لم يكن اعتراض الولاياتالمتحدةالأمريكية على إعلان المحكمة الجنائية الدولية البدء بتقييم أولي بشأن جرائم حرب إسرائيلية محتملة على الأراضي الفلسطينية أمرا مفاجئا. فقد اعتادت الولاياتالمتحدة على الكيل بمكيالين خصوصا فى أى أمر يتعلق بإسرائيل الابن المدلل لأمريكا . وفى الوقت الذى تطارد فيه أمريكا زعماء وأمراء حرب آخرين بتهم الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب، مثل الرئيس السودانى عمر حسن البشير، تغض البصر عما يفعله قادة إسرائيل وجنرالاتها فى غزة والضفة الغربية، رغم أن جرائمهم موثقة بالصوت والصورة. والحقيقة أن العالم الحر مل هذه السياسة المزدوجة من الأمريكان على مر العصور ومهما اختلف الرؤساء جمهوريون كانوا أم ديمقراطيون. فلم يعد مقبولا بأى حال من الأحوال أن تمارس الولاياتالمتحدة تلك السياسة الوقحة التى تؤيد إسرائيل على طول الخط، وتستخدم الفيتو فى كل قرار بمجلس الأمن يحمل مجرد لوم لدولة الكيان الصهيونى. وإذا كانت واشنطن لا تدرك أن مصداقيتها، ومبادئها الزائفة فيما يخص الحرية والديمقراطية، قد تقوضت تماما فعلى الساسة الأمريكيين أن يتركوا السياسة. فقد أثار اعتراض واشنطن على قرار المحكمة الجنائية الدولية اليوم، استياءً كبيرا فى الأوساط العربية والإسلامية وكذلك فى دول العالم الحر. وفى «بجاحة» غير مقبولة قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيفري راثكي في بيان "نحن نختلف بشدة مع الخطوة التي قامت بها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية. إنها لمهزلة مأسوية أن تكون إسرائيل، التي واجهت آلاف الصواريخ الإرهابية التي أطلقت على مدنييها وأحيائها، هي الآن موضع تدقيق من جانب المحكمة الجنائية الدولية". وبدوره، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه "يرفض" قرار المحكمة الجنائية الدولية، واصفا إياه بأنه "أمر مخزٍ". ورأى أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك سلطة قضائية على فلسطين بما أنها ليست دولة، بحسب قواعد هذه المحكمة بالذات، علما أن إسرائيل ليست عضوا في الدول الموقعة على اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة. ورحب الفلسطينيون بقرار المدعية العامة، وقال وزير الخارجية الفلسطينية رياض المالكي إن "الإجراءات الحقيقية بدأت في المحكمة الجنائية الدولية، ولا يستطيع أحد أو أي دولة إيقاف هذا التحرك". وتابع المالكي أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس "وقع على وثيقتين فيما يخص المحكمة الجنائية الدولية، أولهما معاهدة روما حول انضمامنا الذي ستناقشه المحكمة في الأول من أبريل المقبل". أما الوثيقة الثانية، بحسب المالكي، فهي إعلان يخول المحكمة "البحث في جرائم" ارتكبت منذ الثالث عشر من يونيو الماضي. وأضاف أن "البحث الأولي في الجرائم حسب الوثيقة الثانية لا يحتاج الانتظار حتى أبريل، وغير مرتبط به". وقال المالكي إن قرار المحكمة "بدء التحقيق الأولي هو تأكيد بأن لا أحد ولا أي دولة قادرة على إيقاف هذا التحرك". وأكدت منظمة العفو الدولية أن البحث الأولي "قد يؤدي في نهاية الأمر إلى فتح تحقيق حول جرائم ارتكبتها كل الأطراف في إسرائيل وفلسطين وكسر ثقافة الحصانة من العقاب التي أدت إلى استمرار دوامة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية". ومن هنا يجب على الدول العربية والإسلامية وكل بلدان العالم المساندة للقضية الفلسطينية، أن تدعم الموقف الفلسطينى وأن يكون لها دور إيجابى فى مواجهة التعنت الأمريكى والوقاحة الإسرائيلية. وفتح تحقيق أولي هو التطور الأخير في إطار حملة دبلوماسية بدأها الفلسطينيون في الأممالمتحدة بعد طلب الانضمام الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية في 2 يناير والذي ردت إسرائيل عليه حينها بتجميد تسليم 106 ملايين دولار من الرسوم الضريبية التي تجبيها لصالح السلطة الفلسطينية. ويتعلق فتح التحقيق الأولي بجرائم حرب مفترضة ارتكبت منذ صيف 2014 في فلسطين. والبحث الأولي يهدف إلى تحديد ما إذا كان هناك "أساس معقول" لفتح تحقيق، كما ذكر مكتب المدعية العامة للمحكمة فاتو بن سودة في بيان، موضحا أن "المدعية العامة ستحلل خصوصا المسائل المرتبطة بالاختصاص وإمكانية قبول الملف ومصالح التقاضي". ويتيح انضمام فلسطين إلى معاهدة روما المؤسسة للمحكمة للمدعي طلب محاسبة المسئولين الإسرائيليين بشأن عمليات عسكرية قد تنفذ لاحقا في غزة أو بشأن احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية. والخلاصة أن الفرصة أصبحت مواتية لأن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، واستغلال التعاطف الدولى الأخير فى الضغط لإخضاع إسرائيل للقانون الدولى، فقد صوتت برلمانات عدة فى دول أوروبية مؤخرا لصالح الاعتراف بفلسطين ، وها هى المحكمة الجنائية تقوم بخطوة إيجابية جيدة، يجب التمسك بها والضغط من أجل تنفيذ تلك التحقيقات رغم أنف أمريكا وإسرائيل.