هل تعرفون حبيبتى؟ سيدة الأرض، دُرة التاج، وصانعة الارادة . كل يوم يزيد فخرنا بهذه الأرض . كل يوم نعتز ببلد نهشوها نهشاً فظل صلبا، وسرقوها زمنا فبقى غنيا، وخانوه كثيرا فلم يبع، ووطئته أقدام الفرس والاغريق والعرب والجركس والترك فلم يتلوّن ولم ينسحق فى ثنايا الثقافات والحضارات المُغايرة . لم نعرفها بعد كما ينبغى، ولم نمنحها قدسيتها، ولم نتوجها ملكة على قلوبنا . وصلتنى قصيدة الأزمة للشاعر العراقى سعدى يوسف التى دفعت بعض الاخوة العراقيين للمطالبة بدمه وجنسيته لأنه تجرأ على الحقيقة وصدح بالحق عندما كتب نصا ابداعيا بعنوان: «عراق العجم مصر العروبة». قال الشاعر الجميل «كلما دخلتُ مصرَ أحسسْتُ بالعروبة دافقةً. ليس في الأفكار. العروبةُ في المسْلكِ اليوميّ. أنت في مصرَ عربيّ، هكذا، أنت في مصر عربيٌّ، لأن مصر عربيةٌ. ولأنّ أي سؤالٍ عن هذا غير واردٍ. الأمرُ مختلفٌ في أراضٍ أخرى. السؤالُ يَرِدُ في بلدانٍ مثل الجزائر والمملكة المغربية وموريتانيا، والسودان، ولبنان أيضاً، على اختلافٍ في المستوى. لكن هذا السؤال، في هذه البلدان، ذو مستوىً ثقافيّ أركيولوجيّ. هو سؤالُ هويّةٍ وتاريخٍ. في العراق اختلفَ الأمرُ. وربّما كان مختلفاً منذ دهرِ الدهاريرِ. هل العراق عربيٌّ؟ يرِدُ تعبير «شيخ العراقَين» عن فقهاء أجمعَ الناسُ عليهم. يعنون: عراق العرب وعراق العجم». الناس فى بغداد غاضبة. لا أدرى إن كان غضبهم مبنيا على وصم العراق بالعجم، أما اعتبار مصر هى النموذج الأجمل للعروبة . إن كان سبب الغضب الذى وصل إلى التظاهر والتجمع والاحتفال بحرق كُتب مُبدع عظيم له تاريخه هو اعتباربلاد الرافدين بعيدة عن العروبة، فهذا حقه كعراقى واسلوبه كمبدع يسعى إلى المُبالغة للتعبير عن وجهة نظره، أما اذا كان غضبهم بسبب اعتبار مصر دُرة العروبة، فذلك ظُلم وانتقاص ونسيان لما فعلته هذا البلد طوال قرون وعقود من خير لمن حولها. مِصر كانت الحارس الامين للمنطقة. منها دحر صلاح الدين الصليبيين فى موقعة مازالت تُدرس لدى باحثى القرون الوسطى. ومنها أيضا انطلق مملوك شُجاع اسمه قطز ليصد أكبر خطر واجه العالم فى تاريخه وهم التتار. ومنها أيضا انطلقت حركات التحرر الوطنى بعد عقود من الاستعمار البغيض. لم يكن سعدى يوسف وحيدا عندما باح بمحبته. فعلها قبله العراقى محمد الجواهرى عندما قال: «يا مصر يا حلم المشارق كُلها. مُذ عانت الأحلام والأهواء»، ورسمها السورى نزار قبانى باعتبارها «قصيدة المياة والجسور والمآذن الوردية». مِصر أيك يضوع عبقا، ومشكاة تبث ضياء، ونهر خير ينثر عُمرانه وتحضره على العالمين. عندما اختل توازن الخريطة العربية وتشققت تربة الأرض كُنت على ثقة أن مصر صامدة، صلبة، قوية . انظر يمينا ويسارا فأعلم ان ارادة الله تحتضن هذه الأرض الطيبة منذ خطّ النيل طريقه راسما وطن الخلود. سلامٌ على سعدى يوسف وعلى كُل من وعى عظمة مصر.