لم تعد إسرائيل هي همنا الكبير هذه الأيام.. فقد حاربتنا وحاربناها أكثر من نصف قرن من الزمان ولكنها ونحن مازلنا في المكان شعبا وأرضا وحكومة.. ولكن الهم الأكبر هو ذلك التهديد لوجودنا والقادم من الجنوب عند إثيوبيا التي شرعت فعلا في بناء سدها العالي بارتفاع 145 مترا حاجزا أمامه 74 مليار متر مكعب من المياه تؤثر تأثيرا خطيرا علي حصتنا من مياه النيل المقدرة في اتفاقيتنا مع السودان بخمسة وخمسين ونصف مليار متر مكعب وسيصل هذا التأثير الي حدوث مجاعة مائية في البلاد كما يقول الأستاذ الدكتور فتحي أبوعيانة شيخ الجغرافيين في مصر إذ ستفقد ثلث حصتها من المياه وسيجف ثلث أراضيها وسيجوع ثلث سكانها. وسيصبح قدر مصر مرهونا بالبقاء أو الفناء إذا ما حدث زلزال تحت السد الإثيوبي كما تؤكد ذلك دراسات علماء الجيولوجيا والزلازل فضلا عن صور الأقمار الصناعية ويفسرها الأستاذ الدكتور رشاد القبيصي خبير الزلازل العالمي في حديثه لجريدة الأهرام يوم 9 يونية 2013 قائلا: إن البحيرة الملحقة بالسد في أثناء وبعد ملئها سوف تتسبب في حدوث زلازل كبيرة حتي 6.5 درجة بمقياس ريختر مما يهدد سلامة السد واندفاع مياه البحيرة لتغرق ما أمامها.. وأن السد الإثيوبي يقع في منطقة الأخدود الإفريقي الشرقي المعروف بنشاطه الزلزالي العالي تاريخيا وحديثا وأن تلك المنطقة تعرضت لعشرة آلاف زلزال خلال ثلاثة وأربعين عاما. وقد نشرنا مقالا في جريدة «الوفد» في الأول من شهر يونيو 2014 بعنوان «زلزال إثيوبيا والطوفان» وذكرنا أسماء عشرة علماء چيولوچيا وزلازل يؤكدون بناء سد إثيوبيا في منطقة نشطة بالزلازل والتي سيزيد نشاطها للحد الأعلي عندما تمتلئ بحيرة السد بالماء وسينهار السد بالزلزال المدمر وينفع طوفان المياه الذي سيغرق مناطق شاسعة في السودان قبل أن يصل الي السد العالي إذ استعدت له الهيئة الهندسية للسد العالي حيث يطمئنا بعض الشيء رئيسها المهندس محمد إبراهيم شحاتة، الذي يعمل معه نحو 1800 مهندس وفني وعامل، موضحا أن مفيض توشكي يستوعب ستين مليار متر مكعب من المياه وأنه سيلعب دورا كبيرا في إنقاذ مصر من الغرق عند انهيار سد الألفية الإثيوبي الذي يتوقع ألا يتحمل ضغط المياه الكبير مستقبلا. وأضاف أن الهيئة وضعت خطة طوارئ لمواجهة هذا الموقف الصعب حال وقوعه. ورحم الله السادات فقد كان أحد الأسباب الرئيسية في كل تلك الأزمات عندما أعلن في سبتمبر 1979 بأنه سيحول نهر النيل لإسرائيل كدليل علي حسن الجوار بعد إبرام المعاهدة المسماة معاهدة السلام، وقد ردت عليه إثيوبيا باتخاذ إجراءات للإضرار بحصة مصر من مياه النيل الأزرق، وزاد السادات الموقف اشتعالا بتهديد إثيوبيا بشن الحرب عليها قائلا في 15 يوليو 1980 «بأنه سيبدأ الحرب علي الفور إذا منعت إثيوبيا حصولنا علي حصتنا من النيل». وقد توقعنا كل تلك المشاكل في مقال نشرناه بجريدة «الشعب» يوم 14 يناير 1980 بعنوان «عشرة أخطاء في قرار تحويل نهر النيل الي إسرائيل»، وذكرنا أن نهر النيل قد رسم مجراه كنهر إفريقي بحت، وسيكون توصيل مياهه الي إسرائيل بمثابة إخراجه من مجراه الطبيعي الي دولة آسيوية بحتة، وسوف يؤثر ذلك علي علاقات مصر بالدول الإفريقية إذ تعتبر أن مصر قد فرطت في ثروة طبيعية إفريقية لصالح دولة غير إفريقية.. فإذا أضيف الي ذلك أن ثماني وثلاثين دولة إفريقية لم تقم علاقات مع إسرائيل أو قطعت علاقاتها بها حتي نوفمبر 1973، أي في أعقاب حرب السادس من أكتوبر إكراما لخاطر مصر، فإن تصرف مصر بعد ذلك يعتبر ردة هائلة عن الخط السياسي العام لإفريقيا وهو ما ظهر أيضا بعد ذلك في تحالف دول أعالي النيل مع إثيوبيا في اتفاقية «عنتيبي» التي أنكرت حصول مصر والسودان علي حصتيهما التاريخية في مياه النيل.. فهل يوجد عقاب جماعي علي مصر أكثر من هذا؟! وفي ظل تلك العتمة في العلاقات المصرية - الإثيوبية فقد شاء ربنا سبحانه وتعالي أن يفتح طاقة نور بعد لقاء الرئيس السيسي رئيس الوزراء الإثيوبي «ديسالين» في غينيا الاستوائية خلال مؤتمر القمة الإفريقي الأخير إذ اتفقا علي استئناف المفاوضات بشأن السد الإثيوبي، وتمت بالفعل لقاءات ثلاثية مصرية - سودانية - إثيوبية واتفقوا علي اللجوء لمكتب استشاري تتوافق عليه الدول الثلاث في لقائها يوم 20 أكتوبر الجاري بالقاهرة. وسوف تطول حبال المفاوضات واللقاءات بينما تستمر إثيوبيا بحماس شديد في بناء السد الذي أنهت فيه مراحل متقدمة غير عابئة حتي بمخاطر حدوث الزلازل المؤكد حدوثها عند اكتماله وحجز المياه الهائلة أمامه وعندئذ لن ينفع الندم علي ما فرطناه في القضية. وهنا يأتي دور جامعاتنا في المشاركة العلمية الفعالة في تلك القضية المهمة جدا.. فلدينا العديد من القامات العلمية العظيمة في علوم الچيولوچيا والزلازل وأطالب نوادي أعضاء هيئة التدريس بعقد مؤتمر عام كما كنا نفعل وقت صحوة تلك النوادي العظيمة في السبعينات والثمانينات، وأن يخصص ذلك المؤتمر العام ندوة موسعة لبحث مخاطر السد الإثيوبي علي مصر والسودان خاصة الاحتمالات القوية لحدوث زلازل تهدم السد وتطلق العنان للطوفان الذي يغرق السودان ومصر و العياذ بالله وأرشح نوادي جامعات القاهرة والإسكندرية والمنصورة لتبني الدعوة لذلك المؤتمر العام والعلماء المتخصصين في الموضوع وتسجيل أبحاثهم وقرارات المؤتمر لرفعها للسيد رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الري وعرضها علي المكتب الاستشاري الذي ستتفق عليه مصر والسودان وإثيوبيا.