أخيرا وضع الشيخ يوسف القرضاوي المفتي الأعلى لجماعة الاخوان بل وكل جماعات الاسلام السياسي فتوى مفادها أن «جهاد الأمة في فلسطين غير جائز، لأن ما حدث ويحدث في فلسطين هو اختبار لأهلها، أما فرض العين الذي على الأمة فهو في سورية ضد بشار الأسد، ويجب في هذا الجهاد ان تجتمع الأمة لاسقاط بشار»! وكان القرضاوي قد أفتى من قبل بأن الجهاد الواجب على الأمة هو الجهاد في فلسطين، وفي ايام غزو أمريكا للعراق كان الجهاد الأكبر عنده هو لاسقاط صدام، ثم كانت فتواه الشهيرة بضرورة ان تجتمع الأمة لاسقاط معمر القذافي في ليبيا، وبعد ان انتهى الاخوان من الخريطة السياسية في مصر أصبح الجهاد الذي يستلزمه القرضاوي في فتاويه هو لاسقاط الجيش المصري! وكاد دعاؤه الذي يرفعه من على المنبر يتضمن اسقاط الجيش المصري! وفي أيام فائتة من تاريخ الأمة أطلق بعضهم على القرضاوي لقب مفتي الناتو اذ كان قد أجاز للمسلم المنضم للجيش الأمريكي ان يقاتل في صفوف هذا الجيش ضد الجيش العراقي! وهو الذي كان قد حرَّم قبلها ان يقاتل المسلم المسلم. نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية وللتاريخ فان القرضاوي سبق وأن ذهب لزيارة معمر القذافي، ثم بشار الأسد، وتحدث عنهما وهما في قمة السلطة حديثا طيبا، وأذكر أنني حضرت اجتماعا للشيخ القرضاوي منذ خمسة أعوام وعدة أشهر في جمعية مصر للثقافة والحوار، وكان في هذا الاجتماع بعض أعضاء الجمعية ومنهم رئيسها سليم العوا وبعض قادة حزب الوسط، وفي هذا الاجتماع تحدث القرضاوي عن زيارته للقذافي فقال: «وجدته رجلا عاقلا بعد ان كانوا صوروه لي في هيئة «الرجل المجنون» ووجدته صاحب فكر جيد وان لم تعجبني حارساته من السيدات، ولكنني أيقنت ان آفة هذا الرجل تتمثل فقط في حب الظهور»! ثم قال انه زار بشار الأسد واستطاع بزيارته هذه ان ينفع الاخوان اذ توسط لدى بشار فقبل بشار وساطته وسمح بعودة بعض الاخوان المنفيين خارج سورية! ثم قال «يكفي بشار أنه يأوي حماس في بلاده في الوقت الذي تحاربهم فيه كل العرب خدمة لاسرائيل»! وبهذه الفتاوى المختلفة والمتناقضة والآراء المتباينة التي لا يمكن ان تصدر من رجل واحد يكون القرضاوي قد جمع بين الشيء ونقيضه، والحرام والحلال، والجائز وغير الجائز، ووضع الجميع في اناء واحد، ويبدو ان هذه طريقة جديدة في الفقه سيكتبها التاريخ باسم يوسف القرضاوي، فهو صاحبها ومخترعها، وبذلك أيضا يكون الأخ القرضاوي قد وضع لنا قاعدة جديدة في كيفية خدمة السلاطين، هذه القاعدة الشاذة تعتمد على صفة قالها لنا الله في القرآن الكريم عن «الذي يتخبطه الشيطان من المس» وهي كما يقول المفسرون (الخبط هو المشي على غير استواء، يقال خبط البعير اذا اختل جهة مشيه) أو كما يقول البعض الآخر من المفسرين (الرجل الذي مسّه الشيطان فصُرع وتغيّر حاله ودارت عينه وزال توازن جسده وزبد فمه اذا أراد ان يقوم لبقية ما فيه من الشعور يقوم بعض القيام بكل انحراف وتأرجح ثم يسقط على الأرض) فهذه الفتاوى كهذا الرجل الذي صرعه المس فزال توازن جسده ومشي مختلا. أو قل هو كذلك الرجل الذي أراد ان يقول فلم يقل، أو قال كلاما لا تفهم منه أهو مع أو ضد، مع الجهاد في فلسطين أو ضده، مع القذافي حين زاره أم ضده حينما حرَّض عليه، مع بشار حين امتدحه أم ضده وهو يفتي بأن الجهاد الحقيقي هو ضد بشار! وهو في ذلك فعل مثل ذلك الشاعر الذي طلب من خياط أعور ان يخيط له ثوبا، فقال الخياط، والله لأخيطن لك ثوبا لا تعرف أرداء هو أم ازار، فقال الشاعر: فان فعلت فسأكتب فيك شعرا لا تعرف أمدحا هو أم هجاء، فخيط الخياط ثوبا محيرا، فكتب الشاعر: «خاط لي عمرو قباء.. ليت عينيه سواء» وأحسن تعبير تستطيع ان تصف به هذا الرجل هو أنه مثل الصورة والنيجاتيف الخاص بها، الشيء وعكسه. نقلا عن صحيفة الوطن الكويتية