قديماً أكد «هيرودوت» أن «مصر هبة النيل» كما كان المصري القديم يقسم أمام الآلهة - حينما يحاسب - أنه لم يلوث مياه النيل وحافظ عليه، وحديثاً أدرك محمد علي - مؤسس مصر - أهمية النيل في حياة مصر، فبني القناطر والترع حفاظاً علي الأرض الزراعية، والغريب أن المساحة الزراعية الحالية في مصر لم تزد إلا قليلاً علي المساحة التي تركها لنا محمد علي! واليوم، ورغم ما نعانيه من مصاعب عديدة بشأن الحفاظ علي حصة مصر من مياه النيل الواردة من إثيوبيا، ورغم تصريحات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكل من وزيري الزراعة والموارد المائية التي تشير إلي ضرورة ترشيد الاستهلاك نري عجباً، فإلي جانب المياه المهدرة في المدارس بسبب عدم إصلاح صنابير المياه، ورش الشوارع بمياه الشرب إلي حد أن أحد رؤساء الأحياء قال بالحرف الواحد: «خير ربنا كتير ورش شوية ميه في الشوارع مش عيب»، ولم يقل له أحد عيب، والأخطر من هذا كله ما يدور تحت سمع وبصر بعض المسئولين - الذين تفرغوا للظهور في البرامج التليفزيونية تاركين مهامهم الوظيفية - فهناك مساحات شاسعة للمزارع السمكية وسط الأراضي الزراعية!، تلك المزارع التي تستهلك كماً هائلاً من المياه ومن ثم تدمر آلاف الأفدنة الزراعية وتحولها بعد فترة قصيرة إلي أرض بور، حيث تتسرب المياه إلي التربة المجاورة فيرتفع منسوب المياه ليطفو علي السطح مما يؤثر علي كفاءة تلك الأراضي، وسرعان ما تصبح خارج نظام الخدمة، الأمثلة كثيرة، يراها المواطن العادي أثناء السفر علي الطرق الزراعية، ومن أبرز الأمثلة ما يحدث في محافظة البحيرة، فهناك مزرعة ضخمة - يراها حتي من كانت درجة إبصاره (ستة علي عشرة) - مقامة علي ترعة سيفر طريق الحدادات بمركز حوش عيسي، المكان معلوم وسهل الوصول إليه إلا إذا كان لمسئولي الزراعة والري رأي آخر. السؤال المطروح: متي يتحرك السادة المسئولون؟.. وهل حقاً مصر في أزمة زراعية بسبب المياه أليست حياتنا في خطر، فيا أيها السادة الكرام تحركوا سريعاً حتي لو أدي الأمر أن يقسم المسئول بالله أن يضع قرار إزالة المزارع السمكية، في كفة ومصيره في كفة، مثلما حدث مع محافظ سابق للقاهرة، عندما أقسم بنقل سوق السمك من غمرة، حتي لو فقد منصبه.