراهنة مما يستفاد منه أن صفة الناخب قد زايلته أو أنه قد تجرد منها لأي سبب، فضلاً عن أنه لم يثبت بالأوراق قيام أي مانع يحول بينه وبين مباشرة حقوقه السياسية، وكان قد طعن أمام محكمة الموضوع على قرار رئيس اللجنة العليا للانتخابات رقم (1) لسنة 2015؛ طالباً وقف تنفيذه ثم إلغائه، مستهدفاً وقف إجراء انتخابات مجلس النواب؛ وبصفة خاصة تلك الانتخابات المتعلقة بدائرة الدرب الأحمر والسيدة زينب، وهي من الدوائر المخصصة للانتخاب بالنظام الفردي، ثم أقام دعواه الدستورية الراهنة طالباً الحكم بعدم دستورية القرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه، لمخالفة المادة الثالثة منه والجدول المرافق، لأحكام المواد (4) و(9) و(102) من الدستور، استناداً إلى أن ما تضمنه ذلك الجدول من تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، قد حرمه وسائر أقرانه المواطنين بالدائرة المذكورة من الحق في التمثيل المتكافئ للناخبين، وكانت الأحكام التي تنظم الدوائر الانتخابية، والواردة بالجدول"(أولاً) الفردي" المرفق بالقرار بقانون المشار إليه، تمس المركز القانوني للمدعي، بصفته ناخباً، وتؤثر فيه، باعتبار أن الدائرة الانتخابية تمثل الإطار المكاني والجغرافي الذي يحدده القانون لممارسة حقي الترشيح والانتخاب، ومن ثم تتوافر للمدعي المصلحة الشخصية المباشرة في دعواه الماثلة؛ في الطعن على نص المادة الثالثة من القرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه، في مجال انطباقه على الانتخاب بالنظام الفردي، والجدول "(أولاً) الفردي" المرفق بهذا القرار بقانون، وفيه ينحصر نطاق الدعوى الراهنة؛ لما للقضاء في المسألة الدستورية المتعلقة به من أثر وانعكاس أكيد على طلبات المدعي في دعواه الموضوعية، دون سائر النصوص الأخرى. ومن ناحية أخرى؛ فقد تضمنت صحيفة الدعوى الراهنة النص التشريعي المطعون بعدم دستوريته والنصوص الدستورية المدعى بمخالفتها وأوجه المخالفة، على النحو السالف البيان، وفقاً لما تطلبه نص المادة (30) من قانون المحكمة الدستورية العليا المشار إليه، وتبعاً لذلك؛ يكون الدفع المبدى من هيئة قضايا الدولة بعدم قبول هذه الدعوى، بوجهيه، غير قائم على أساس صحيح؛ متعيناً الالتفات عنه. وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه مخالفته أحكام المواد (4) و(9) و(102) من الدستور، تأسيساً على أن ذلك النص قد أهدر التكافؤ في عدد أصوات الناخبين الذين يمثلهم النائب الواحد، بين دائرة وأخرى من الدوائر الانتخابية المخصصة لنظام الانتخاب الفردي، مما ترتب عليه حرمان المدعي وسائر أقرانه المواطنين بالدائرة المذكورة من الحق في التمثيل المتكافئ للناخبين، فضلاً عن التمثيل العادل للسكان والمحافظات، وبذلك يكون النص المطعون فيه قد مايز، دون مبرر موضوعي، بين الناخبين بالرغم من تماثل مراكزهم القانونية، بما يُعد إخلالاً بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة في حق الانتخاب. وحيث إن الدولة القانونية وعلى ما تنص عليه المادة (94) من الدستور، هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها أياً كانت وظائفها أو غاياتها بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هي جاوزتها، فلا تتحلل منها، وكان مضمون القاعدة القانونية التي تعتبر إطاراً للدولة القانونية، تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد من منظور المفاهيم الديمقراطية التي يقوم عليها نظام الحكم على ما تقضي به المواد (1) و(4) و(5) من الدستور. وحيث إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه للحقوق التي قررها الدستور وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزناً ، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخوماً لها ينبغي التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره.
وحيث إن التزام الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز، وفقاً لنص المادة (9) من الدستور، مؤداه أن الفرص التي تلتزم الدولة بأن تتيحها لمواطنيها مقيدة بتحديد مستحقيها وترتيبهم فيما بينهم وفق شروط موضوعية ترتد في أساسها إلى طبيعة الحق وأهدافه ومتطلباته، ويتحقق بها ومن خلالها التكافؤ في الفرص والمساواة أمام القانون، بما يتولد عن تلك الشروط في ذاتها من مراكز قانونية متماثلة تتحدد على ضوئها ضوابط الأحقية والتفضيل بين المتزاحمين في الانتفاع بهذه الفرص، بحيث إذا استقر لأي منهم حقه وفق هذه الشروط، فلا يجوز من بعد أن يميز بينه وبين من يماثله في مركزه القانوني، وإلا كان ذلك مساساً بحق قرره الدستور. وحيث إن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه على المواطنين كافةً؛ باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلاً في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتأيه محققاً للصالح العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضاً أن صور التمييز المجافية للدستور، وإن تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه دستورياً هو ما يكون تحكمياً، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يُعتبر مقصوداً لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يُعتبر هذا التنظيم ملبياً لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطاراً للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذاً من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلاً إليها. وحيث إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة هو ذلك التنظيم الذي يقيم تقسيماً تشريعياً ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة التي يتوخاها، وكانت المذكرة الإيضاحية لقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه، قد أفصحت عن الاعتبارات الموضوعية التي دعت المشرع إلى تمثيل المحافظات الحدودية بمجلس النواب، تمثيلاً يعكس أهميتها الجغرافية؛ لكونها تُعتبر سياج الأمن القومي وخط الدفاع الأول عن أمن الوطن ومواطنيه، وذلك على سبيل الاستثناء من قاعدة التمثيل المتكافئ للناخبين، فإن هذا الاستثناء، وإن تضمن تمييزاً نسبياً بين مواطني هذه المحافظات وأقرانهم بالمحافظات الأخرى؛ يصلح أساساً موضوعياً يقيل الدوائر الانتخابية بتلك المحافظات من شبهة التمييز التحكمي، ومن ثم يكون هذا التمييز، وقد شُيد على أساس موضوعي، تمييزاً مبرراً، تنتفي معه مخالفة تقسيم الدوائر الانتخابية بالمحافظات الحدودية لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة في حق الانتخاب. وحيث إن حق الانتخاب، المقرر لكل مواطن وفقاً لما تنص عليه المادة (87) من الدستور، يندرج ضمن الحقوق العامة التي حرص الدستور على كفالتها وتمكين المواطنين من ممارستها، لضمان إسهامهم في اختيار قياداتهم وممثليهم في إدارة دفة الحكم ورعاية مصلحة الجماعة، وعلى أساس أن حقي الانتخاب والترشيح على وجه الخصوص وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة هما حقان متكاملان، لا تقوم الحياة النيابية بدون أيهما، ولا تتحقق للسيادة الشعبية أبعادها الكاملة إذا هما أُفرغا من المضمون الذي يكفل ممارستهما ممارسة جدية وفعالة، ومن ثم كان هذان الحقان لازمين لزوماً حتمياً لإعمال الديمقراطية في محتواها المقرر دستورياً، ولضمان أن تكون المجالس النيابية كاشفة في حقيقتها عن الإرادة الشعبية ومعبرة تعبيراً صادقاً عنها، ولذلك لم يقف نص المادة (87) من الدستور عند مجرد ضمان حق كل مواطن في الانتخاب والترشح وإبداء الرأي في الاستفتاء، وإنما جاوز ذلك إلى اعتبار مساهمته في الحياة العامة، عن طريق ممارسته لتلك الحقوق، واجباً وطنياً يتعين القيام به في أكثر المجالات أهمية؛ لاتصالها بالسيادة الشعبية التي تُعتبر قواماً لكل تنظيم يرتكز على إرادة هيئة الناخبين، ولئن أجاز الدستور للمشرع، بنص تلك المادة ذاتها، تنظيم مباشرة الحقوق السياسية المشار إليها، فإنه يتعين عليه أن يراعي في القواعد التي يتولى وضعها تنظيماً لتلك الحقوق، ألا تؤدي إلى مصادرتها أو الانتقاص منها، وألا تنطوي على التمييز المحظور دستورياً، أو تتعارض مع مبدأ تكافؤ الفرص الذي كفلته الدولة لجميع المواطنين ممن تتماثل مراكزهم القانونية، وبوجه عام ألا يتعارض التنظيم التشريعي لتلك الحقوق مع أي نص في الدستور؛ بحيث يأتي التنظيم مطابقاً للدستور في عموم قواعده وأحكامه؛ وعلى النحو الذي يضمن للناخبين ألا يكون حقهم في الانتخاب مثقلاً بقيود يفقدون معها أصواتهم من خلال تشويهها، أو إبدالها، أو التأثير في تكافؤها وزناً، وتعادلها أثراً.
وحيث إن نص المادة (102) من الدستور الحالي قد وضع ضوابط أساسية، أوجب على المشرع التزامها عند تقسيمه الدوائر الانتخابية؛ وهي مراعاة التمثيل العادل للسكان والمحافظات، بحيث لا تُستبعد عند تحديد تلك الدوائر أية محافظة من المحافظات، أو الكتل السكانية التي تتوافر لها الشروط والمعايير التي سنها المشرع والضوابط التي وضعها الدستور، أو ينتقص حقها في ذلك على أي وجه من الوجوه، هذا فضلاً عن وجوب التقيد في كل ذلك بتحقيق التمثيل المتكافئ للناخبين، بما يستوجبه من عدم إهدار المساواة وتكافؤ الفرص في الثقل النسبي لأصوات الناخبين ولعدد السكان . ولا يعني ذلك على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يكون التساوي بين أعداد من يمثلهم النائب في كل دائرة تساوياً حسابياً مطلقاً، لاستحالة تحقق ذلك عملياً، وإنما يكفي لتحقيق تلك الضوابط أن تكون الفروق بين هذه الأعداد وبين المتوسط العام لأعداد من يمثلهم النائب على مستوى الدولة في حدود المعقول. وحيث إن متوسط عدد المواطنين الذين يمثلهم النائب بمجلس النواب هو 168 ألف تقريبًا، والذى يمثل حاصل قسمة عدد سكان الجمهورية ومقداره 86,813,723 مضافًا إليه عدد الناخبين بها ومقداره 54,754,036 فى تاريخ صدور القرار بقانون رقم 202 لسنة 2014 المشار إليه – مقسومًا على اثنين ثم قسمته على عدد المقاعد المخصصة للنظام الفردي وهو 420 مقعداً – وباستعراض الجدول "(أولاً) الفردي" المرفق بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، فإنه يتبين أن المشرع لم يراع قاعدتى التمثيل العادل للسكان والتمثيل المتكافئ للناخبين فى العديد منها، ومن ذلك ما يلي: 1- محافظة القاهرة: دائرة حلوان؛ يمثل فيها النائب 220043 مواطناً وفقاً للمتوسط العام المشار إليه في حين أن دائرة الجمالية يمثل فيها النائب 78175 مواطناً، ودائرة المقطم يمثل فيها النائب 111360 مواطناً. 2- محافظة القليوبية: دائرة طوخ؛ يمثل فيها النائب 228226 مواطناً، في حين أن دائرة مدينة قليوب يمثل فيها النائب 130008 مواطناً. 3- محافظة الشرقية: دائرة كفر صقر؛ يمثل فيها النائب 214599 مواطناً، في حين أن دائرة مشتول السوق يمثل فيها النائب 149154 مواطناً. 4- محافظة دمياط: دائرة فارسكور؛ يمثل فيها النائب 205991 مواطناً، في حين أن دائرة الزرقا يمثل فيها النائب 124291 مواطناً. 5- محافظة كفر الشيخ: دائرة الحامول؛ يمثل فيها النائب 234493 مواطناً، في حين أن دائرة بيلا يمثل فيها النائب 104256 مواطناً. 6- محافظة الغربية: دائرة بسيون؛ يمثل فيها النائب 235970 مواطناً، في حين أن دائرة قطور يمثل فيها النائب 135924 مواطناً. 7- محافظة المنوفية: دائرة بركة السبع؛ يمثل فيها النائب 230341 مواطناً، في حين أن دائرة الشهداء يمثل فيها النائب 121943 مواطناً. 8- محافظة البحيرة: دائرة كوم حمادة؛ يمثل فيها النائب 240152 مواطناً، في حين أن دائرة مدينة كفر الدوار يمثل فيها النائب 131093 مواطناً، وكذلك دائرة مدينة دمنهور يمثل فيها النائب 130997 مواطناً. 9- محافظة الفيوم: دائرة يوسف الصديق؛ يمثل فيها النائب 255941 مواطناً، في حين أن دائرة ابشواى يمثل فيها النائب 141491 مواطناً. 10- محافظة بني سويف: دائرة اهناسيا؛ يمثل فيها النائب 268253 مواطناً، في حين أن دائرة بني سويف يمثل فيها النائب 141700 مواطناً. 11- محافظة المنيا: دائرة المنيا؛ يمثل فيها النائب 249040 مواطناً، في حين أن دائرة مدينة المنيا يمثل فيها النائب 118821 مواطناً. 12- محافظة أسيوط: دائرة الفتح؛ يمثل فيها النائب 225697 مواطناً، في حين أن دائرة صدفا يمثل فيها النائب 103617 مواطناً، وكذلك دائرة أبو تيج يمثل فيها النائب 111893 مواطناً. 13- محافظة سوهاج: دائرة مدينة سوهاج؛ يمثل فيها النائب 199127 مواطناً، في حين أن دائرة دار السلام يمثل فيها النائب 143556 مواطناً. وحيث إنه متى كان ما تقدم، وكان المواطنون، ومن بينهم أولئك الذين تتوافر فيهم شروط مباشرتهم حق الانتخاب، وإن تباينت الدوائر الانتخابية التي تضمهم، يتكافأون من زاوية تمثيل النواب لهم؛ مما يتعين معه ردهم إلى قاعدة موحدة تكفل عدم التمييز بينهم من حيث الثقل النسبي لهم، بلوغاً في خاتمتها إلى التمثيل الحقيقي المعبر عن مبدأ سيادة الشعب كمصدر للسلطات؛ إعمالاً لنص المادة (4) من الدستور، وإسهاماً فاعلاً في حركة الحياة السياسية، وما ذلك إلا توكيداً لحقيقة أن حق الانتخاب، بقدر ما هو حق للمواطن على مجتمعه، فإنه وبذات القدر واجب عليه؛ باعتباره أداة هذا المجتمع إلى تحقيق آماله عن طريق كفالة حرية مواطنيه في التعبير عن خياراتهم، ومن أبلغ صور هذه الحرية؛ حقهم في المجالس النيابية. ومن أجل ذلك؛ يجب أن يضمن التنظيم التشريعي للدوائر الانتخابية أن يكون لصوت الناخب في دائرة معينة الوزن النسبي ذاته الذي يكون لصوت غيره من الناخبين في الدوائر الانتخابية الأخرى وبمراعاة عدد السكان، بما مؤداه تحقيق تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين في مباشرتهم حق الانتخاب، ويترتب على ذلك أن مصادرة أو إهدار أو إضعاف هذا الوزن النسبي لهم في دائرة انتخابية معينة، بالمقارنة بأقرانهم في دائرة أخرى؛ يكون مخالفاً لمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة في ممارسة حق الانتخاب. لما كان ما تقدم؛ وكان النص المطعون فيه لم يلتزم قاعدتي التمثيل العادل للسكان، والتمثيل المتكافئ للناخبين، حيث تضمن في الجدول المرفق الخاص بالنظام الفردي للانتخاب، تمييزاً بينهم؛ يتمثل في تفاوت الوزن النسبي للمواطنين باختلاف الدوائر الانتخابية على النحو السالف البيان ودون أي مبرر موضوعي لهذا التمييز، متحيفاً بذلك حق الانتخاب، ومتنكباً الهدف الذي تغياه الدستور من تقريره، ومنتهكاً كل من مبدأي تكافؤ الفرص والمساواة في ممارسة هذا الحق، ومخلاً تبعاً لذلك بمبدأ سيادة الشعب باعتباره مصدر السلطات، ومن ثم يكون هذا النص مخالفاً لأحكام المواد (4) و(9) و(53) و(87) و(102) من الدستور؛ بما يتعين معه القضاء بعدم دستوريته. فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية نص المادة الثالثة من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 202 لسنة 2014 في شأن تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، في مجال انطباقه على الانتخاب بالنظام الفردي، والجدول "(أولاً) الفردي" المرفق به، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.