منذ بضعة شهور ومن خلال عدة مقالات تناولت الدور المأمول للأزهر الشريف وفضيلة شيخه الجليل فى هذه المرحلة المضطربة بالأحداث الملبدة بالغيوم التى يمر بها الوطن العربى، وأن ما يشهده منذ نحو أربع سنوات - من أحداثٍ مأساوية تستهدف تدميره وتجريفه من ثرواته وإعادة تقسيمه لصالح أمن ومصلحة الكيان الصهيونى - وإن كان يتم وفقاً لمخطط صهيوأمريكى غربى نبتت فكرته على أساسٍ عقائدى منذ بضعة عقود ووُضعت آلياتُ تنفيذه بتدبيرٍ خبيث وتحت شعاراتٍ زائفة، فإن أهم آلياته الفاعلة كانت استخدام القوى والتيارات الوطنية المختلفة بكل السبل المشروعة وغير المشروعة، وتوجيهها فى المسار الذى يحقق أهداف ذلك المخطط الآثم.. ومن هنا كانت سياسة الأرض المحروقة التى تعتمد على إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية وإذكاء نار الفتنة بينها حتى تصير حروباً مسلحة بين بنى الوطن الواحد، فلا تذر أخضر أو يابساً ولا تبقى كياناً أو هوية. لقد نجحت القوى المعادية فى استقطاب الجماعات والتنظيمات الدينية المتطرفة، واستغلت فساد عقيدتها وجنوح أفكارها وخيال طموحها، فاستطاعت أن تسيطر عليها بشكلٍ أو بآخر إلى حدٍ بعيد وتوجيه حركتها كيفما ووقتما وأينما تشاء بطرقٍ مباشرةٍ وغير مباشرة، وساندتها بكل وسائل الدعم السياسى والمالى بل والعسكرى أيضاً، وهيأت لها المناخ المناسب لترسيخ وانتهاج الإرهاب وسيلةً لتحقيق الهدف المشترك المتفق عليه، وإذا كان المجال لا يتسع الآن لشرح تفصيلات وشواهد ذلك، فإن هذه الرؤية فيما أعتقد أصبحت واضحةً لجميع المهتمين المهمومين بالشأن العام والقائمين على أمور البلاد، إلا أننى لا أتفق مع الآراء التى تعتبر تلك الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية صنيعة أجنبية أو بالتحديد صناعةً أمريكية، لأن أفراد تلك الجماعات فى الأصل وللأسف الشديد من أبناء هذا الوطن، وتشكلت معتقداتهم الفاسدة وأفكارهم المنحرفة على أرضه، وإذا كانوا قد توافقوا أو تواطؤا مع قوى الشر المعادية ضد أوطانهم، فذلك يرجع فى المقام الأول إلى ظلامية النشأة وفساد المعتقد وضلال الهدف وغياب البصر والبصيرة، وهو ما سهّل على القوى الأجنبية المعادية استقطابهم وتوظيف قوتهم العددية ونوازعهم الشخصية وإفرازاتهم الإرهابية لتنفيذ المخطط الآثم الذى أشرنا إليه، ومما يجب الاعتراف به أن تلك الجماعات المتطرفة وعلى رأسها الجماعة المسماة بالإخوان المسلمين فى مصر وغيرها من البلدان العربية، قد حققت انتشاراً ملموساً وتواجداً مؤثراً فى أوطانها خلال العقود الثلاثة الماضية رغم تطرفها وإرهابيتها، وذلك كان نتيجة افتقاد أنظمة الحكم - أشخاص ومؤسسات - الصفات والمرجعيات التى تتوافق مع القيم الثقافية الموروثة لشعوبها ومرجعياتها الدينية الأصيلة، هذا فضلاً عن غياب الكيانات الدينية الوسطية القادرة على جذب قلوب وعقول الناس. إن هذه الحالة المضطربة والمتأزمة التى تسود ربوع الوطن العربى الذى أصبح على حافة الهاوية نتيجة الصراعات المسلحة التى يشهدها والعمليات الإرهابية الموجهة التى تستهدفه، كانت هى الدافع لمناشدة الأزهر الشريف فى هذه المرحلة ليضطلع بدوره التاريخى ومسئوليته الدينية لرأب الصدع، واقترحت الدعوة لمؤتمر تحت شعار توحيد الصف العربى، يضم نخبة العلماء والمثقفين ويُدعى إليه ممثلو أنظمة الحكم وكل الجماعات المتحاربة، وتكون مهمته بحث وتفنيد كل المعتقدات والأفكار التى يستند إليها كل فصيل، لدحض الفاسد منها وتصحيح المعوج وإقرار الصحيح، على أن تكون جلسات المؤتمر سريةً بعيدةً عن تأثير الصخب الإعلامى، ولمدةٍ كافية تنتهى بإصدار وثيقة ولتكن بعنوان «وثيقة الأزهر الشرعية لخيرية الأمة الإسلامية» وهى وثيقة إن لم تصحح عقيدة وأفكار الجماعات الإرهابية وتثنيها عن أعمالها العدوانية، فإنها على الأقل ستكون خطوةً إيجابية فى هذا الطريق وستكون بالقطع حائلاً منيعاً دون انزلاق الغير إلى براثن تلك الجماعات. وفى استجابة كريمة لهذه المناشدة، فقد استبشرت خيراً بالخبر الذى أُذيع يوم 11 الجارى عن استقبال السيد رئيس الوزراء الدكتور إسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية للإعداد الجيد للمؤتمر العربى لمكافحة التطرف الذى ستنظمه المكتبة بالاشتراك مع كبار علماء الأزهر ورموز الفكر والثقافة بناءً على توجيهات السيد الرئيس. إننى أعتقد أن هذا المؤتمر لو خلُصت فيه النوايا، فسيكون بإذن الله فاتحة خيرٍ لأمتنا العربية فى طريقها الوعر نحو مستقبلها المنشود. حفظ الله مصرنا الغالية، وهدانا جميعاً سواَءَ السبيل. E-MAIL :