لم يعد هناك شك في أن مركز الثقل العالمي يتحول تدريجيا من الغرب الي الشرق. ولعل هذا هو السبب الرئيسي في الجزع الشديد والتصرفات العدوانية الطائشة التي يقوم بها الاستعمار الأمريكي وأذياله في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو علي أول إيقاف عجلة التاريخ وبقاء مصير العالم في قبضة الغرب. أمامنا مثل حي علي هذا الرعب الغربي من الشرق والصين بالذات يتمثل فيما نشرته مجلة الإيكونومست البريطانية لسان حال الاستعمار الاقتصادي الغربي في 20 سبتمبر تحت عنوان: «الصين تحاول بناء نظام عالمي جديد». يقول المقال إن المعني واضح من الاسم فمنظمة تعاون شنغهاي SCO تضم ست دول هي: الصين وكازاخستان وقرغيزيا وروسيا وطاچيكستان وأوزبكستان، وتهدف الي أن تكون التنظيم الأمني المسيطر في المنطقة، ولكن نشأتها وأغراضها صينية الي أكبر حد، ولذا يبدو مصدر قلق من وجهة النظر الغربية أن المنظمة وافقت علي توسيع عضويتها، وأن الهندوباكستان وإيران حريصون علي الانضمام لها، مما ينبئ بقيام حلف ناتو تقوده الصين ويجذب إليه حتي أصدقاء أمريكامثلالهندوباكستان. ومع هذا فإن هذا التنظيم SCO لا يدركون خطر ما يهدف اليه، فهو فعلا يمثل تحديا للنظام العالمي الذي تقوده أمريكا ولكنه تحد أكبر كثيرا مما يظنون في الغرب. وفي 11 و12 سبتمبر عقدت منظمة SCO مؤتمرها السنوي الرابع عشر في دوشانبي عاصمة طاچيكستان، وقررت اعتماد خطوات التوسع بدءا بالدول المعتمدة كأعضاء مراقبين، ويحتمل انضمام الهندوباكستان كعضوية كاملة العام المقبل، ولا يمكن لإيران حاليا الانضمام بسبب عقوبات الأممالمتحدة عليها، أما منغوليا فهي دولة عضو مراقب حاليا ونظرا لأن الحكم فيها ديمقراطي فهي مترددة في أن تحصل علي عضوية كاملة في منظمة معظم أعضائها دكتاتوريات. أما أفغانستان آخر الدول المراقبة فيبدو أن لديها أولويات أخري. وقد جاء اجتماع SCO مباشرة في أعقاب اجتماع دول حلف الناتو في ويلز وقد أعطي ذلك الشيوعيين في كل من روسياوالصين فرص التذكير بالحرب الباردة خلال القرن العشرين واحتمالات المواجهة وتباهي سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا بأن منظمة SCo تختلف تماما عن مؤسسات الماضي التي كانت جامدة في نظامها الصارم المفروض علي الأعضاء من كتل دولية معينة. وفي أغسطس عقدت SCO أكبر مناورات عسكرية منذ إنشائها وكانت بهدف مقاومة الإرهاب في منغوليا الداخلية اشترك فيها سبعة آلاف شخص، ويباهي الناطقون باسم SCO بأن منظمتهم ليست حلفا مثل الناتو ولكنها شراكة لا تواجه خصما بعينه وهذا ليس صحيحا كلية، فقد كانت دائما موجهة ضد ثلاثة أعداء تعتبرهم قوي شريرة وهم الإرهاب والقوي الانفصالية والقوي المتطرفة، وهي بالنسبة للصين إقليم سينكيانج ولروسيا الشيشان، وبالنسبة للدول الأعضاء وسط آسيا فهي وادي قرغانة ومنطقة الحدود بينها وبين أفغانستان فكل دول SCO تواجه تهديدا من الإسلاميين المتطرفين، ولذلك كانت مناشدة جنينج رئيس الصين خلال اجتماع دوشانبي أن علي الأعضاء التركيز علي محاربة التطرف الديني والإرهاب عن طريق الانترنت، فمشكلة الصين مع العنف المتطرف لعنصر إلايغوير المسلمين في إقليم سينكيانج قد ازدادت سوءا مؤخرا وقد قامت ميليشيات الإيغوير المترفة بارتكاب أعمال إرهابية في إقليم سينكيانج ومناطق أخري في الصين. كما قامت هذه الميليشيات بالقتال مع الجهاديين في مناطق أخري في الأقاليم القبائلية في باكستان علي سبيل المثال، وتفيد التقارير أن بعض المواطنين الإغوير قد انضموا الي عصابة «داعش» التي تحارب في سورياوالعراق، وخلال هذا الشهر تم اعتقال أربعة من الإيغوير المتهمين بالانضمام ل«داعش» علي جزيرة سولاويزي الاندونيسية، وقد كان هؤلاء الأربعة قد غادروا الصين عن طرق جنوب شرق آسيا، وكان أحد أهم النجاحات الصينية وسط آسيا في السنين الأخيرة هو تأمين تعاون السلطات المحلية معها في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين وهو ما يعني أساسا ترحيل الإيغوير المعارضين للحكومة الصينية وقد وجد هؤلاء اللاجئون طريقا آخر للهرب الي الصين عبر لاوس وتايلاند. وهذا النجاح الصيني يرجع أساسا الي تزايد الحضور الصيني والتجارة الصينية في المنطقة، والاتفاقات التي عقدتها الصين في المنطقة، وليس الي نفوذه SCO ونفس الشيء، ينطبق علي الأهداف الاقتصادية الصينية التي وضعتها الصين لSCO فالدول التي تغطيها هذه الاتفاقات تقع علي «طريق الحرير الجديد»، الذي يدعمه الرئيس الصيني. ولكن الاتفاقيات الثنائية هي التي ستبني الحكم وليس توصيات منظمة SCO ومؤتمرها. وإذا نظرنا الي SCO ليس باعتبارها منظمة أمن إقليمي ولكن باعتبارها جهدا نحو محاربة الإرهاب عبر حدود دول المنظمة فإن المنظمة تبدو في هذه الحالة أقل تهديدا لأمريكا والغرب، وتبدو جاذبيتها واضحة لكل من الهندوباكستان، خاصة بعد انسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان، الأمر الذي يخلق نوعا من عدم الاطمئنان في المنطقة، وعضوية SCO بالنسبة للهند والصين قليلة التكلفة وقد تعطي مزايا كثيرة، والهند علي سبيل المثال يحاول اجتذابها كل من الصينوأمريكا، وقد زارها الرئيس الصيني هذا الأسبوع زيارة غطاها إعلام كثيف، ولذلك تبدو عضوية SCO بالنسبة للهند طريق مفيدة في إثبات استقلالية سياستها الخارجية ورفضها الانضمام للكتلة معادية للصين. أما بالنسبة للصين خاصة بالنسبة لروسيا فإن صعود كل من الهندوباكستان هو نعمة ونقمة في نفس الوقت، إذ ستبدو منظمة SCO ليس كناد يضم دول وسط آسيا بل ستكسب الدولتان من العضوية مركزا دوليا حقيقيا، ومع ذلك وكما وجدت تجمعات إقليمية أخري فإن توسيع نطاق العضوية يكون علي حساب قدرة المنظمة علي ردع خصومها، فالهند حتي وهي تحت قيادة رئيس قوي مثل نارندرا مودي لن تكون مرتاحة لوجودها وسط ناد من الدول الديكتاتورية، وبذلك فلن تتمكن SCO من إنجازات أكبر بل العكس هو الصحيح. والواقع أنه حتي روسياوالصين لا يبدو أنهما واثقتان من زيادة أهمية SCO فأربعة من أعضاء المنظمة ينتمون الي الحلف الأمني الجماعي الذي تقوده روسيا. كما تأمل روسيا في أن يكون حلفها مع روسيا البيضاء وكازاخستان فيه مجال لتوسيع نطاقه. كما أن الصين بدأت في إبداء مزيد من الاهتمام بتنظيم آخر هو مؤتمر التضامن وبناء الثقة في آسيا المسمي CICA. ونلاحظ إمكانية التناقض بين المنظمات العديدة التي ترعاها الصين. أما أمريكا فدورها الأساسي في آسيا مبني علي عدة اتفاقات أمنية ثنائية، واتفاقية عامة مفتوحة عضويتها للصين. أما الصين فكل منظماتها مثل SCO - CICA وبريكس التي تضم الصين والبرازيل وروسياوالهندوجنوب أفريقيا ولجنة ثلاثية تضم الصين وكوريا الجنوبية واليابان للتعاون الاقتصادي. كل هذه التنظيمات الصينية تتضح فيها سيطرة صينية رئيسية ولا يسمح لأمريكا بعضويتها بل تم رفض طلب أمريكا بالانضمام لمنظمة SCO كمراقب وكل هذا يقطع بأن الصين لا تكتفي بتحدي النظام الدولي القائم ببطء وبدون هدف واضح في النهاية، ولكن الواضح أن الصين تتبني نظاما دوليا جديدا علي أنقاض النظام القائم. وإلي هنا ينتهي تقرير مجلة «الإيكونومست» اليمينية البريطانية والذي يكشف الجزع الشديد الذي يشعر به الغرب من أن سيادته علي العالم تتعرض لزلزال مدمر، والذي يتتبع المغامرات الجنونية الأمريكية والتي تجر في ذيلها دول أوروبا الغربية وإسرائيل يجد في هذه المغامرات الطائشة مثل إعادة رسم حدود الشرق الأوسط بتدمير دوله لحساب إسرائيل ومثل تهديد روسيا الصريح بالعدوان الغربي عليها في مشكلة أوكرانيا والتلويح الغزير بحرب استباقية ضد روسياوالصين، كل هذه الحماقات التي ترتكبها أمريكا مثل خلق تنظيم «داعش» الإرهابي واستعماله في تفتيت العراقوسوريا. ثم حشد حلف ضده وشن الحرب عليه عندما يتجاوز «داعش» الحدود المرسومة له ويحاول التمدد أكثر مما يسمح به الغرب، تماما كما فعل الغرب مع بن لادن الذي خلقوا له قصة البطولة وزودوه بالمال والسلاح، وحين بدأ بن لادن يلعب لحسابه انقلبوا عليه وقتلوه ودفنوه في قاع المحيط حتي لا يصبح قبره مزارا، كذلك ذلك يجسد صحة المثل القائل أن القوي يكون متسامحا وسخيا حسب رغبته أما الضعف فعدواني بطبعه لشعوره بانعدام أمنه. وهذا هو حال أمريكا والغرب اليوم عملاق سيطر علي العالم طويلا يجد نفسه اليوم يفقد هذه السيطرة للعملاق الجديد في الشرق فيتخبط ويحاول دون جدوي إيقاف عجلة التاريخ. كل ما تأمله البشرية ألا يتخبط هذا العملاق الي الحد الذي فعله شمشون عندما هدم المعبد علي رأسه ورؤوس كل من حوله وهو يصرخ «عليّ وعلي أعدائي يا رب». نائب رئيس حزب الوفد