قبل أن تقرأ: «احنا بنكدب الكدبة ونصدقها».. نعشق الأساطير والبطولات وحكايات شهرزاد.. واذا لم نصدق، فلدينا اعلام «متمكن» يسوق السياسي المخدوع علي أنه «داهية» والمحامي ال«نص كم» علي أنه «دولي».. وصنوه «المتلون علي كل لون يا باطيسطة» بأنه من مناضلي حقوق الإنسان، والأكثر مأساوية أن الطبيب البائع لأعضاء مريضه يمكن كذلك تسويقه بيسر وسهولة علي أنه أحد ملائكة الرحمة. نعشق أن نضفي علي الناس ما ليس فيهم من صفات؟ نتورط في رسم صور لهم مغايره لحقيقتهم؟ فمثلا يدهشك الكثيرون بالادعاء بأنه «السادات» سياسي «داهية».. خدع الجميع.. ووضع خططا للخداع الاستراتيجي «متخرش الميه».. مع أنها «خرت» صريعة في وقت مبكر جدا.. عندما كشف للأمريكان عبر قنواته السرية، عن نواياه، بأن «حرب اكتوبر» هي آخر الحروب، بينما المدافع لاتزال هادرة علي الجبهة فإذا اضفنا الي ذلك طرده للخبراء الروس «مجانا - بتعبير كيسنجر-فإنه يكون طمأنهم - وبلا مقابل ايضا- الي زوال سياسات عبد الناصر المناوئة لهم طوال الحرب الباردة.. ورغم ذلك نسمي هذا «خداع استراتيجي!! وليس هذا وحسب..فعشاقه يسمونه - ويسوقونه - بطلا للحرب والسلام! مع ان حرب اكتوبر «بطولة جماعية»، والمعروف انه لم يحارب إلا «بالعافية»! وبعد أن علا صوت الحركة الوطنية، طلبا للثأر، وقاد توفيق الحكيم «ثورة الادباء»عام 1972.. طلبا ل«الحسم» وتأكيدا لمصداقية شعار «عام الحسم» الذي كنا ننتظره منذ عام1970 وأبدا لا يجيء.. ومع هذا يعتبر البعض هذا «اللاحسم» دليلا علي «فقه الخداع الاستراتيجي للرجل، الذي ننتظر الافراج عن وثائقنا العسكرية السرية يوما حتي نجلو حقيقته! (أتراه يجيء في زماننا؟) لم أضبط نفسي يوما مؤيدا له.. وكرهت اليوم الذي وجدت فيه من يتصدرون المشهد في قريتي وفي غيرها، عندما عاد مما يسميه زيارته التاريخية الي القدس، وهم يحشرون الأنفار المأجورين حشرا داخل اتوبيسات جلبوها لاستقباله والتهليل له، والتي استأجروها بأموال الشعب، أو لعلهم تخابثوا مع شركات القطاع العام المملوكة ايضا للشعب،للقيام بمهمتهم العارية من كل نبل وكرامة وأي معني للوطنية. في انتظار الإفراج عن الوثائق السرية، والحلم بأن يكون لدينا يوما قانون محترم يتيح للمواطن المصري حرية الحصول علي المعلومات كالذي ينعم به المواطن الأمريكي، دعنا نقرأ معا وثائق مرحلته، المفرج عنها اصلا، وهي أعداد «الاهرام» الصادرة في الفترة ما بين يناير وابريل ومايو 1980، أيام عبدالله عبدالباري وابراهيم نافع، وتحت يدي صورة ضوئية لأحدها، يحمل مانشيتات وصورا «مشينة».. وهذا أقل ما توصف به.. العنوان الرئيسي بعرض 8 أعمده يقول: السادات للثوار الأفغان: سنقف معكم بكل ما في الإسلام من قوة. يليه عنوان علي ثلاثة أعمدة يقول: الرئيس يدعو الثوار الي تشكيل حكومة مؤقتة والابتعاد عن الخلافات العربية والإسلامية. العنوان الثالث: زعماء المجاهدين: السادات هو الزعيم الوحيد الذي تعهد بتقديم المساعدات لشعب أفغانستان. العنوان الرابع والذي تلتصق به صورة بعرض ثلاثة أعمدة للرئيس السادات وهو يستقبل زعيما من المقاتلين الأفغان ويرحب به بحرارة: نداء الي دول العالم لمساعدة المجاهدين! «أم المخادعات» التي مورست ضد السادات - كما نقلها هيكل في كتابة «الزمن الأمريكي من نيويورك الي كابل»، 2002 وأكدها بعد ذلك أيضا روبرت دريفوس في كتابه «لعبة الشيطان» الصادر في 2005 هي خدعة برجنسكي مستشار كارتر للأمن القومي الذي خلف الداهية كيسنجر -وكان مستشارا لنيكسون- وكلاهما «هنري وزبجنيو» خدعا السادات «الداهية»!! الأول خدعه بإيهامه بأنه ينبغي أن يكون في صدارة التحالف والجهاد الاسلامي ضد الغزو الروسي الإلحادي في أفغانستان، فهو رئيس أكبر دولة مسلمة وهي بلد الأزهر وموطن جماعة الإخوان المسلمين التي تأثرت بها جماعات إسلامية عاملة في باكستانوأفغانستان، كما انه لا يجب ترك «الخميني» يحتكر شعارات الاسلام، فضلا عن ان دخول السادات يعطيه نفوذا في المنطقة ضد قوي عربية تناوئ «سلامه» المبرم مع اسرائيل!! وشدد «المخادع» علي ضرورة أن يعي «المخدوع» أن الحرب ضد الإلحاد الروسي يجب أن تترك ليخوضها المسلمون، وأهم من ذلك يتكفلون بتمويلها! الي هذا الحد كان يمكن خداع الرجل «الداهية»! لقد اقتادوه الي «فخ الحرب المقدسة».. ومكافحة الإلحاد والشيوعية، وقبل بالشراكة مع التنظيمات الإسلامية (التي ترتبط جذريا بالأمريكيين منذ الخمسينيات!)، واليوم تقود أمريكا المنطقة كلها الي «فخ» من نوع آخر، للقضاء علي هذه «الوحوش» التي صنعتها بنفسها بعد أن تعارضت مصالحها معها.. وبالطبع كان السادات أحد التروس في ماكينات الطحن الأمريكي! لقد نقل برجنسكي للسادات خلال لقائه به يوم 3 يناير 1980 رسالة من كارتر يغريه فيها بالمشاركة في هذا الجهاد الاسلامي، ليواجه اتهامات مناوئيه من العرب، بأنه «فرط» في فلسطين، فضلا عن نيل «أجر الجهاد وثوابه» عندما تفتح مصر مخازنها لتبيع للمجاهدين الأسلحة التي تنتجها وكلها طرز روسية! وهكذا وفي إبريل من نفس العام كان السادات يشحذ هممه ويدعو العالم للجهاد (كما تنبئنا الاهرام)! لا احد ينسي ان السادات خدع ايضا من كارتر عندما اوهمه بانه اذا وقع كامب ديڤيد فإنه بذلك يساعده في الانتخابات الأمريكية، وأن نجاحه يعني أن الطريق مفتوحة لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ومن هنا قام فعلا بتوقيعها، كما انه استجاب من قبل لكيسنجر في مفاوضات فض الاشتباك الأول عندما أعطي الأمن لإسرائيل علي حساب أمن مصر، والتي بسببها انهمرت دموع المشير الجمسي الشهيرة! والأسئلة الآن هي: هل فعلت أمريكا شيئا لكل وعود السلام التي منحتها للسادات؟ هل ساعدوا مصر ودعموها حقا.. أم انهم حصلوا علي ما يريدون وتركوا الرجل لمصيره؟ بعد ان قرأت: رغم كل الخداع الذي تعرض له السادات، فإن عشاقه يسوقونه لنا علي انه «داهية عصره»! فماذا عن خديعة الجماعات الإسلامية له.. فقد انشأها في الجامعة ثم قتلته عند المنصة؟!