بصدور مراسيم بقوانين الحقوق السياسية وانتخابات مجلسي الشعب والشورى، عقد اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع وعضو المجلس الاعلى مؤتمراً صحفياً.. وبعدها كان على الشاشة الصغيرة متحدثاً بمداخلة مطولة مع الاعلامي يسري فودة في حضور دكتور وحيد عبد المجيد، للاجابة على أية استفسارات او اسئلة تهم الرأي العام.. وهذا كله جميل، ولأني لست طرفاً في اي صراع حزبي أو معارك دائرة، تسودها احياناً البطولات أو المصالح الشخصية الضيقة، فأبادر واعترف بأن المراسيم بقوانين التي صدرت عن المجلس الاعلى للقوات المسلحة تحمل بعض الايجابيات، ومبادئ واحكاماً جديدة ومؤثرة في الحياة السياسية والنيابية متي تم تفعيل أحكامها جملة واحدة وبدقة، لنهيئ الشارع السياسي والناخبين الى ضمان حسن الاختيار لأفضل العناصر بعيداً عن البلطجة وسطوة المال او التأثير على ارادة الناخبين، حتي لا نستبدل سيطرة فئة او فئات بعينها على الحياة السياسية. نعود لسقطة اللواء شاهين.. في البداية نقرر انه بدأ متدفقاً وطنية وحماساً، لكنه سرعان ما قرر بعد أن كثر الجدل عن المطاعن، والحديث عن عدم المساواة بين الحزبيين والمستقلين، وعدم الدستورية قال لنا اللواء شاهين بأن هذه الاحكام والمراسيم قد اعدت، بعد ان أخذ رأي رجال القضاء.. والمحكمة الدستورية، الذين سيعرض عليهم الامر في النهاية، وكذلك آراء الخبراء.. الذين ليست لهم اية مصالح حزبية او شخصية، ولهذا كانت احكام المراسيم بقوانين محققة لصالح مصر بعيداًعن اية صراعات او مصالح شخصية او حزبية. والاجابة بهذا الشكل نصفها مقبول معقول بل ومطلوب.. ان يؤخذ رأي الخبراء.. والعلماء الذين ليست لهم مصالح سوي مصر اولاً وآخراً، لكن باقي الاجابة فيها إثم كبير.. وسقطة كبرى. فماذا يعني أخذ رأي القضاة.. مقدماً.. في مثل هذه المشروعات، سواء كانوا قضاة دستوريين او اداريين.. او غيرهم ممن قد يعرض عليهم الامر عند الخلاف، لأننا في مصر ليست لدينا رقابة قضائية سابقة، ولأننا في مصر ايضا لو ابدى القاضي رأيه مقدماً امتنع عليه نظر الدعوى وصار غير صالح لنظرها ممنوعاً من سماعها، وكيف تم استطلاع الرأي، هل بصفة ودية ام بصفة رسمية وكيف؟! ومن هم الذين عرضت عليهم المراسيم بقوانين.. وماذا كان رأيهم..؟ كل هذه التساؤلات تفجرها وتطرحها اجابة او سقطة اللواء شاهين التي اطلقها على الرأي. وفي وسط الزحام وكثرة الجدل تاهت هذه التساؤلات عن الضيف وعن المحاور على الشاشة.. لكنها في الحال أثارت دهشة واستنفار كثيرين غيري.. وفي الامر احتمالان، اما ان يكون اللواء شاهين اراد ان يضيف وقائع تمثل وسائل وادوات اقناع للمستمعين والرأي العام ولم يكن ذلك قد حدث وتلك مصيبة.. وإما ان يكون ذلك قد حدث فعلاً فتكون عندئذ المصيبة اعظم. من حق المجلس الاعلى للقوات المسلحة، ومن قبل مجلس الوزراء ان يستطلع الرأي، لكن عليه اتباع احكام القانون، وسيادة احكامه، فمن حقه ان يشكل لجنة خبراء دستوريين ومشرعين خاصة مع غيبة السلطة التشريعية في البلاد، ومن حقه ايضا ان يستطلع رأي مجلس الدولة بقسمي الفتوى والتشريع، بل عليه في المراسيم بقوانين ان يحيل المشروعات خاصة اذا كانت مهمة وجدلية الى قسم التشريع بمجلس الدولة، للمراجعة من حيث المشروعية والصياغة بعلمها وفنها، وليطمئن الى سلامة التشريعات، قبل صدورها.. لكن ليس من حقه مطلقاً ان يعرض تلك المشروعات ودياً او شخصياً او حتى رسميا على بعض القضاة الدستوريين.. او الاداريين الذين قد يكون لهم سلطة الفصل فيها عند الخلاف، لأن هذه الحالة الاخيرة وحدها مقصورة على قانون الانتخابات الرئاسية فقط وبحكم الدستور الذي سقط وكذلك الاعلان الدستوري الاخير المادة 28. ويذكرنا التاريخ عند قيام ثورة 52 استعانة مجلس قيادة الثورة بالعلامة الدكتور عبد الرزاق السنهوري «رحمه الله» وكان رئيسا لمجلس الدولة ومعه زمرة من المستشارين العظام.. الى جوار رجال الثورة، لم تكن لهم خبرة او دراية في الامور الدستورية او التشريعية.. ورغم ان ندبهم الى جوار مجلس قيادة الثورة كان معلوماً وواضحاً.. ومعلناً.. فكانت معظم طلبات الرأي في الامور التشريعية والدستورية.. يبعثون بها الى قسم التشريع بمجلس الدولة ليصدر رأيا او يقوم بالمراجعة.. ويشار الى ذلك في ديباجة المشروعات ذاتها وفي وضح النهار.. وعلنا وأمام الرأي العام.. حتى يكون الامر بينا.. من يملك إبداء الرأي.. ومن يمتنع ومن يصلح بعدها للفصل في الخلاف اذا ما وقع بين الناس.. وبين القانون او المرسوم حتي يكون الحلال بين والحرام بين.. لا يكفي له اجابة ساذجة من شأنها ان تثير القلاقل او تحدث الفتن، وتلقي بالشك في اختراق السلطة القضائية من الابواب الخلفية، فنعود الى فتنة القضاء مرة اخري، او تفاجئنا سقطة تقع في اجواء الرأي العام فتزيده التهاباً..!! [email protected]