يظل المحور الرئيسي لندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام هو الأهم والأخطر، فنحن بحاجة إلى إعمال العقل فيما يدور حولنا من إرهاب ديني وعنف يرفع راية الإسلام والإسلام منه براء. ولعل الحادث الغادر الأخير لشهدائنا في سيناء يجعل ما يقوله علماؤنا حول حرمانية الدم وسماحة الإسلام ومعنى الجهاد ومتى يكون وعلاقة المسلم بالآخر عنه في الدين واللغة ملفات يجب أن ينتبه إليها الشباب وما أحوجنا إلى سماع صوت العقل في تلك اللحظة الحرجة من تاريخ «المحروسة». جدد الدكتور عبدالله النجار اعتذاره للمفكر الراحل زكي نجيب محمود في ندوة المحور الرئيسي التي عقدت بالقاعة الرئيسية. تحت عنوان (الجهاد في الإسلام.. متى ولماذا؟): منذ ثمانينيات القرن الماضي. كتب الفيلسوف زكي نجيب محمود حول الانتماء، وذكر أن الانتماء يتكون من ثلاث حلقات متداخلة الأصغر هي الانتماء للوطن وتتسع لتشمل العروبة أو القومية، وأخيرا الديانة التي تضم بلاداً متعددة. وكانت وجهة نظر زكي نجيب محمود تقضي بأن يجيب المواطن عن سؤال الانتماء بقوله أنا مصري ثم أنا عربي إلى أن يتوسع فيقول أنا مسلم. ويضيف: أذكر وقتها أنني عارضت هذه الفكرة وكتبت مقالات في مجلة (الأزهر) تحت عنوان الانتماء، وكنت أرى عكس ما قاله زكي نجيب محمود، فالإنسان يبدأ بالدائرة الأوسع وإذا سأل المصري عن انتمائه فيقول أنا مسلم، وضممت هذه المقالات في كتاب (الانتماء في ظل التشريع الإنساني) ونشر في أوائل الثمانينيات، ونحوت فيه منحى المناطقة وكانت فكرتي هي أن إعلاء شأن الإسلام يدفعنا للحفاظ على الوطن. يصمت قبل أن يقول: بعد المدى الطويل كتبت من أسبوعين مقالاً في جريدة روزاليوسف بعنوان (أخطأت وأجاد الدكتور زكي نجيب محمود) بعد أن وجدت الإسلام يتخذ كستار لنقض القيم والتنكيل بالدماء والتمثيل بالجثث والاستيلاء على الأعراض. وينتقد عبدالله الدعاة الذين يذهبون إلى بلدان مختلفة ويتفاخرون بما تحقق على أيديهم من معجزة الهداية.. بعضهم ذهب إلى البلد الفلاني ويقول: ألقيت محاضرة عصماء فتكالب الناس وأسلموا على يدي، وهذه مغلاة حمقاء لأن الله غني عن هذه المبالغات والاستجداء، ولو كان الأمر كذلك لقطع الله الطريق منذ البداية وكان بمقدوره أن يؤمن الناس جميعاً بدون اختيار.. إن الله لا يقبل الإيمان لحظة خروج الروح.. الله يريد الإسلام عن قناعة، بينما الكثير من الحمقى يظنون أن الدخول إلى الإسلام بالعصا، وهذه إهانة للدين ليس هناك أخلص من رسول الله صلى الله عليه وقال له ربه (لست عليهم بمسيطر) و(إنك لا تهدي من أحببت). أعجب لهؤلاء الحمقى الذين يحملون البنادق والقنابل حتى يرهبوا الناس للدخول في الإسلام، والجهاد في الإسلام ليس هو العنف.. ما يحدث من قطع الرقاب ليس من الإسلام، والله لا يريد أن يخضع الناس خضوعاً مظهرياً، هذا طريق جهول لا يوجد جهاد اسمه جهاد ابتدائي التعريفات التي وردت في الجهاد تثبت أنه يقع لرد اعتداء. كان النبي يقول لأصحابه اصبروا إني لم أؤمر بالقتال إلى أن أذن له الله وبدأت مسيرة الغزوات.. ومن يرفعون شعار الإسلام ويزهقون الأرواح الآن يسخر من أفعالهم حتى الشيطان والإسلام منهم بريء. ويتطرق الدكتور النجار إلى تعريفات الجهاد فيقول إنها عند الحنفية فرض لعين إذ هو ليس إفساداً في نفسه إنما لدفع الشر عن النفس لإعادة العزة.. والمالكية يقولون إنه دفع عدو المسلمين.. الشافعية يرون أنه القتال في سبيل الله لنصرة الإسلام.. والحنابلة يذكرون أن القتال لدفع المشركين إذا هجموا ممن يقدرون عليهم بشروطه. وقال ابن القيم في (زاد المعاد الجهاد) إنه إما بالقلب أو باللسان أو باليد ليكون ردا للمعتدين.. ويقول ابن حزم، إن الجهاد دفع العدو وغزوه في عقر داره وحماية أمور المسلمين.. وعند الزيدية يعرّف بأنه بذل الجهد في قتال الكفار. ومن خلال التعريفات نجد أن المسألة تتلخص في أن الجهاد في الإسلام ليس اعتداء أو دفعاً ابتدائياً أو السيطرة على البلدان واحتلالها لأن هذا اسلوب العصابات. وهناك إشكالية في الجهاد تنبع بين أساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم هل هي علاقة السلام أم أن العلاقة هي الحرب لتظل قائمة إلى يوم الدين حتى ترتفع راية الإسلام في كل الدنيا. وجمهور العلماء يرى أنها للسلم وللتواصل والتعارف الإنساني ومما يدل على ذلك الآيات القرآنية التي جاءت في مشروعية الجهاد.. وطالما ليس هناك اعتداء فنحن مع غيرنا من غير المسلمين. أما الجزية فقد كانت مقررة بدلاً عن الجهاد لأن الإسلام لا يريد أن يقحم غير المسلمين لخوض حرب دفاعاً عن دين لا يؤمنون به وكان حافظ القرآن يعفى من الجهاد وحرف معناها حتى صارت نوعاً من الإذلال والله يخبرنا (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فهل الله ينتقم ممن خيرهم.. حاشا لله. ويتحدث الباحث ماهر فرغلي عن الوحدة الإنسانية التي يجب أن تقدم على الوحدة الإسلامية ويستشهد بقوله تعالى: (قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين) ويهاجم مفهوم الجهاد عند المجرمين الخونة ويقول: هناك جهاد للنفس وجهاد للشيطان ومفهوم الجهاد عندهم هو القتل وأدبيات الجماعات تركز على الحتمية، بينما كان للرسول مواثيق مع اليهود في المدينة هم يؤمنون بحتمية أن الحكام مرتدون وكفرة وأنهم في دار الحرب ويقتلون الفقراء ويزعمون أن الجيوش تمتنع عن الشريعة التي لا تطبق، والغريب أن خليفتهم البغدادي مختف.. ويضيف: الخلافة بهذا المفهوم مسيئ لكل الدين يجب تنقية كتب التراث لأنه ليس مقدساً وهذا دور العلماء، فالفتوى تتغير بتغير الأزمان. ويلتقط منه الدكتور عبدالله النجار طرف الخيط ليقول: موضوع الخلافة فتنة العصر لأن الخلافة بعد ملك بني أمية أصبحت ملكاً، وإثارة فكرة الخلافة الهدف منها إحداث نوع من الفتنة لإبادة مسلمين ليس لديهم من الإرادة لفعل ذلك والهدف تسليم أرضهم لتعود للخلافة العثمانية. تركيا سنة 1923 هي من نبذت الخلافة وحين أتى كمال أتاتورك قال لا نريد أن ننتمي للخلافة الإسلامية وهرولوا إلى أوروبا للحاق بها وتنفيذ مطالب الاتحاد الأوربي وهم الآن يتجهون للخلافة ويعلمون علم اليقين أن الأمة الإسلامية ضعيفة. لا يجب أن نقف عند الشكل نستطيع، الوحدة الإسلامية كبديل وما يترتب عليه من المفاسد يفوق المصلحة لقد تركنا هذه المسائل المهمة من علم وصناعة واتجهنا للخلافة، نحن لا نملك أن نطعم أنفسنا فكيف تقيم وحدة إسلامية قرارها بيد عدوك؟ أولى بك إقامة نهضة إسلامية وبناء اقتصاد، فاليد العليا خير من اليد السفلى.. محذراً من أفكار تتهم المجتمع بالانحراف ووصفه بأنه ليس لديه أخلاق والقول بأن المجتمع كافر. ويعلق ماهر فرغلي: مشكلة الجماعات أن التنظيم عندها أهم من الدولة ويمتلكون مشروعاً خيالياً ويسخر من «البغدادي» زعيم تنظيم داعش الذي يتحدث عن ولاية خراسان وكأنه يجوز له تقسيم العالم الإسلامي إلى ولايات مثلما حدث من تقسيم في الدولة العباسية وهو مشروع فاشل رغم أنه يلهم بعض الشباب الأوروبيين.. بالضحك عليهم.