منذ عشرين عاما أو يزيد، وفي واحدة من المحاضرات التي كان تنظمها الجمعية العربية للتربية الإسلامية بالدقي، وقف الدكتور أحمد المجذوب، الخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، يصرخ منذرا، ومحذرا من بداية تشكل ظواهر اجتماعية، في مرحلة البزوغ في المجتمع المصري، ظواهر غريبة عليه كل الغرابة، ولكنها خطيرة غاية ما يكون الخطر، أطلق عليها الدكتور المجذوب مفهوم الإيدز الاجتماعي، والآن هذه الظواهر الاجتماعية التي هي بمثابة الإيدز الاجتماعي اكتمل نموها، وتوحشت، وأصبح من الصعب القضاء عليها في المدى القصير، وتحتاج إلى استراتيجية اجتماعية شاملة تقوم بها مؤسسات المجتمع، وقواه الحية. زنا المحارم، هو الإيدز الاجتماعي، زنا المحارم هو الظاهرة الاجتماعية التي حذر منها واحد من أعظم خبراء دراسة السلوكيات الإجرامية في المجتمع المصري، الدكتور أحمد المجذوب الذي لم ينل حقه في مجتمع يقوده ثقافيا وعقليا أنصاف المثقفين، وأنصاف العلماء، وأنصاف الخبراء، ويتحكم في مؤسساته الثقافية والإعلامية، شلل متماسكة من العاملين في صناعة الإعلام والثقافة، والفنون، أحمد المجذوب أنذر قومه، من هلاك قادم، ولكنهم لا يسمعون من شدة الصراخ والعويل في وسائل الإعلام، ومن على منابر المساجد، مجتمع يصرخ بعض الوقت، ويلهث بعضه، وينام الباقي. زنا المحارم أصبح ظاهرة في مصر يا حراس الدين والثقافة، وأنتم تتصارعون على المواقع والكراسي، وأرصدة البنوك، زنا المحارم أصبح خبراً عادياً تتسابق الصحف الصفراء، وفضائيات شارع محمد علي (مدينة الإنتاج الإعلامي سابقاً) على إبرازه والتسويق له، بل وجذب أصحاب الأنفس المعلولة المريضة الى الانخراط فيه، زنا المحارم صار ظاهرة اجتماعية في مصر المحروسة، التي كان فيها القريب، بل ابن الحتة، أو ابن القرية، يدفع حياته دفاعا عن حياء فتاة من حتته، أو من قريته، أو من عائلته، حياة في مقابل الحفاظ على الحياء، لا يسمح بأن يجرح أحد مشاعرها، بكلمة غزل، عفيف، أو غير عفيف.. تغير الحال، وانقلب الزمان، وأصبح الأب يغتصب فلذة كبده، أحرق الله كبده، وينجب منها، كارثة هي فعلا مرض الإيدز الاجتماعي، الذي يفقد الجسد الاجتماعي المناعة الطبيعية المكتسبة، ويصبح بعدها الجسد عرضة لكل أنواع الأمراض، يزلزله أضعفها، وأقلها، ولا يصلح فيه حينئذ العلاج. المجتمع المصري الآن أصبح مصابا بالإيدز الاجتماعي، فقد مناعته، لعدم مواجهة مشاكله الصغيرة في وقت ظهورها مواجهة صحية، وصحيحة، فتفاقمت، وتضاعفت مضاعفاتها، وتحولت إلى أمراض مزمنة، يصعب علاجها، أو يستحيل، وتحتاج في غالب الأوقات إلى جراحات عميقة، أو عمليات بتر، أو حتى اللجوء الى الموت الرحيم. ثلاثة أسباب أدت الى تمكن مرض الإيدز الاجتماعي من الجسد المصري: أولها: غياب الدولة عن معظم وظائفها منذ بداية سياسات الانفتاح، والتحول اقتصاد السوق الذي دهس في طريقه الملايين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الذين أصبحوا يطحنون بين شقي الرحايا، الفقر من جانب، وظهارة الرياء الاجتماعي من جانب آخر، فقد خلق الانفتاح ظهارة التسلع، اي إضفاء قدسية اجتماعية على السلع الحديثة، فأصبحت السيارة والاثاث والادوات الكهربائية أهم من كل القيم بما فيها الشرف والعرض. في هذا الإطار تركت الدولة شعبها مثل السوائم بلا راع، ولا حتى كلب يخيف الذئاب. وثانيها: ضلال المؤسسات الدينية عن طريقها، ودخولها في مرحلة التيه، والتوهان، فالمؤسسة الرسمية انسحبت من المجتمع، وأدخلت الدين في الديب فريزير، للحفاظ عليه من التلف أو التحلل، وتركت الساحة للحمقى والمغفلين الذين ركبوا الموجة، وتصدروا للدعوة والفتوى، وقيادة الجماهير الجاهلة، والمتعلمة تعليما شكليا ناقصا، أو فارغا، تصدروا بمجموعة من المظاهر التي تعد من قبيل النفاق بلغة الفقه، أو النصب والاحتيال بلغة القانون، يكفي إطلاق لحية، وتقصير ثوب، وعلامة صلاة مصنوعة، وملمح من جزيرة العرب، وكنية كأبي، ونسبة الى قرية، أو طائفة، ويصبح ذلك الدعي الجاهل، المحتال أكبر عالم دين، ولأن الدين لا صاحب له، فلا سبيل لاكتشاف هؤلاء النصابين. وفي نفس الوقت انصرفت الحركات والجماعات، والتنظيمات الإسلامية التي أعلنت انها تحرس الفضيلة، انصرفت إلى الاتجار بالرذيلة من أجل مكاسب سياسية، وموقف الإخوان من جرائم مدرب الكاراتيه مثال لا يحتاج إلى تعليق، بعد أن تركت هذه الجماعات والتنظيمات رسالتها وانخرطت في الصراع السياسي تتاجر فيه بالدين للوصول إلى الملك. وثالثها، إعلام بالغ في الإجرام، أصبح يقوم على تسويق الرذيلة، والجريمة، والفضائح، من أجل زيادة نسبة المشاهدة، أو التوزيع، ومن ثم زيادة الإعلانات، لتحقيق المليارات، وليذهب المجتمع وأهله إلى الجحيم. مصر في خطر ما لم يتم إصلاح هذه المواطن الثلاثة للخلل، والإيدز الاجتماعي أصبح حقيقة.