الله عز وجل جعل الرسالة الخاتمة رسالة إنسانية للعالمين.. وغايتها تحقيق الرحمة.. لقوله تعالي: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» الأنبياء 107. والخطاب القرآني عرض الحديث عن الإنسان من زاوية طبيعته البشرية من خلال: بيان وظيفة الحواس وحسن استخدامها والابتعاد عن إساءة استخدامها.. الحديث عن النفس الإنسانية.. أنواعها.. ودورها في السلوك.. والحديث عن الحرية والاختيار في حياة الانسان ومنها حرية المعتقد.. لذلك هل الدعوة الإسلامية مواعظ فقط.. أم دعوة لتشغيل العقل.. من أجل تحقيق النهوض والابداع.. لأن الأمة مؤهلة للشهادة علي الناس.. لقوله تعالي: «لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا» البقرة 143. ومع تشغيل العقل.. نجد المباهاة بإنجازات القرن الأول في الإسلام المشهود له بالخيرية من الرسول «صلي الله عليه وسلم».. وقال الرسول «صلي الله عليه وسلم»: «خير الناس قرني.. ثم الذين يلونهم.. ثم الذين يلونهم» رواه البخاري.. ولذلك فإن إعادة بناء الذات وتأهيلها باسترداد مقومات الشهادة علي الذات لتصبح قادرة وقائمة بالشهادة علي الآخر.. ولا يتحقق ذلك بالمواعظ.. والحشد.. والخطب.. والشعارات.. والمجتمع بحاجة لاكتشاف نقاط الخلل ومعالجتها.. كما أن التكليف جاء في حدود الاستطاعة.. لقوله تعالي: «لا يكلف الله نفساً إلا وسعها» البقرة 286. وقال تعالي: «فاتقوا الله ما استطعتم» التغابن 16. وغياب فقه الاستطاعة أدي إلي نوع من العجز عن التعامل مع القرآن الكريم والسنة المطهرة.. القرآن الكريم بين قيمة المعرفة.. وبما يحقق النفع في شتي مجالات الحياة والله عز وجل لم يخلق الناس نسخاً مكررة عن بعضهم.. ولو كان حدث ذلك لانتهي التاريخ الإنساني.. وتوقفت سنن المدافعة.. وفي حركة الحياة استمرارية الضرب بين الحق والباطل.. وقال تعالي: «كذلك يضرب الله الحق والباطل» الرعد 17. كما أن القرآن عرض نوعية الحضارات الانسانية وسنن سقوطها ونهوضها.. وقال تعالي: «قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدي وموعظة للمتقين» آل عمران 138:137. كما أن القرآن الكريم معيار وشاهد علي الكتب السماوية الأخري.. وقال تعالي: «وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا» المائدة 48.. والهيمنة تعني الصواب في الأصل حيث لا تحريف أو تبديل.. وهنا بيان أن القرآن الكريم معيار.. والسنة المطهرة بيان للقرآن.. الدعوة الإسلامية دعوة للابتعاد عن الاختلاف.. وتحقيق الاعتصام الجمعي.. وقال تعالي: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» آل عمران 103. وقال تعالي: «ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون» الروم 32:31. وقال تعالي: «ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات» آل عمران 105.. ولو نظرنا للغاية من خلق الإنسان.. نجد تحقيق الوحدانية الحقة لله عز وجل.. وعمارة الأرض.. وقال تعالي: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» الذاريات 56. وقال الرسول «صلي الله عليه وسلم»: «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا» رواه البخاري ومسلم.. والعبادة الحقة لله تعزز قيمة الاصلاح الاجتماعي.. وتحارب الشر والفساد والبعد الديني لا يمثل طقوسا فقط.. لكنه روح.. وقال تعالي: «ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال علي حبة ذوي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس اولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون» البقرة 177. وعمارة الأرض تتطلب معرفة علوم الحياة.. وآخر ما توصل إليه الإنسان في هذه العلوم.. وقال تعالي: «هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» هود 61.. ومن لم يهتم بعمارة الأرض.. وان يواكب تطور العلوم والصناعات لا يستطيع أن يحقق ذلك.. والقرآن الكريم ربط بين عمارة الأرض والأخذ بهدي المنهج الإلهي.. وقال تعالي: «وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون» النحل 112. والقصص القرآني كشف: كيف تقدمت الأمم.. وتوسعت، الحضارات حين أخذت الأمم بهدي منهج الله.. وماذا أصابها من تأخر وفساد وسقوط حين تركت منهج الله.. الدعوة الاسلامية بيان لفهم الذات.. وفهم الذات بيان لتشخيص الواقع وأسباب معوقاته.. والإسلام ينبذ الاحباط والقنوط والسلبية واللامبالاة ومواجهة التحديات المستقبلية تبدأ من معرفة قدرات وامكانيات المجتمع.. مع رصد فاعل لكل العناصر المكونة والمؤثرة في تشكيل آليات المواجهات الحضارية.. وفتح قنوات العلم والابداع لردم هوة الضعف.. حيث العصر يشهد لغة تقنيات ومعلومات.. ومجتمع المعلومات ليس غامضاً في زمن التغيرات السريعة والجوهرية التي جلبتها ثورتا المعلومات والاتصالات.. وأهم عنصر في مجتمع المعلومات هو الاقتصاد الجديد بمسمي اقتصاد المعرفة والاقتصاد هو المحرك الذي رسم مجتمع الثورة الصناعية.. وكان التطور التكنولوجي الصناعي هو طريق تغيير البني الاقتصادية القديمة.. وكان التطور التكنولوجي الصناعي هو طريق تغيير ايضاً لبناء خصائص المجتمع المدني.. كما أن الثقافة تمثل إحدي ركائز مجتمع المعلومات.. وهنا نجد أن التجدد الحضاري أصبح بحاجة لدور المثقف.. والمفكر.. والعالم.. لتحقيق عملية التواصل.. والتخطيط.. والترشيد.. إلخ.. ومواجهة نقاط الخلل والسلبية.. وهبوط المقاصد والوسائل.. وبين هذا وذاك يبقي التساؤل مطروحاً: أين حاضر الامة من إشكالية التجدد الحضاري؟ والأمة تعاني من غياب التواصل الحضاري.. والمعرفة العلمية وفترات التألق والنهوض مرتبطة بتصويب المنطلقات.. وإصلاح نقاط الخلل في ظل الوعي بالذات.. والأمة بحاجة لترتيب الاولويات.. والاهتمام بقيمة العلم.. والفقه الشرعي وربطه بفقه الواقع.. والتحرك بسمة الأصالة والمعاصرة.