في الثالث والعشرين من يونيو 2014، رفض الرئيس عبدالفتاح السيسي التصديق على موازنة العام المالي 2014/2015 لضخامة العجز المتوقع فيها، وأمر الحكومة بمراجعة الموازنة وترشيد بنود الإنفاق فيها. وفي اليوم التالي مباشرة، وبمناسبة تخريج الدفعة 108 في الكلية الحربية، أوضح الرئيس أننا نحتاج إلى إجراءات نضغط بها على أنفسنا شوية، مؤكداً أننا نريد أن نترك للأجيال القادمة أشياء جيدة، لا أن نترك لهم ديوناً بهذا الشكل. وضرب الرئيس نموذجاً ليبدأ بنفسه، معلناً تنازله عن نصف راتب رئيس الجمهورية، والمقدر باثنين وأربعين ألف جنيه شهرياً، وقرر التنازل عن نصف ما يمتلكه بما في ذلك ما ورثه عن والده إلى الدولة. وقال الرئيس إنه «لو أن كل مصري ومصرية وضع بلده أمام عينيه، وكان لديه الاستعداد لكي يعطي، فسوف نعبر هذه المرحلة». وفي الأول من يوليو 2014، أعلنت رئاسة الجمهورية تدشين صندوق (تحيا مصر) لدعم الاقتصاد، من خلال القدرات الذاتية لأبناء الشعب المصري. وفي السابع من ذات الشهر، تبرع الرئيس عبدالفتاح السيسي للصندوق، بأن قام بنفسه بالذهاب إلى البنك الأهلي المصري فرع مصر الجديدة، حيث تبرع بمبلغ نصف مليون جنيه. وفي الثالث عشر من الشهر ذاته، وخلال إفطارهم مع الرئيس عبدالفتاح السيسي في قصر الاتحادية، أعلن بعض رجال الأعمال عن مساهمتهم بمبالغ مالية كبيرة أو بنسبة من الأسهم التي يمتلكونها في شركاتهم. وفي الخامس من أغسطس 2014، وفي كلمته بمناسبة تدشين مشروع تنمية محور قناة السويس، قال الرئيس عبدالفتاح السيسي إن «مصر أعطت القادرين من أبنائها الكثير.. هتدفعوا يعني هتدفعوا، لأن البلد أعطتكم الكثير». وجاء حديث السيسي كإشارة واضحة لرجال الأعمال بأن مصر في حاجة لدعمهم اليوم بعد أن حصلوا منها على الكثير خلال السنوات الماضية، وقد جاء اليوم ليردوا لها الجميل. ورغم استجابة بعض رجال الأعمال لدعوات التبرع، إلا أن هذه التبرعات لم تكن على قدر المتوقع. إذ تشير الأرقام إلى أن حجم الأموال الموجودة بصندوق (تحيا مصر) حتى الآن لا تتجاوز العشرة مليارات جنيه، بما يساوي 10% فقط من الرقم المستهدف، وهو 100 مليار جنيه. بل إن بعض رجال الأعمال رفضوا التبرع للصندوق، مؤكدين أن التبرع ليس حلاً وأن التبرع وحده لا يكفي. والواقع أن رجال الأعمال قد اعتادوا في الفترة السابقة على 25 يناير 2011 على التبرع للحملات الانتخابية للحزب الوطني المنحل، أو التبرع لبعض المشروعات التي تشرف عليها «سوزان مبارك» أو التبرع للمشروعات التي تحمل اسم الرئيس الأسبق «محمد حسني مبارك». ولم تكن هذه التبرعات تعبيراً عن الإحساس بهموم المواطن المصري، وإنما كانت بهدف التقرب من رأس النظام بهدف الحصول على بعض الأراض والامتيازات الأخرى من الدولة. واكتفى عدد من رجال الأعمال ببعض المشروعات الخيرية التي تخدم دوائرهم الانتخابية، لضمان مقعد في البرلمان. وإذا نظرنا إلى الموضوع من الزاوية القانونية، يلاحظ أن الدور المجتمعي لرجال الأعمال في العديد من الدول لا يعدو مجرد كونه واجباً أخلاقياً، دون أي التزام قانوني عليهم. ومع ذلك، وتحفيزاً لرجال الأعمال على التبرع، تلجأ معظم الدول إلى النص في تشريعاتها الضريبية والجمركية على خصم التبرعات من الوعاء الضريبي أو إعفاء السلع المتبرع بها من الرسوم الجمركية. ونعتقد أنه من غير الملائم أن يتبنى المشرع المصري ذات النهج، ونرى من الأنسب وضع آلية تكفل تشجيع رجال الأعمال على ممارسة نوع من الدور المجتمعي. وفي هذا الصدد، يمكن أن نشير إلى تجربة إمارة دبي، حيث صدر المرسوم رقم 16 لسنة 2013 بإنشاء جائزة دبي التقديرية لخدمة المجتمع. وقد ورد في ديباجة هذا المرسوم أنه يأتي تشجيعاً للأفراد على خدمة المجتمع، وتكريماً لمن يظهرون المسئولية المجتمعية، ويعملون على بناء مجتمع حيوي مترابط ويقدمون الدعم والمساندة للفئات المحتاجة، ويساهمون في دعم الأنشطة الإنسانية والاجتماعية والمبادرات والمشاريع التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة. كذلك، وعلى غرار التقرير الذي تصدره لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)عن أكثر الدول المانحة للمساعدات الإنمائية مقارنة بدخلها القومي، يمكن أن تصدر الدولة المصرية تقريراً سنوياً عن أكثر رجال الأعمال وأكبر الشركات تبرعاً على أن يتم التركيز على نسبة التبرع مقارنة بالدخل أو الربح الذي حققته الشركة. ولا شك أن ذلك من شأنه أن يسهم في إبراز الدور المجتمعي للشركات، الأمر الذي يؤثر في نظرة جمهور المستهلكين إليهم، ويسهم بالتالي في زيادة إقبالهم على شراء السلع التي تنتجها الشركات الأكثر تبرعاً. ومن هنا، سيجد رجال الأعمال المصريين أن مصلحتهم تقتضي ممارسة دور مجتمعي تجاه أبناء وطنهم. أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة