فجأة وبدون مقدمات قررت وزارة الزراعة ازالة التعديات علي أراضي الدولة في مدينتي السادات ووادي النطرون وهذا حق أصيل للدولة ولوزارة الزراعة.. ولكن حينما تصبح الازالات عبارة عن عمليات تخريب وتدمير ل 56 ألف فدان من الأراضي الزراعية المستصلحة والمنتجة في نفس الوقت فهذا معناه أن ما يحدث هو خراب بيوت ودمار في دولة تعاني من نقص الغذاء وتستورد أكثر من 60٪ من احتياجاتها من القمح والذرة والفول و90٪ من زيوت الطعام.. الحكاية بدأت مع مجموعة من البدو الذين يضعون أياديهم على معظم الاراضي الصحراوية.. معتبرين تلك الأراضي املاكهم الخاصة ولهم حق التصرف فيها كما يشاءون في ظل غياب الحكومة عن دورها في بسط سلطتها على أراضي الدولة.. ومع نداءات الحكومة السابقة بأن الارض لمن يستصلحها يتم بعدها تقنين أوضاع المزارعين.. قام آلاف من المزارعين ببيع أراضيهم في الدلتا واشتروا بقيمتها مساحات أكبر في مدينتي السادات ووادي النطرون تجاوزت المساحة ال 100 ألف فدان. وقاموا بدفع أموال طائلة للبدو واضعي اليد على تلك الاراضي وبدأوا في الاستصلاح.. وتسوية الأراضي وحفر أبار وجلب شتلات واشجار مثمرة على مدى عشرات السنين.. حتى انتجت الارض من خيرات الله محاصيل تقليدية برسيم حجازي لتحسين التربة وقمحاً وموالح وموزاً وتيناً وخضراوات بطاطس وبسلة وطماطم وغيرها من المحاصيل..الفلاحين أعطوا الارض من مالهم وعرقهم وجهدهم.. والارض اعطتهم الكثير وطرحت منتجاتهم في الأسواق لسد الاحتياجات وتم تصدير الفائض الى خارج البلاد.. حتي بلغت قيمة الصادرات أكثر من 150 مليون دولار سنويا. الفلاحون تركوا بلادهم القديمة وباعوا اراضيهم فيها وأقبلوا مستبشرين بالمستقبل مع الأرض الجديدة والمساحات الكبيرة بعد أن وضعوا شقى عمرهم واستوطنوا تلك المناطق في انتظار تقنين أوضاعهم.. صدقوا تصريحات المسئولين بأن الارض لمن يزرعها وأعلنوا استعدادهم لسداد مستحقات الدولة حين طلبها.. ولكن نيرون ممثلاً في الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية لوزارة الزراعة قرر حرق الأرض وحرثها وابادة المزروعات فيها.. بدلاً من التفاهم مع المزارعين وتقنين أوضاعهم.. حملات أمنية مكثفة مدعمة بقوات من الجيش والشرطة خرجت لتنفيذ الازالات مصحوبة بعدد كبير من البلدوزرات والجرافات.. وكانت الكارثة تحويل الأرض الخضراء في مناطق عديدة من المساحة المنزرعة الى صحراء جرداء فهل هذا يتمشى مع رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي في زراعة 4 ملايين فدان خلال فترة حكمه.. وزراعة مليون فدان بشكل عاجل خلال العامين الأولين من توليه السلطة في البلاد. من حق الحكومة الحفاظ على أملاك الدولة وازالة التجاوزات عنها ولكن ليس من حقها ازالة شجرة واحدة أو تبوير قيراط أرض واحد.. لأن مصر في عرض أي مساحة زراعية لتوفير الغذاء للانسان والحيوان في نفس الوقت.. الحكومة امامها خيارات كثيرة للحصول على حق الدولة بدءا من تقنين أوضاع واضعي اليد الذين لم يرفضوا أن يتفاعلوا معها في هذا المجال.. وأمامها أيضاً تغريم الفلاحين ومصادرة الارض.. ولكن أن يتم تدمير الأرض وتبويرها فهذا ضيق أفق وغباء حكومي لابد أن يحاسب عليه من قام بهذه «الفعلة الشنيعة» هل من المعقول ابادة مساحات زراعية تم انفاق مئات الملايين من الجنيهات لاستصلاحها وزراعتها خلال عشرات السنين؟.. ما ذنب الفلاح الذي ترك قريته القديمة وجاء ليزرع ويشقى من أجل الحصول على لقمة العيش الحلال في أن يجد نفسه مشرداً ذليلاً في انتظار من يعطف عليه؟.. حان الوقت أن تراجع الدولة سياساتها في التعامل مع المواطن الذي تعامل بحسن نية وأراد أن يعمر في بلده.. بعيداً عن الاساليب البوليسية والتخريبية التي لجأت اليها الأجهزة التابعة لوزارة الزراعة.. فإذا كان هذا الحال مع أراض منتجة قد يكون أصحابها قد أخطأوا في زراعتها قبل تقنين أوضاعها.. ولكن أن يكون الجزاء هو تدميرها وازالة الزراعات عليها فهذا حرام.. ويعيد إلينا الصورة الذهنية السيئة حين تقوم الحكومة الاسرائيلية بازالة اشجار الزيتون والزراعات الخاصة باخواننا الفلسطينيين في الاراضي المحتلة. من يحاسب وزير الزراعة الذي باع الفلاح وتركه نهباً لتجار الاسمدة وامتنع عن المشاركة في تسويق القطن والأرز.. وزير الزراعة اعلن أن الدولة لن تدعم زراعة القطن وبدلاً من توجيه المزارعين لزراعة اقطان تتناسب مع امكانيات مصانع الغزل والنسيج.. ذهب ليقول للفلاح لا تزرع القطن الا اذا كانت لديك وسيلة لتسويقه.. محصول القطن الزراعة الرئيسية في البلاد حتى ثورة 23 يوليو 1953.. والتي كانت من علامات تفوق مصر في القطن طويل التيلة وكنا نزرع منه نحو 2 مليون فدان سنوياً.. جاء الوقت الذي تتخلى الحكومة عن زراعته ولم تتجاوز المساحات أكثر من 300 ألف فدان.. رغم أهميته كمصدر للزيوت النباتية وأمن قومي لتوفير الكساء لجموع المصريين وتصدير الفائض منه وتوفير العملات الصعبة التي تهدر سنوياً في استيراد كميات كبيرة منه لسد احتياجات صناعة الغزل والنسيج.. كنا ننتظر من وزارة الزراعة ان توقف مهازل التعدي بالبناء على الأراضي الزراعية التي تحولت الى سرطان في كل قرى مصر.. حتى أن هناك قرى بأكملها قد تآكلت واندثرت فيها الاراضي المنزرعة.. لقد فقدت مصر أكثر من 50 ألف فدان من أجود الاراضي الزراعية منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى الآن تم تبويرها وزراعتها بالمباني في الوادي والدلتا.. ونحن في حاجة الى كل قيراط وفدان من الارض المستصلحة لتعويض الفاقد، فهل ما قامت به اجهزة وزارة الزراعة يتناسب مع خطط الدولة في زيادة المساحات المنزرعة لتوفير الأمن الغذائي للمواطنين؟ يا سيادة رئيس الوزراء من الرحمة والعدل والمصلحة العليا للبلاد ايقاف مهازل ابادة الزراعات التي تقوم بها اجهزة وزارة الزراعة.. قننوا اوضاع المزارعين الجادين الذين وضعوا ثرواتهم فيها من اجل الحصول على لقمة عيش حلال.. لاتتركوا الفلاحين نهباً لمسئولين ضيقي الأفق اعداء الحياة أعداء الخضرة والنماء.. الدولة لها حق بسط يدها على املاكها ولكن أذرع الدولة لا تدمر ولا تخرب ولا تقهر مواطنيها.. إن عجزتم عن الحصول على حق الدولة بالقانون فصادروا الأراضي واطرحوها للبيع في مزادات ولكن لاتخربوها ولاتدمروها.. ياسيادة الرئيس أوقفوا مهازل اجهزة حكومية لم تفهم توجيهاتكم نحو زراعة 4 ملايين فدان للحد من فاتورة الاستيراد التي تمثل العبء الكبير على موازنة الدولة.. اغيثوا الفلاحين يرحمكم الله.