لا أخفي إعجابي بالدكتور جابر عصفور المثقف والمفكر الليبرالي المتيم بقيم الحرية والمدافع عن الإبداع بكل صوره.. ويعرف الدكتور جابر عصفور أن رأي المثقف شيء ورأي الوزير شيء آخر، نحن نحتاج باستمرار من المثقف دكتور عصفور ألا يتوقف عن التحليق في فضاءات الحرية مدافعا عن حق الإنسان في أن يكون هو نفسه وليس تقليدا أو استنساخا لشخص أو لعصر أو عبدا لأعراف وتقاليد بالية.. ولكن حين يصبح الأمر بيد دكتور عصفور وزير الثقافة فنحن بحاجة إلى عمل الوزير وليس لسانه.. نحتاج أن نتابع ماذا يعمل الوزير وليس ماذا يقول. نحتاج أن يحول المثقف فكره طاقة عمل بالمسارح ودور النشر ودور السينما وقصور الثقافة والأعمال الأوبرالية.. نحتاج أن ينزل الوزير ببراشوت الفلسفة من آفاق التمني إلى ممرات البشر على الأرض وأن يحول الفكرة والقيمة إلى عمل يندفع بتأثيره في شرايين الناس ويتسلل إلى مسامات العقول.. حين يقود الدكتور عصفور مظاهرة من أجل حرية الفكر والاعتقاد فنحن أمام المثقف جابر عصفور ولكن حين يقف وراء عمل مسرحي عظيم يقدس الحرية واحترام العقل وحين يقنع رئيس الوزراء بسرعة دعم الإنتاج السينمائي المحترم والمراعي للارتقاء بالفكر الاجتماعي فنحن أمام الدكتور جابر عصفور الوزير. وأعتقد أن مشكلة الدكتور جابر عصفور الذي أحترمه كثيرا أنه لا يزال يلعب دور المثقف أكثر من الوزير، فهو يناطح جبال الجمود والتخلف بمعاول أفكاره الجريئة محاولا إسقاط أسوار العصبية والتطرف، وأعتقد أن مهمة الدكتور عصفور من موقعه اليوم كوزير أن يتحدث قليلا ويعمل كثيرا.. أن يكف عن الحوارات الصحفية والتليفزيونية المثيرة للجدل حول قضايا شبعنا اختلافا حولها وسئمنا من مواجهة رياح الماضي المحملة والمعبأة بغبار الانغلاق والتعصب والجهل بمقتضيات العصر ومن الصواب أن نتحول من حالة المواجهة بالجدل للمواجهة بالعمل.. نتحول من معارك التكفير إلى ساحات التفكير. ولذلك أناشد الدكتور جابر عصفور الذي يكفيه اعتزازا ما أنتجه من إبداع شخصي وما أشرف عليه وشجعه من إبداع للآخرين خاصة حين كان مسئولا عن المركز القومي للترجمة والآن يا دكتور جابر حان وقت أن تبني صروحا للثقافة الجديدة من خلال حركة نشر وإنتاج فني - سينمائي ومسرحي وأوبرالي. ونهوض بالموسيقي والغناء وحركة الفن التشكيلي.. واجه الجمود والتعصب بأعمال ضد الجمود والتعصب.. واجه الماضي المتحصرم بعقول البعض بأعمال تنشر عطر المستقبل.. واجه هضاب التخلف بإبداعات التطور.. الساحة مفتوحة أمامك يا دكتور لأن تفعل الكثير إن شئت وكانت لديك الرؤية والعزيمة ومن الرائع أن تذكر الأجيال بعد عشرين أو ثلاثين عاما أن هناك وزيرين أنقذا هوية مصر الثقافية والتاريخية عقب ثورتين.. الأول الدكتور ثروت عكاشة في أعقاب ثورة 1952.. والثاني الدكتور جابر عصفور في أعقاب ثورة 30 يونيه.. فهل تفعل اليوم ما تستحق عليه الثناء غدا.. أتمني؟