لأنها أول زيارة على الإطلاق للرئيس الروسي الكبير فلاديمير بوتين لمصر، فهي زيارة تاريخية بكل المقاييس تطلع الشعب المصري إليها طويلابكل اهتمام. .. ولأنها تأتي في ظروف تاريخية مهمة في ظل الأزمات والتهديدات الدولية والإقليمية التي يحركها الغرب على حدود البلدين الصديقين، فهي زيارة تاريخية واستراتيجية وبالغة الأهمية. .. ولأن علاقات الشعبين والبلدين الصديقين عميقة وممتدة، فإنها تتويج للعلاقات التاريخية المصرية الروسية وتدشين لمرحلة جديدة بآفاق أوسع من الشراكة الاستراتيجية الكاملة . وكم كان لافتا لأنظار العالم أن جماهير ثورة 30 يونية الشعبية التي خرجت في الميادين بعشرات الملايين رافعة لصور الزعيم جمال عبدالناصر تأكيدا للتكامل بين ثورة يوليو الأم وثورتي يناير ويونية وفي رسالة مضادة للأمريكان والإخوان .. رفعت أيضا صور القائد الوطني المشير عبد الفتاح السيسي قائد الجيش المصري في تأكيد واضح لثقة الشعب المصري في جيشه الوطني وفي قيادته الشجاعة، وإلى جانبه صور الرئيس الروسي الصديق للشعب المصري فلاديمير بوتين، في دلالة لا تغيب عن رفضهم للتبعية وللمشاريع الأمريكية التآمرية ضد مصر والأمة العربية. وفي تأكيد حاسم لرفض الحكم الظلامي الفاشي لجماعة الإخوان التي صنفتها المحاكم الروسية قبل المحاكم المصرية جماعة إرهابية، وهكذا كانت الأهداف والمطالب والأماني الشعبية واضحة، باتجاه الاستقلال الوطني وتعزيز العلاقات المصرية مع الأشقاء والأصدقاء والتصدي للأعداء، وتحقيق الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وإحياء مبادىء عدم الانحياز والوحدة العربية والكرامة الإنسانية. فلقد كان ما أعقب ثورة يناير الشعبية من أحداث ومشاهد كاشفا للرؤية الشعبية الوطنية، بحيث أدرك الشعب المصري بوضوح من هم أعداؤه ومن هم أصدقاؤه، وفاضحا للمؤامرة الصهيو أمريكية الساعية إلى ضخ الفوضى المدمرة بشباب ثوروي مراهق وإعلام مخترق، لتصعيد جماعة الإخوان الإسلاموية إلى الحكم ركوبا على موجة الثورة في الوطن المصري والعربي.. وقد وضحت الصورة للجماهير الشعبية، بعدما تصدرت حركة الغضب الشعبية من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتردية جماعات ظلامية ترتبط بأمريكا باسم الدين وهو منها براء، وحركات ثوروية ومنظمات تدعي الحقوقية ترتبط بأمريكا باسم الثورة وهي منهم براء، حيث كان كلاهما من نشطاء الطابور الخامس الذي كان يريد إسقاط الدولة وليس إسقاط النظام ويمثلون شهود زور على إرادة الشعب المصري. ولقد كانت مواقف القيادة الروسية الصديقة لمصر وشعبها منذ البداية إيجابية ومتوازنة وداعمة لإرادة الشعب المصري في التغيير، ومعبرة عن احترامها للخيارات الوطنية للقيادة المصرية الجديدة التي كلفها الشعب بالرئاسة في انتخابات ديمقراطية وبشعبية لا سابق لها في مصر، تلك المواقف الطيبة التي عبرت عن نفسها في الاستقبال الرسمي والشعبي الحافل للرئيس عبدالفتاح السيسي في أول زيارة رئاسية لروسيا كنهاية لارتهان السياسة الخارجية المصرية لواشنطن على حساب موسكو. ولأن السياسة الخارجية لأية دولة تدور تلقائيا، حيث دارت مبادئها ومصالحها الوطنية العليا في دوائرها المختلفة واتساقا مع ضرورات الأمن القومي، وهي في مصر انعكاس صحيح وطبيعي لتوجهات السياسة الداخلية تحقيقاٍ للأماني الوطنية، واستجابة لتطلعات شعبها في الأمن الحرية والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والسلام الإقليمي والدولي. كما تنبع من رؤية استراتيجية واضحة للعلاقة مع الشرق والغرب تقوم على عدة مبادئ واضحة أولها الاستقلال الوطني والتوازن في علاقاتنا الدولية حتى لا نرهن سياستنا الخارجية أو قرارنا الوطني لغير صالح مصر، والحياد الإيجابي والتعايش السلمي، وعدم التبعية لأية أحلاف عسكرية غربية أو شرقية، وأخيرا انطلاقا من مبدأ نسالم من يسالمنا ونعادي من يعادينا . فلابد لمصر من تعزيز علاقاتها الاستراتيجية بالأشقاء العرب والمسلمين، والأصدقاء الروس والصينيين، والجيران الأفارقة والأوروبيين، على أساس الاحترام المتبادل للاستقلال والسيادة الوطنية والمصلحة المشتركة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، وفي إطار ذلك ترحب مصر كلها شعبا وقيادة بالرئيس بوتين تعزيزا للعلاقات الاستراتيجية المصرية الروسية القائمة على أساس المبادىء والمصالح المشتركة.