توالت الأحداث في مصر خلال الأسبوع الماضي، لتفرض على الرئاسة المصرية أن تخرج على الناس لتؤكد الحقيقة التي يتعمد الكثيرون إغفالها، أو يريد البعض أن يتجاوزها، وهي «أن مصر لن تعود أبداً إلى الوراء مرة أخرى»!! أحداث الأسبوع الماضي جاءت ومصر تحقق نجاحات على كل المستويات: تواجه الإرهاب بضربات قاصمة، وتمضي في مشروعات البناء لتعويض ما فات، وتكتسب أرضاً كل يوم ضد حصار ظالم ومشبوه فرضته قوى كبرى بعد 30 يونيو انتقاماً من خسارتها لرهان بائس على جماعة الإخوان وحكمها الفاشي. حيث يثبت يوماً بعد يوم للعالم كله أن الجماعة التي أسقط شعب مصر حكمها هي أصل الإرهاب ومنبع الفكر المتطرف منذ ظهرت إلى الوجود قبل أكثر من ثمانين عاماً. في البداية صدر التقرير النهائي من لجنة تقصي الحقائق عن أحداث رابعة والنهضة، وجاء التقرير ليثبت أن التجمع الإخواني في رابعة والنهضة لم يكن تجمعاً سلمياً بل كان مسلحاً، ووزعت اللجنة المسؤولية على الإخوان أولاً، ثم على الشرطة التي قالت اللجنة إنها أفرطت في الرد على استخدام الإخوان للسلاح، وللحكومة التي طالبتها بجبر الأضرار التي وقعت على الضحايا وأسرهم. بعد يومين.. كان الموعد الذي حدده «الإخوان» لبدء ما أسموه الثورة المسلحة على النظام في مصر، والتي جندوا لها كل أبواقهم الدعائية وكل قدراتهم التمويلية والتنظيمية.. لتكون النتيجة سقوطاً كبيراً، حيث لم تشهد مصر إلا أشباح تظاهرات طاردها الشعب، لتظهر ضآلة وجود الجماعة وحلفائها من جماعات الإرهاب. في اليوم التالي كان الحكم في إعادة محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه ووزير داخليته وبعض كبار معاونيه من رجال الشرطة قبل ثورة يناير. جاءت الأحكام بعدم إدانة المتهمين فيما نسب إليهم من اتهامات. ورغم أن الأحكام كانت متوقعة من الكثيرين، إلا أنها مثلت صدمة لقطاع كبير خاصة أهالي الشهداء والشباب الذي شارك في الثورة. وفي الحقيقة فإن الأحكام لم تكن بالبراءة إلا في تهمة واحدة هي التي تتعلق ببيع الغاز لإسرائيل، حيث اعتمدت المحكمة على تقارير لجان فنية قالت إن السعر - في ذلك الوقت - كان مقبولاً، وأن منافسين (مثل قطر) قدموا أسعاراً أقل بكثير. كان هذا هو الاتهام الوحيد الذي نال المتهمون فيه البراءة. أما باقي الاتهامات وأهمها قتل المتظاهرين فقد سقط بانقضاء الدعوى لأن النائب العام «الإخواني!!» تعمد عدم التقدم بالطعن على الحكم السابق بالإدانة في الموعد القانوني، بينما سقط الاتهام بالتربح في قضية الحصول على قصور شرم الشيخ لتسهيل صفقة الغاز بسبب مرور أكثر من عشر سنوات على وقوع الجريمة. الأهم في حكم المحكمة الذي قررت النيابة العامة الطعن عليه أمام المحكمة الأعلى وهي محكمة النقض، أنه أكد حقيقتين أساسيتين: الحقيقة الأولى.. أن عدم معاقبة الرئيس الأسبق مبارك وباقي المتهمين لا تعني براءة النظام الذي أسقطته الثورة الشعبية (كما وصفتها المحكمة) في يناير 2011. حيث عددت المحكمة الجرائم التي وقع فيها وفي مقدمتها «تزييف الإرادة الشعبية واندثار التعليم وإهدار الصحة وتجريف العقول المستشرقة للغد». والحقيقة الثانية أن قضاء مصر العظيم التزم بالقانون وراعى العدالة المطلقة، ولكنه نبه إلى ما كنا نشير إليه طوال السنوات الماضية وهو أن الفساد الذي ثارت عليه مصر في يناير 2011 كان يحتاج لمحاكمة من نوع آخر عن طريق العدالة الانتقالية وليس عن طريق الاحتكام لقانون العقوبات العادي الذي اختصر ما وقع خلال ثلاثين عاماً في الحصول على «فيللا» بطريق غير مشروع لمن كان في يده القرار المتحكم في كل شيء بمصر. ولقد قلت منذ اليوم الأول للمحاكمة، إن المحاكمة بدأت وانتهت في ذلك اليوم، فلم يكن مطلوباً الانتقام من شخص الرئيس الأسبق، وإنما كان مشهد بداية المحاكمة هو مشهد نهايتها بالتدليل على أن حكم الفرد قد سقط، وأن لا أحد سيكون - بعد ذلك - فوق القانون. أما محاكمة العصر بأكمله فهذا مجاله العدالة الانتقالية والمحاكمة السياسية التي لم تحدث لأسباب كثيرة، ولحسابات حكمت المشهد السياسي منذ يناير 2011 وحتي الآن!! وكان طبيعياً أن يثير حكم القضاء الأخير ردود فعل متباينة.. فمن ناحية كان أنصار الرئيس الأسبق مبارك يعتبرون الحكم انتصاراً لعهده وبراءة لكل ما وقع خلال ستة وثلاثين سنة (حيث أضافت المحكمة في حكمها فترة السنوات الست التي قضاها مبارك نائباً للرئيس السادات) بينما كان أهل الشهداء يسألون عمن قتلهم إذا كان الكل أبرياء؟ وكان الشباب المتحمس للثورة يعلن غضبه، خاصة أن صدور الحكم ترافق مع أمرين. الأول أن «الإخوان» حاولوا استغلال الأمر لاستقطاب الشباب الغاضب، لكن المحاولات فشلت حيث كان الشباب قد تعلم الدرس، وأدرك أنه لا مكان للإخوان في صفوف الثورة. والأمر الثاني الذي أثار غضب الشباب، أن فلول النظام الأسبق الذي كان فسادهم هو السبب الأساسي في سقوط النظام في يناير 2011 يحاولون منذ فترة العودة للمشهد السياسي، ويمدون نفوذهم عبر امتلاك وسائل إعلام تحاول تصوير ما حدث في 30 يونيو على أنه انقلاب على ثورة يناير واستعادة للنظام الأسبق. وكان ضرورياً أن يتحرك الرئيسي السيسي ليقطع الطرق على هذه المحاولات، وان يتوجه بخطابه إلى الشباب بصورة خاصة، مؤكداً أنه لا عودة إلى الوراء على الإطلاق، ومطالباً الحكومة بأن تترجم نصوص الدستور التي أقرت بشرعية ثورتي 25 يناير و30 يونيو إلى قوانين تمنع المساس بالثورتين. والأهم أن الرسالة وصلت لرموز النظام الأسبق بأن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تكون إعلاناً بعودتهم كما توهم البعض. أما كيف يتم بناء البديل، فتلك هي المشكلة التي تحتاج لرؤية سياسية تجمع صفوف قوى الثورة لتواجه الخطر المزدوج.. إرهاب الإخوان وحلفائهم، وفساد لا يريد أن يفهم أن لا عودة إلى الوراء!! نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية