على رغم مرور ثلاثة اسابيع من إصدار محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية، الدائرة الاولى بالبحيرة، حكما لعلاج الطفل وليد محمد غيث، صاحب المرض الوراثى النادر "ميكويوليكسر ايدوزس" النوع الثاني، بالعلاج مدى الحياة، الا أن وزير الصحة ورئيس هيئة التأمين الصحي تحديا الطفل الفقير وامتنعا عن تنفيذ الحكم, فأقام والد الطفل دعوى جديدة ضد وزير الصحة ورئيس التأمين الصحى لامتناعهما عن تنفيذ الحكم طالبا الاستمرار فى تنفيذ الحكم وتحريك الدعوى الجنائية ضدهما. وهو مرض يسبب تضخم الكبد والطحال وانحناء فى العمود الفقرى ويؤدى الى فقدان السمع وضعف للنظر وعتامة بالقرنية وتيبس بالمفاصل وعدم القدرة على الحركة وقصور بعضلة القلب. قررت المحكمة امس الاول فى جلستها المنعقدة فى العاشرة صباحا، برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، منح وزير الصحة ورئيس التأمين الصحى أجلا مدته ثلاث ساعات فقط, حتى الساعة الواحدة ظهرا, لبيان اسباب امتناعهما عن تنفيذ الحكم, وقدم الحاضر عن الوزير خلالها بأن الوزير ليس له صفة فى علاج الطفل بحجة ان التأمين الصحى له شخصيته الاعتبارية المستقلة, ولم يحضر التأمين الصحى رغم اعلانه إعلاناً قانونياً صحيحاً. وبعد انقضاء الساعات الثلاث قررت اصدار الحكم الساعة السادسة مساء امس الاول فى جلسة مسائية, وقضت برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين محمد حراز ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة، بإلغاء قرار رئيس هيئة التأمين الصحى السلبى بالامتناع عن تنفيذ الحكم الصادر من هذه المحكمة فى الدعوى رقم 1028 لسنة 15 قضائية بجلسة 15 ديسمبر 2014 وما يترتب على ذلك من آثار اخصها استمرار الزامه ووزير الصحة باعتبار ان الهيئة تحت اشرافه قانونا وهو القوام على مرفق الصحة بصرف الدواء المقرر او بديله بواقع (0.5 ملليجرام لكل كيلوجرام من وزن الطفل) اسبوعيا ولمدى الحياة او حتى تمام شفائه, بحسبان ان الامتناع عن تنفيذ الاحكام القضائية وتعريض حياة الطفل للخطر والهلاك خرقا دستوريا وجرما جنائيا وإثما تأديبيا لهما, وامرت بتنفيذ الحكم بمسودته دون اعلان والزمتهما مصروفات الطلب العاجل. قالت المحكمة ان مقتضى التنفيذ الصحيح للحكم الصادر من هذه المحكمة كان يتوجب على رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى ووزير الصحة باعتباره القوام على مرفق الصحة فى البلاد وتعمل تلك الهيئة تحت اشرافه قانونا ان يبادرا فورا الى اصدار قرار تنفيذى بمضمون الحكم يضمن علاجا للطفل الفقير لانقاذ حياته من المرض النادر الذى ألم به وأخذ يتمكن من جسده الضعيف بلا هوادة, ولم يجد الطفل الرحمة ممن اناط بهما القانون تقديم العلاج اليه وراح كلاهما يتخليان عن واجبهما الدستورى الذى يوجب عليها تنفيذ الاحكام القضائية السامقة منزلة العالية مكانة, وتركا الطفل الضعيف الفقير الابن الوحيد للمدعى يصارع المرض والموت من كل جانب, وهو كائن حى بات يشكو ظلما وعدوانا كدر صفاء الطفولة فى جسده النحيل وبدل جمالها الى قبح لا يسر الناظرين اليه, ولم يصنه او يرحمه احد, بل ظل العدوان على حقه الدستورى فى البقاء والحياة ايام عددا وفى جميع الوانه وصنوفه ودروبه, حتى غدا الطفل كائنا يحتضر يطلب انقاذا وهو فى رمقه الاخير, وتوسم الطفل على رغم آلامه ومرضه فى القضاء خيرا يعصمه من خطر الهلاك وهو يواجه الموت, وان القضاء الادارى يعد ملاذا للمواطنين يرد المظالم التى حاقت بهم ويعيدها الى سيرتها الاولى بيضاء من غير سوء, وطبقا للدستور الجديد المعدل لعام 2014 يكون على النائب العام بناء على طلب المحكوم له تحريك الدعوى الجنائية ضدهما, وللمحكوم له حق رفع الدعوى الجنائية مباشرة الى المحكمة المختصة. اضافت المحكمة ان امتناع رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى ووزير الصحة القوام على مرفق الصحة وتحت اشرافه التأمين الصحى بموجب المادة الاولى من القرار الجمهورى الخاص بتلك الهيئة يمثل جريمتين خطيرتين لخرقهما حقين دستوريين اولهما: جريمة الامتناع عن تنفيذ الحكم وثانيهما: جريمة تعريض حياة الطفل للخطر نتيجة عدم تنفيذ الحكم والامتناع عن تقديم العلاج فى حالته النادرة. أشارت المحكمة إلى أن هذا الأمر يعد كاشفا عن عيب الانحراف بالسلطة منهما وهو ما يمثل عبثا بمصلحة العدالة وتلاعبا بالحقوق الدستورية فى علاج المواطنين غير القادرين على نحو ما كشفت عنه هذه الدعوى, وما كان لهذا العبث الوظيفى والجرم الجنائى والإثم التأديبى ان يحدث لو ان كلاً من وزير الصحة ورئيس التأمين الصحى قاما بواجبات وظيفتيهما كما اناطهما بهما الدستور والقانون وبادرا بتنفيذ الحكم الحائز على قوة الامر المقضى به الا انهما امتنعا عن تنفيذ الحكم ولم يحرك كلاهما ساكنا, فى الوقت الذى ينتهج فيه رئيس الجمهورية تحقيق اركان الديمقراطية التى يسعى اليها الشعب ويأمل تحقيقها وعلى قمتها اجلال السلطة القضائية التى حرص الدستور على تنفيذ احكامها التى تصدر وتنفذ باسم الشعب مما يكون معه قرارهما مشوبا بعيب جسيم ومعتورا بعوار مشين وموصوما بالتطاول والافتئات على ما هو ثابت للحكم الصادر من هذه المحكمة من حجية مطلقة على الكافة. وأكدت المحكمة حكمها الرائع بانه بات مسلما بعد ثورتين للشعب فى 25 يناير 2011 و30 يونيه 2013 انه من مصلحة الوطن ان يحتفظ للسلطة القضائية بمكانة مميزة بين سائر سلطات الدولة وهيئاتها حتى تظل كلمتها هى كلمة الحق وفصل الخطاب, وينبغى ان يعى الجميع - ومعظمهم بعيد عن حقائق النزاع والوقائع المطروحة وحكم القانون فيها - بان ما حسمه القضاء هو الحق, لذا وضعت الشرائع كافة قاعدة تعلو على القواعد القانونية كافة وتسمو عليها هى قاعدة "حجية الامر المضى" وتعنى ان مانطق به الحكم القضائى هو عنوان الحقيقة وهو اصل من الاصول تمليه الطمأنينة العامة وتقضى به ضرورة استقرار الحقوق والروابط الاجتماعية, وان امتناع كبار المسئولين عن تنفيذ الاحكام القضائية - على نحو ما كشفت عنه الدعوى الماثلة - يعد عدوانا صارخا على الدستور الذى انشأ القضاء ورتب اختصاصه وامتهانا لحقوق الانسان التى لا يصونها الا قضاء مستقل, اذ تضرب الدولة بامتناعها عن تنفيذ الاحكام اسوأ المثل للمتقاضين فيشيع بين صفوف الناس منهج اللاشرعية وتسرى العدوى فى المؤسسات والمصالح وتتحول نصوص الدستور الى حطام ورماد, وبهذه المثابة فانه من المصلحة العليا للبلاد ان تخضع الحكومة وممثلوها وهيئاتها والاجهزة المختلفة لاحكام القضاء حتى تظل سيادة القانون احدى القيم الكبرى التى تحكم مسيرة المجتمع نحو التقدم والتطور والا سادت شريعة الغاب. اختتمت المحكمة حكمها المستنير انه من اخطر العيوب التى تصيب العمل الادارى بين الوزارات والهيئات غياب التنسيق الايجابى او توافق التنسيق السلبى وكلاهما يؤدى الى فشل الادارة فى اداء الواجبات المنوطة بها ومن ثم فانه ولئن كان رئيس مجلس ادارة الهيئة العامة للتأمين الصحى هو المنوط به تنفيذ الحكم تطبيقا للمادة الخامسة من القرار الجمهورى رقم 1209 لسنة 1964 الخاص بهيئة التأمين الصحى الا انه وبموجب المادة الاولى من ذات القرار الجمهورى فان تلك الهيئة تعمل تحت اشراف وزير الصحة وهو القوام على مرفق الصحة وكان يتعين عليه التنسيق مع تلك الهيئة لتنفيذ حكم المحكمة حفاظا على حياة الطفل من الهلاك لا التنسيق على عدم تنفيذ الحكم خاصة ان المدعى اختصمه فى الدعوى طالبا منه تنفيذ الحكم بيد ان كليهما قد تنصل من المسئولية وتركا الطفل بغير علاج يواجه خطر الهلاك.