تسعى وزارة التربية والتعليم في مصر إلى النهوض بمسيرة التعليم قبل الجامعي، وكم أسعدتني ما تضمنته الاستراتيجية الوزارية من مبادئ ومعايير تتناسب في كلماتها مع المعايير الدولية. لقد حددت الوزارة وجهتها وأهدافها من كافة السياسات التعليمية المطروحة في 3 عناصر رئيسية هي الإتاحة بمعنى توفير فرص تعليمية متكافئة لجميع أطفال مصر، الجودة والإصلاح والتحسين المستمر للعملية التعليمية وفق معايير الجودة القومية، أما العنصر الثالث فهو النظم ويعنى به هنا تطوير النظم لزيادة فعاليتها والتأصيل المؤسسى للامركزية. كلنا نتابع جهود الدكتور محمود أبوالنصر وزير التربية والتعليم في هذا الإطار- وهو جهد محمود لا ريب - غير أن ثمة تساؤلات كثيرة حول عزوف مصر عن المشاركة في التقييمات الدولية والتي كانت قد شاركت فيها مصر صيف عام 2007م وتم الكشف عن نتائجها في شتاء 2008م. إن التقييمات الدولية تستهدف التعرف على واقع النظام التعليمي في الدول المشاركة، وإجراء المقارنات المعيارية مع الدول المتطورة تعليمياً، وقد شاركت مصر بالفعل خلال عام 2007في دراسة الاتجاهات الدولية في العلوم والرياضيات والتي يشار إليها اختصاراً ب «TIMSS» – وهو تقييم دولي ينعقد كل 4 سنوات - وخلصت النتائج إلى احتلال طلبة مصر المركز 43 دوليا من بين 49 دولة و5 مدن عالمية بمناطق متفرقة من العالم شاركت في التقييم الذي تجريه الهيئة الدولية للتقييم التربوي- وهي مؤسسة عالمية مستقلة متخصصة في مجال الأبحاث الدولية - حول مستوى طلبة الصف الثامن «الثاني الإعدادي» في مادة «الرياضيات»، فيما احتل الطلبة المصريون المركز 46 في التقييم ذاته بمادة العلوم. وتهدف دراسة «TIMSS» التي يتم إجراؤها لطلبة الصفين الرابع والثامن إلى مساعدة الدول المشاركة على مراقبة وتقييم العملية التعليمية في مادتي الرياضيات والعلوم، واكتشاف توقعات الطلبة من عملية تعلم المادتين، وفرص التعلم المتاحة وغيرها. لقد حققت مصر في ذلك التقييم الدولي خلال دورة عام 2007م نقاطا بلغت 391 نقطة في رياضيات الصف الثاني الإعدادي بفارق 109 نقاط عن متوسط الأداء العالمي في المادة والبالغ 500 نقطة، وفي مادة العلوم، حقق طلبة الصف الثاني الإعدادي الذين شاركوا في الاختبار 408 نقطة، وهو ما يقل عن المعدل العالمي ب 92 نقطة. مصر لم تشارك في دورة عام 2011م، والتي تم الكشف عن نتائجها في عام 2012م، في وقت حافظت تونس على المشاركة في مثل هذه التقييمات على الرغم من الأحداث السياسية المتواترة، ما يؤكد أن مسيرة تطوير التعليم والخطط بعيدة المدى يجب أن تظل بمنأى عن التجاذبات السياسية. إن نتائج التقييم الدولي لدورة عام 2011م أشارت إلى حصول كوريا الجنوبية وسنغافورة على المركزين الأول والثاني، وحققت مدينة دبيالإماراتية المركز الأول عربيا في مستوى إنجاز الطلبة في مادتي العلوم والرياضيات للصفين الرابع والثامن. وقد بلغ إجمالي المشاركين في تقييم TIMSS 2011 للصف الرابع 52 دولة و7 مشاركين في فئة مقارنة الأداء، في حين بلغ إجمالي المشاركين في اختبارات TIMSS 2011 للصف الثامن 45 دولة و14 مشاركاً في فئة مقارنة الأداء. انطلاقاً من نتائج التقييمات الدولية، فقد رصدت دولة الإمارات العربية المتحدة في استراتيجية الإمارات 2021م هدفاً استراتيجياً مفاده أن يكون أداء طلبة الإمارات في التقييمات الدولية ضمن أفضل عشرين دولة في العالم بحلول عام 2021م. إن أحاديث الصباح والمساء حول تطوير التعليم والانفتاح على العالم، تتطلب منا الجرأة وتحمل المسئولية، وإحياء المشروع بالعودة إلى المشاركة من جديد في التقييمات الدولية بصرف النظر عن النتائج لن يكون سوى بداية حقيقية منهجية تتيح لنا نحن المصريين معرفة موقعنا على الخريطة التعليمية الدولية.. ومن ثم اختيار أفضل السبل والأدوات للانطلاق نحو مستقبل أفضل لأطفال مصر!.