عشرات الضحايا يفقدون أرواحهم يومياً ومئات الجرحي في كل مكان تسيل دماؤهم علي يد الإرهابيين الذين لا قلب ولا دين ولا ضمير لهم. هؤلاء هم ضحايا العمليات الإرهابية الذين ترتوي أراضي الوطن العربي بدمائهم كل يوم، في مصر والعراقوسوريا واليمن وليبيا، وحتي السعودية ودول الخليج العربي لم تعد بعيدة عن مرمي نيران الإرهاب، الجميع يتجرع من نفس الكأس المر، وبما أن الهم واحد في وطن عربي واحد، فقد تعالت الأصوات في الآونة الأخيرة مطالبة بإنشاء قوة عربية موحدة لمكافحة الإرهاب. فإذا كانت اتفاقية الدفاع العربي المشترك فشلت في الخروج إلي النور طوال العقود الماضية، ولم تتحول إلي حقيقة، فها هو اليوم الذي يحتاج فيه العرب إلي قوة موحدة قد جاء، لمواجهة العدو الغادر المتربص بهم داخل أراضيهم براً وبحراً وجواً. «الإرهاب لا وطن له»، عبارة تتردد كثيراً علي أسماعنا، تحمل أكثر من معني، ربما فسرها البعض علي أن الإرهاب عدو وطنه، وبالتالي فلا وطن له، ولكن اليوم ظهر لها تفسير آخر، بعد انتشار العمليات الإرهابية في العديد من الدول العربية، فالإرهاب أصبح متعدد الجنسيات، يصول ويجول في وطننا العربي دون أن يتصدي له أحد، عمليات إرهابية خسيسة تحدث في كل مكان، يدفع ثمنها مواطنون أبرياء وضباط الجيش والشرطة، وقبل أن تجف دماء شهدائنا من ضباط وجنود الجيش في العريش، لحقت بهم أرواح طاهرة من جنود الجيش اللبناني في عملية غادرة، وبعدها بأيام قليلة وقعت عملية مشابهة في العراق، ثم في ليبيا وفي اليمن. حتي المملكة السعودية لم تسلم من نيرانهم، حيث شهدت عملية إرهابية مؤخراً استهدفت إحدي الحسينيات الشيعية بمنطقة الأحساء شرقي المملكة، وأسفرت عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 120 آخرين، وإذا كان العراق منذ الغزو الأمريكي له في عام 2003 وحتي اليوم يعاني نار الإرهاب التي أتت علي الأخضر واليابس، فإن مصر اليوم تكتوي بنفس النار، تفجيرات هنا وهناك ولم تعد نيرانهم الغادرة تستهدف ضباط الجيش والشرطة فقط، بل امتدت أيضاً إلي المدنيين العزل في مترو الأنفاق وفي وسائل المواصلات العامة، حتي الأطفال في مدارسهم لم يسلموا من هذه النيران، فوقعت التفجيرات بجوار المدارس لإرهاب وبث الرعب في نفوسهم. وها هو إرهاب «داعش» يغتال مئات السوريين يومياً، بخلاف ما يحدث في العراق، وها هي السيارات المفخخة تنفجر في ليبيا وفي العريش في وقت واحد، فكأس الإرهاب تدور في جميع أرجاء الوطن العربي، والكل يتجرع مرارتها ويبحث عن الأمن المفقود دون جدوي، في دول كانت سمتها الأمن والأمان.
قوة موحدة ونتيجة كل هذا تعالت الأصوات مؤخراً مطالبة بضرورة إنشاء قوة عربية موحدة لمكافحة الإرهاب، فهل يلقي هذا الاقتراح قبولاً عربياً، وكيف يمكن تنفيذه؟ يجيب عن هذا التساؤل اللواء محمد رشاد، الخبير العسكري، مشيراً إلي ضرورة أن يسبق تشكيل هذه القوة، وجود تنسيق وتضامن عربي حتي يخرج هذا التنظيم الجديد أو هذه القوة إلي حيز النور، فالقضاء علي الإرهاب في الوطن العربي ليس مهمة سهلة، ولكن مسئولية يجب أن يتكاتف الجميع من أجل إنجازها، خاصة أن طبيعة أراضي الوطن العربي، وطبيعة هذه التنظيمات الإرهابية لا يمكن التعامل معها جواً فقط، إنما لابد أن يكون التعامل معها أرضياً، ومن هنا يجب أن يعي العرب جميعاً أنه آن الأوان لكي يفكر العرب في ضرورة التضامن العربي العسكري للقضاء علي الإرهاب، خاصة أن المتغيرات الموجودة في المنطقة كلها توجب عليهم تحقيق هذا التضامن، فإيران تعمل علي إيجاد بؤر شيعية لها في كل مكان، وتعمل علي خلق صراعات داخل الدول وتهدد أمن الخليج، في الوقت نفسه تعتبر أمريكا أن التنظيمات الإرهابية الموجودة في المنطقة العربية جزءاً من آليات تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فهي تدعمها، لذا هي ليست حريصة علي القضاء عليها كما يعتقد البعض، ولابد أن تكون الدول العربية أكثر حرصاً علي القضاء علي الإرهاب من خلال جهاز عربي فعال مبني علي القوات الأرضية التي يمكنها الالتحام مع هذه العناصر والتعامل معها، وليس الضربات الجوية. وأضاف: لابد من إحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وعلي الجامعة العربية أن تتحرك في هذا الإطار، وعليها أيضاً مراجعة مواقفها تجاه النظام في سوريا، فقد أثبتت الأيام أن «داعش» لا تقود الثورة في سوريا، وإنما تهدف إلي تدميرها كما حدث في العراق لصالح مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي ترعاه أمريكا. وأكد اللواء رشاد أن دول الخليج نفسها ليست بعيدة عن هذا الخطر، فالحوثيون في اليمن خطر علي الخليج كله، ثم يجب أن يكون هناك منطقة عازلة بين اليمن وبين باقي دول الخليج، لأن تمدد الحوثيين في المنطقة يمثل خطراً كبيراً علي دول الخليج، وعلي الملاحة في البحر الأحمر، لذلك يجب علي دول الخليج أن تقدم الدعم المادي والمعنوي لهذه القوة العربية لمكافحة الإرهاب المنتشر في أراضي الوطن العربي، حتي لا تنتشر فيها العمليات الإرهابية كما حدث في العديد من الدول العربية الأخري.
إجهاض المؤامرة ويلتقط اللواء محمود قطري، الخبير الأمني، أطراف الحديث، مشيراً إلي ضرورة تفعيل هذه الفكرة، فالمسرح السياسي العربي أصبح في حاجة لمثل هذه القوة لإجهاض المؤامرة الغربية التي تحاك ضد المنطقة العربية، التي استغلت ثورات الربيع العربي لتنفيذ هذا المخطط، فنحن الآن نتعرض لإرهاب الإسلام السياسي المتحالف مع القوي الغربية المعادية، وبعض القوي الإقليمية مثل تركيا وإيران وقطر، من أجل تحقيق مصالح ضيقة لهذه الجماعات، ومصالح الدول الكبري المشاركة في هذه المؤامرة، ومن هنا انتشر الإرهاب في كل مكان بهدف تقسيم الدول العربية إلي دويلات صغيرة، وإشعال فتيل الحرب الأهلية بها، ومن ثم أصبح لزاماً علي الدول العربية أن تتعاون جميعاً لمحاربة الإرهاب، لأن كل دولة لن تستطيع محاربته بمفردها، ويمكن أن يحدث تكامل عربي في هذا الإطار، وقد حثنا الله تعالي علي ذلك بقوله تعالي: «وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان»، صدق الله العظيم. فهذا تعاون علي خير الناس للقضاء علي الإرهاب، خاصة في ظل تحالفات عالمية تهدف إلي تدمير المنطقة، لذلك يجب أن يعلم العرب جميعاً أن التحالف في هذا المجال هو الحل، فمصر تمتلك خبرات قتالية، ودول الخليج تمتلك الإمكانيات اللازمة، ومن هنا فالتكامل سهل وله فوائد عديدة منها قطع الطريق علي الجماعات التي يتم تمويلها من بعض الدول الخليجية مثل قطر، كما أنه سيمنع هروب العناصر الإرهابية إلي أي دولة عربية، وسيثبت للعالم كله أن دول الوطن العربي وحدة واحدة، وبالتالي سيتم إجهاض المؤامرة الغربية لتفتيت المنطقة.
جبهة عربية واحدة إذا كان عدد من القوي السياسية والحزبية في مصر فطنت إلي خطورة الإرهاب، وقامت بإطلاق «جبهة وطنية لمواجهة الإرهاب» وأكدت في بيانها أن الجبهة تشكلت بهدف مواجهة الإرهاب والمخططات التآمرية التي تستهدف الدولة المصرية وحدودها لتقويض الأمن القومي المصري والعربي لصالح مخطط الشرق الأوسط الجديد، وقررت الجبهة التواصل مع الجهات العربية والإقليمية والدولية لاطلاعها علي المخططات التي تستهدف مصر والأمة العربية، والتأكيد علي رفض توظيف الدين لحساب الأجندات السياسية التي تستهدف إسقاط الدولة المصرية والدول العربية والإسلامية. هذه الجبهة المصرية أيقنت أن الإرهاب هو العدو الأول للوطن العربي، ولابد من قوة عربية لمكافحته، وهذا ما يطالب به المستشار بهجت الحسامي، المتحدث باسم حزب الوفد، الذي أشار إلي أن تشكيل مثل هذه القوة أمر سهل، خاصة أن الإطار القانوني لها موجود، وهو اتفاقية الدفاع العربي المشترك، التي تنص علي وجود جيش عربي موحد لمواجهة الأخطار، وبما أن الإرهاب خطر علي الوطن العربي، بالإضافة إلي الأخطار الخارجية التي تحيط بالوطن العربي، لذلك لابد أن تتكامل الدول العربية لمواجهة هذا الخطر. وأشار إلي أن الجيوش العربية تمتلك كل شيء، فهناك جيوش لديها سلاح وأخري لديها قوي بشرية مدربة، وثالثة لديها إمكانيات استخباراتية ومعلوماتية، ومن هنا فالتكامل بينها سهل، ولكن الأمر يحتاج إلي إرادة سياسية، وإدراك كل هذه الأنظمة السياسية العربية خطورة هذه المرحلة، وهويتها، فلن تستطيع أي دولة منفردة مواجهة الإرهاب، خاصة أن هذه التنظيمات الإرهابية مدعومة من تكتلات خارجية، وبالتالي فمواجهتها لابد أن تتم من خلال تكتلات أيضاً.
مواجهة الإرهاب ويتفق المستشار حسن عمر، خبير الشئون الدولية، مع الرأي السابق، مشيراً إلي أن الوضع الراهن يلزم جميع الدول العربية بأن تتوحد في مواجهة الإرهاب، فأهداف الغرب معروفة تجاه المنطقة، وأمريكا كانت تهدف إلي تدمير الجيش العراقي الذي كان أقوي وأكبر جيوش المنطقة، حيث كان قوامه 2 مليون جندي، ولذلك فعلت ما فعلت بالعراق، وكان التخاذل العربي والمواقف السلبية للجامعة العربية سبباً فيما آل إليه حال العراق الآن، وهذا هو نفس الهدف الذي تسعي إليه أمريكا بتدمير الجيشين السوري والمصري، ولذلك لابد من قوة لحماية الجيوش العربية من التدمير بدلاً من تركها فريسة للذئب الأمريكي كل علي حدة. وأضاف: جميعنا يعلم أن الإرهاب في الوطن العربي صناعة أمريكية فهل يمكن أن تحارب أمريكا الإرهاب الذي صنعته لتنفيذ مخططها، لذلك لابد من إعادة إحياء فكرة الدفاع العربي المشترك، وقد أصبحت هذه الفكرة واجباً قومياً، ويمكن الاستفادة من الشباب العاطلين في هذا الصدد، بضمهم لهذه القوة وتدريبهم لحماية الحدود، ويمكن الاستعانة بهم لحماية حدود الدول العربية التي تعاني هذه المشكلة مثل الكويت والسعودية.
ليسوا مرتزقة وإذا كانت فكرة الجيوش التي تحارب من أجل أوطان غير أوطانها قديمة ومنبوذة منذ فرق المماليك الذين كانوا جنوداً مرتزقة، فهنا يثور السؤال: هل ستصبح هذه القوة مرتزقة، أيضاً علي غرار المماليك؟ المستشار حسن عمر، ينفي هذه الفكرة، قائلاً: أمن الخليج في خطر، ودخول داعش إلي السعودية أو الكويت من خلال حدودهما المشتركة مع العراق سيكون خطراً علي المنطقة كلها، خاصة أن الفكر الداعشي المتشدد سيجد له أرضية في هذه الدول، وبالتالي فالخطر سيكون أكبر، لذلك ستكون مهمة هؤلاء الجنود حماية الحدود، وتتحمل مصر مسئولية التدريب بينما تتحمل هذه الدول مسئولية التسليح، ولا يقتصر الأمر علي ذلك فحسب، بل يجب أن تكون مهمة هذه القوات مواجهة الإرهاب بكافة أنواعه في جميع أرجاء الوطن العربي، بما في ذلك إرهاب التنظيمات التي ترعاها أمريكا وإسرائيل، فلابد من التعامل مع هذه التنظيمات بفكر استراتيجي وهذا لن يحدث إلا من خلال قوة عربية لمكافحته، وعلي العرب أن يعلموا أن القوة في الاتحاد، وهذا ما توصلت إليه أوروبا بتكوين الاتحاد الأوروبي.
مواجهة محلية ويتحفظ اللواء الدكتور نبيل فؤاد، أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، علي تشكيل مثل هذه القوة، مشيراً إلي أن كل دولة عليها أن تحارب الإرهاب، وفقاً لظروفها وطبيعتها، وبالتالي فتشكيل هذه القوة يجب أن يكون محلياً وإذا لم تستطع أي دولة مواجهة الإرهاب بمفردها فيمكنها أن تطلب المعونة في إطار الجامعة العربية التي توجد بها اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الأمني، فهذا أفضل من إنشاء قوة موحدة لمكافحة الإرهاب، خاصة أن الإرهاب في مصر يختلف عنه في العراق أو سوريا، أو دول الخليج، ومن ثم يجب أن تكون المواجهة محلية وبقوة محلية تعرف طبيعة الدولة والجماعات الإرهابية الموجودة فيها.