بسبب ظروفى الصحية، وارتفاع ضغطى بشكل مفاجئ، وتجنبا لإصابتى بأزمة قلبية، وبسبب تلوث البيئة وانتشار السحابة السوداء، قررت أن أبتعد لفترة عن الكتابة فى السياسة أو عن هموم المواطنين، وأن اكتب عن الطبيخ أو الذكريات أو الرحلات، صحيح أنني لا أجيد الطبيخ، لكنني أعدكم شرف المحاولة بقدر المتاح، واعدكم كذلك بأنني قبل الكتابة عن أى طبخة أعود لبرامج الطبخ التي انتشرت في وسائل الإعلام بكثرة. بداية يجب أن نحدد المصطلح، ما معنى كلمة طبخ في اللسان العربي؟، قيل إن الطبخ: فعل، وأن طبخ يطبخ طبخا: فهو طابخ، والمفعول مطبوخ وطبيخ، وطبخ الطعام: هيأه للأكل، وطبخ اللحم: أنضجه، وطبخ الآجر: احرقه، والمفاجأة فى المعاني الأخرى المرتبطة بالطبخ، على سبيل المثال: طبخ الأخبار: حضرها، وماهر في طبخ الأذى: فى تدبير المؤامرات». نخلص مما سبق أن الطبخ يجوز فى الطعام والإعلام والحياة بشكل عام، بمعنى أن الطبخ: هو الإعداد أو التهيئة للطعام أو للخبر أو لأى شىء، السؤال الذى يطرح نفسه، ما الذى سأطبخ فى هذا المقال؟، بمعنى آخر: ما هى الطبخة التى سأعدها أو أكتب عنها؟ زمان فى طفولتى وصباى كنت أذهب إلى السوق أشترى بعض طلبات المنزل، وكنت أرى لدى الفكهانى حاجة تشبه الشمام فى الشكل والبطيخ فى الحجم، وتختلف عن البطيخ فى أنها ليست مستديرة كالكرة ولا مستطيلة كالشمام او البطيخ النمس، لغرابة شكلها سألت عنها وقيل لى اسمه: القرع، أذكر يومها اننى قلت: هو ده بقى الأقرع اللى بيقولوا عليه قيل لى: نعم والقرع هو نبات من الفصيلة القرعية التي من ضمنها الكوسة والخيار والشمام، ولونه أصفر أو برتقالي أو أحمر، وكلمة قرع فى قواميس اللغة العربية لها عدة معان، منها: الضرب أو الطرق او الطبل، والسوط، والعصا، وصك الأسنان، وأصابه القرع، وأطرف معانيها التى ذكرت فى القواميس جاءت فى التأنيث: القرعاء: المصيبة، والفاسد من الأظافر. الغريب فيما ذكر بالقواميس أنها لم تذكر لنا دلالة تحيلنا إلى استخدامات القرع فى الفكر الشعبى، حيث نعلم جميعا أن القرع هو النفاق، والكذب، والحقيقة لا اعرف لماذا استخدمها العامة على هذا المعنى: يقولون: آه قرع بقى علينا، وده بيقرع، وده قرع؟، هل لأن القرع من معانيه الأملس الذى سقط شعر رأسه، بمعنى ان الكلام خال من الشعر أم لأن القرع فى القواميس الأرض التى لا تنبت شيئا؟، ربما استخدمتها العامة فى معنى النفاق والكذب لأن القرع من فصيلة الكوسة، المؤكد والأقرب للواقع استخدامها فى معنى الطبل، فيقصد أن فلان بيقرع: بمعنى يطبل، والتطبيل من الغناء وقول الكذب، وما يقوى هذا التفسير أن عامة المصريين يستخدمون نباتين من فصيل واحد فى الحكم على ما يكرهونه أو يرفضونه او ينتقدونه، فقد جمع بين القرع والكوسة وهما من فصيل نباتى واحد فى الحكم على الكلام والأفعال الشاذة والمبالغ فيها والتى تخرق القانون والعادات، فكما استخدم كلمة القرع فعل الشىء نفسه مع نبات الكوسة. بغض النظر فأنا لم آكل الكوسة سوى على كبر، وأأكلها على مضض من باب انها نعمة ربنا ويجب أن أعلم الأولاد ان يأكلوا جميع الخضراوات، لكن أحبها وهى محشية بالأرز أو باللحم المفروم، واستطعمها جدا وهى فى شوربة الخضار بشرط ألا تكون مهرية، وبالنسبة للقرع فقد تذوقته زمان فى الصغر ولم استطعمه نهائيا، ومن يومها لم أكرر التجربة. لو تحدثنا عن كيفية طبخ الكوسة، يمكن ان ترجعوا لكتاب أبلة نظيرة أو لبرامج الطبخ المنتشرة بشكل كبير جدا فى وسائل الإعلام، وأظن أنكم تشمون الريحة من على بعد أمتار وربما كيلو مترات، خاصة فى البرامج والصحف التى تسب وتلعن وتتهم ليل نهار ، فهذا خائن، وهذا إخوانى، وهذا ممول من أمريكا شيكا بيكا، الطريف ان هؤلاء الطباخين هم الذين كانوا يطبخون أيام الرئيس مبارك وطبخوا السنة التى تولى فيها الرئيس مرسى، والمطلوب ان نصدقهم، بذمتكم: ده ينفع؟.