على مدى تاريخ الموسيقى وعالم التلحين في مصر، هناك علامات مضيئة لن يمحوها التاريخ منهم محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وبليغ حمدي ومحمد الموجي وكمال الطويل ومحمد سلطان وحلمي بكر. وبالتأكيد يستحق عمار الشريعي أن يوضع في تلك القائمة الذهبية كأحد أبرز الظواهر الموسيقية في ال40 عامًا الأخيرة. اليوم تحل الذكرى الثانية لرحيل هذا الفنان الكبير جدًا المتدفق الموهبة، والذي دغدغ قلوب المصريين بألحانه وموسيقاه العذبة. ولد في مدينة سمالوط أحد مراكز محافظة المنيا بصعيد مصر لعائلة تعتبر من أصول عائلة هوارة بالصعيد، حفظ عمار 5 أجزاء من القرآن في طفولته، والده اشترى له بيانو للعزف عليه، فمواهب عمار لم تقتصر على الموسيقى فحسب، بل إنه كان سباحًا محترفًا، وخلال فترة الدراسة تعرف على الموسيقار كمال الطويل وتبناه، ثم تعرف على الموسيقار بليغ حمدى ورأس فريق الموسيقى وعمل مع الكثير من الفرق الموسيقية بعدها. تلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار بمدرسته الثانوية في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصى للطلبة المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى، خلال فترة دراسته، وبمجهود ذاتي، أتقن العزف على آلات البيانو والأكورديون والعود ثم أخيرًا الأورج. بدأ حياته العملية عام 1970 م عقب تخرجه في الجامعة مباشرةً كعازف لآلة الأكورديون في عدد من الفرق الموسيقية التي كانت منتشرة في مصر آنذاك، ثم تحول إلى الأورج حيث بزغ نجمه فيها كأحد أبرع عازفي جيله، واعتبر نموذجًا جديدًا في تحدي الإعاقة، نظرًا لصعوبة وتعقيد هذه الآلة واعتمادها بدرجة كبيرة على الإبصار. اتجه إلى التلحين والتأليف الموسيقي، حيث كانت أول ألحانه «إمسكوا الخشب» للفنانة مها صبرى عام 1975م، وزادت ألحانه على 150 لحنًا لمعظم مطربي ومطربات مصر والعالم العربي. منهم شادية، وعلى الحجار ومحمد الحلو ومحمد منير وعفاف راضي وميادة الحناوي ووردة وعبدالله الرويشد ونادية مصطفى ومدحت صالح وحنان وعلاء عبدالخالق ومنى عبدالغني. تميز في وضع الموسيقى التصويرية للعديد من الأفلام والمسلسلات التليفزيونية والإذاعية والمسرحيات والتي نال معظمها شهرة ذائعة، وحصل العديد منها على جوائز على الصعيدين العربي والعالمي. كون فرقة الأصدقاء في عام 1980 م, والتي كانت تضم منى عبدالغنى، حنان، علاء عبدالخالق، وقد حاول من خلالها مزج الأصالة بالمعاصرة وخلق غناء جماعي، حيث يتصدى لمشاكل المجتمع في تلك الفترة. اهتم اهتمامًا كبيرًا بأغاني الأطفال، وشارك في هذه الأعمال مجموعة من كبار الممثلين والمطربين مثل عبدالمنعم مدبولي، نيللي، صفاء أبوالسعود، لبلبة، عفاف راضي. أولى اهتمامًا كبيرًا باكتشاف ورعاية المواهب الجديدة مثل منى عبدالغنى، حنان، علاء عبدالخالق، هدى عمار، حسن فؤاد، ريهام عبد الحكيم، مي فاروق، أجفان الأمير، آمال ماهر، وحديثًا أحمد علي الحجار، سماح سيد الملاح. تولى منذ عام 1991 م وحتى عام 2003 وضع الموسيقى والألحان لاحتفاليات أكتوبر التي تقيمها القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع وزارة الإعلام والتي تعتبر ذروة احتفالات جمهورية مصر العربية بانتصارات أكتوبر. عين أستاذًا غير متفرغ بأكاديمية الفنون المصرية في عام 1995 م. تناولت أعماله العديد من الرسائل العلمية لدرجتي الماجستير والدكتوراه في المعاهد والكليات الموسيقية بلغت 7 رسائل ماجستير و3 رسائل دكتوراه من مصر في كلية التربية الموسيقية، جامعة حلوان، وكلية التربية النوعية، جامعة القاهرة، ومعهد الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، ورسالة دكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا. تفوق عمار الشريعي على نفسه في وضع موسيقى عدد كبير من المسلسلات منها «رأفت الهجان، ودموع في عيون وقحة، وأم كلثوم، وزيزنيا، ونصف ربيع الآخر، وأرابيسك، والرحايا، وقاسم أمين، ومحمود المصري». وفي السينما وضع الموسيقى للعديد من الأفلام منها: «الشك يا حبيبي، لا تسألني من أنا، عصفور الشرق، أيام في الحلال، البداية، يوم الكرامة، حليم» ولا ننسي برنامجه الإذاعي الشهير «غواص في بحر النغم» وسهرة شريعي على دريم، رحل عمار الشريعي يوم 7 ديسمبر 2012 وقلبه يعتصر حزنًا على مصر في العام الأسود الذي حكم فيه الإخوان مصر.