عفوا ربما يكون كلامنا مكررا لدرجة تثير القلق.. ربما يكون صوتنا صريحا لدرجة تثير الأرق.. لكن دعونا نكن صرحاء مع انفسنا ولو مرة واحدة.. دعونا إلا ننخدع بالشعارات البراقة، وعبارات كله تمام التي أسقطت انظمة سابقة بعدما نخرها الفساد والاستبداد.. بعد ايام تجري الانتخابات البرلمانية القادمة كآخر استحقاقات خارطة الطريق التي توافق عليها المصريون بعد ثورة 30 يونيو المكملة لثورة 5 يناير.. والملاحظ بوضوح بعدما شهدته الأربعة أعوام الماضية عموما، والعام والنصف الأخيرين علي وجه التحديد أن الأمل في مستقبل افضل بدأ يتناقص، والشعور برغبة الدولة في مواجهة الفساد والاستبداد بدأ يتلاشي، وتعبيرات مثل اقتلاع الفاسدين والمزورين وناهبي ثروات الوطن وسارقي قوت الشعب ومحاربة البيروقراطية وحرامية القطاعين العام والخاص بدأت تختفي من حياتنا، وكأنها رجس من عمل الشيطان، فالصمت مطلوب لأن الوطن في معركة ضد الارهاب!!، نفس التعبيرات الخادعة، نفس اليافطات المكررة التي استخدمها مبارك بدعوي الاستقرار واستمرار عجلة التنمية الوهمية، ولم يدرك هؤلاء أن ثورتنا الحقيقية هي ضد الفقر والفساد باعتبارهما العدو الأول لأمتنا، ومنبع التطرف والعنف والارهاب، وأساس كل سيئ في المجتمع، وبدون مواجهتهما بشكل حاسم فكل حديثنا مجرد خيال لن يقدم ولن يؤخر، وسندور في حلقة مفرغة. بالطبع نحن مع اعلاء دولة الدستور والقانون بل نراها اساس لبناء مصر الديمقراطية الحديثة التي نحلم بها والتي تتقاطع تماما مع عصور الظلم والفساد والاستبداد، لكن هذا لا ينفي اننا نعيش وفق ترسانة من القوانين الفاسدة بالاساس والتي تخالف الدستور الذي صوت له المصريون في يناير 2014 فيكفي ان تعلم ان القانون يمنع ابن الفلاح المصري بان يلتحق بالنيابة العامة حتي لو قدراته الشخصية أفضل من أقرانه لأنه ليس من ابوين حاصلين علي مؤهل عال، في تكرار بغيض لما كان يحدث قبل ثورة يوليو 1952، وهي عصور تصورنا وبعض الظن اثم انها انتهت إلي غير رجعه، لكن يبدو انه في بلادنا وبلادنا فقط، كل شىء سيئ يعود، الفاسدون لا يرحلون فأيديهم طائلة، وجذورهم متشعبة، وقدراتهم في ارتداء الماسكات خارقة ، انهم لا يرحلون، بل إن رجالهم يستطيعون التلون في أي وقت واي عصر ليصبحوا هم القادة الجدد، ويتفنون في ادعاء تقاطعهم مع الماضي رغم انهم كل الماضي البغيض، وأسوأ ما في حاضرنا المؤلم، وللاسف شعبنا مغلوب علي أمره، وغالبا ما نفاجئ بأن هؤلاء يرسمون مستقبلنا، هذا ما حدث بوضوح فكما خطف الاخوان ثورة يناير، فان بقايا فسدة النظام المباركي خطفوا ثورة 30 يوينو، وأدخلونا في نفق مظلم من جديد، فقد عاد هؤلاء لينتقموا، ليستردوا ما تصوره كذبا دولتهم، ولان القوي الوطنية مفتته او حائرة بين فريقين كليهما خطر علي الوطن فلم تعد تقوي علي الفعل سواء بسبب ضعفها او اطماعها النتيجة واحدة في الحالتين. وجاء قانوني الانتخابات وتوزيع الدوائر ليثبتا أن دولتنا الجديدة في خطر، وان نفس الممارسات القديمة ستعود، فالبرلمان الجديد رغم ما يمتلكه من صلاحيات تجعله شريكا في السلطة لن يكون أفضل من سابقيه، فمن لا يمتلك «نص ارنب» لا يمكنه المنافسة بعدما حدد القانون حجم الدعاية ب 500 الف جنيه، فالبرلمان القادم كسابقيه لمن يملك المال حتي لو كان تاجر مخدرات او سلاح او من رموز غسيل الاموال وسرقة قوت الشعب، فأحمد عز سيكون رأس حربة هؤلاء ولا عزاء للثورة او لسرقة ثروات البلد والسيطرة علي مصانعها في صفقات مشبوهة، والناس فقدت الذاكرة تحت عجلة الفقر والعوز والفساد فلا تستغبروا اذا هللوا لأحمد عز لأنهم ببساطة يهللون لفلوسه وليس لشخصه!! انها الحقيقية المرة، الزيت والسكر سوف يستمران في السيطرة علي البرلمان القادم حتي لو اختلفت اسماؤهم فالرشاوي الانتخابية أصبحت العنوان الحقيقي للانتخابات خاصة في مجتمعات يقتلها الفقر فالمرشحون بدأوا يتسابقون علي تقديم المنح والعطايا للفوز باصوات الغلابة الذين لا يفتكرونهم إلا عند كل انتخابات، كما ان الدم والنار سيكون عنوان المعركة الانتخابية في الكثير من الدائرة بسبب قانون توزيع دوائر لم ينظر لمصر إلا من باب مواجهة جماعات العنف الضيق فتداخل الدوائر وتغيير ملامح 60% من الدوائر وزيادة او تخفيض ال 40% من الدوائر الأخري سيؤدي بلا شك الي صدمات عنيفة بين المرشحين ، وأن الحزب الوطني البغيض سيعود في استنساخ لبرلمان 2005 وسيتم فقط استبدال النور والقوي المدنية بالاخوان بعد التعلم من «غلطة عز» في 2010 فرجالات الحزب ونوابه القدماء يستعدون بقوة لمعركة النفس الاخير التي ستكون حاسمة بالنسبة لهم ومستعدون لدفع كل من يملكون ليعودوا لصدارة المشهد خاصة أن هناك مخططاً لاعادة الحزب الوطني عبر دعاوي قضائية، او تكوين حزب جديد لهم بعدما يصلوا للبرلمان، وهذا خطر حقيقي علي النظام الجديد ما بعد ثورتي يناير ويونيو. أما الشباب والوجوه الجديدة لا مكان لها في البرلمان القادم للأسف ما حاول البعض ايهامنا بغير ذلك، فهم لا يملكون المال ولا الدعم الحزبي، رغم ايماني بأن الرغبة في التغيير زادت ومساحتها اتسعت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة الا ان ذلك يجري بدون تحرك لتنظيمها وبالتالي ستخرج عبر دعوات اقرب لمقاطعة الانتخابات منها للمشاركة الفاعلة وتقديم مرشحين يحظون بثقة الناخبين وهي اشكاليات تحتاج الي حل سريع، لكن يبقي في الاخير هل هناك من يؤمن باننا في حاجة الي ارساء نظام جديد يتقاطع مع الماضي؟!.