هذا موعدنا الأسبوعى اليوم لنتحدث عن الطعام والشراب.. والتسالى، فالعرب من أكثر شعوب الأرض حبًا للطعام.. وما دمنا نتبادل التهانى هذه الأيام بعيد الأضحى المبارك.. بل ان بعضنا يهنئ الآخر قائلاً: كل لحمة.. وانت طيب!! نقول ما دمنا الآن فى موسم الطعام.. ولحوم الأضاحى بالذات.. تعالوا نترك اللحم الضانى.. لنتحدث عن «حلويات الذبائح» وللمصريين فيها ألف تفسير وتفسير. والمصرى لا يستصغر أو يستهين بأى جزء من هذه الذبائح.. بل يعظمها ويعطيها قيمة، تفوق أحيانًا الأجزاء الأفضل من كل الذبيحة.. وربما سبب ذلك أن «نطيب» خاطر الفقير.. فيتقبل هذه الأجزاء.. قانعًا بما رزقه الله.. أى هى دعوة لتناول كل شىء.. فى الذبيحة!! وحلويات الذبيحة تمتد إلى: الفشة، والطحال، ومنديل البطن. والكرشة أى المعدة، و«الطرب»، والقلوب والكلاوى وأغلاها «الكبدة».. وأيضًا المخ واللسان و«المصارين».. حتى «الجوهرة» أى عيون الذبيحة لنصل إلى «المخاصى» أى «بيض الغنم» كما يسميها الشوام وأبناء لبنان.. أما عن الكوارع والعكاوى فالحديث يطول.. ويا سلام علي عشقى لأذن الذبيحة، أى «القرقيشة»!! وبرع المصرى فى إعداد أشهى الأطباق من هذه الحلويات.. ويعتقد المصرى خيرًا فى الكوارع، والبعض يرى أن الكوارع البتلو هى الأفضل، وإن كنت أرى أن شوربتها بالضبط زى شوربة الفول النابت. وأن الأفضل هى الكوارع العجالى، الكبيرة، وبالذات الأمامية، أكثر من الخلفية.. لأن الخلفية تتحمل ثقل الحيوان، بقرة، وجاموسة، والكوارع العجالى تعطى شوربة أفضل.. ونخاعًا أكبر.. وشوربة ألذ.. حتى وإن احتاجت إلي فترة أطول على النار!! والدمايطة يعشقون الكوارع.. وفتة الكوارع.. ويا سلام على اللوبيا أم عين سودة فى صلصة الطماطم فوق قارب الفتة.. السابحة فى تقلية الخل بالتوم. ويعتبر المصرى أن «يوم الكوارع والفتة» يوم عيد للزوجة.. وللزوج أيضًا، والمعنى فى بطن الشاعر!! ويمكن أن «تخلى» كمية من الكوارع وتكمل إنضاجها فى حلة صلصة بالطماطم مع شوية حمص بلدى وتقدم كطبق آخر.. مع الكوارع بشوربتها الدسمة.. الطبيعية!! وأنا كعاشق للكوارع أفضلها ب«العضم» يعني أرفض «تخلية» الكوارع.. فليس أفضل من الكوارع إلا النخاع.. وهات يا شفط ودق علي الترابيزة إلى أن تلتقط كل ما هو داخل الكارع، من جوه!! ولحمة الرأس.. يا سلام من طبخها بعد تكسيرها، وأفضل قطعة فيها هى ما هو حول «الصدغين» وأفضلها ما يقدم مطبوخًا فى صلصة الطماطم مع الحمص وليس هناك ألذ من أكل لحمة الرأس فى أى مسمط.. وعلي نواصى الأحياء الشعبية، وهناك شارع كامل فى القاهرة الفاطمية اسمه «سوق الرواسين» أى بيع لحمة الرأس.. مطبوخة، يعنى «ديليفرى» بلغة العصر.. وهناك من يعشق أكل «الجوهرة» أى عين الذبيحة.. وهى أفضل فى رأيهم من لحم الجبهة. أما ما يجذب الزبائن فهى رائحة شواء أو «قلى» الفشة والطحال علي أن يسبق ذلك إذابة قطعة دهن أى «لية» فى طاسة القلى ثم صب كمية من المياه عليها.. فتنطلق تلك الرائحة شديدة الروعة.. ويا سلام علي ساندويتش الفشة والطحال.. علي النواصى، وعلي عربات المحترفين.. والله يرحم من خدعنا أمام دار أخبار اليوم وكان يقدم لنا أطباقًا شهية اكتشفنا بعد سنوات أنها: كفتة.. «بسة» فاهمين؟! والمصرى أيضًا يعشق الممبار.. والسجق، وهو أفضل من السوسيس الافرنجى الذى نأكله فى أوروبا.. بسبب التوابل العديدة التى تضاف للممبار البلدى.. أما لسان الذبيحة فيتم طبخه بعدة طرق، ويقدم محمرًا أو مسلوقًا بعد تقشيره وتتبيله وإعداده.. وإذا كانت الكبدة والكلاوى هى الأغلى بين حلويات الذبيحة.. فإن المخ كذلك من أغناها.. رغم ارتفاع معدل الكوليسترول فى الكبدة والكلاوى والمخ.. ويقبل عليها المصرى.. رغم كل تحذيرات الأطباء!! وللمصرية براعة خاصة فى إعداد الكرشة للأكل، وهى معدة الحيوان، وقدرتها على تنظيفها.. وطبخها بالطماطم والتوم والحمص أيضًا. ولأن المصرى يعشق كل «سمين» بداية من النساء.. فإنه أيضًا يحب أكل «الطرب».. الذى يُصنع من «منديل البطن» تمامًا كما يحب المصرى ويعشق «النيفة» وهى من لحم الماعز بالذات، ولكن مشوية. ويعتقد المصرى فى فوائد «بيض الغنم»، أى «المخاصى».. رغم أن الطب البيطرى يراها مخزنًا للكثير من المخاطر إذ تختزن كل مساوئ الحيوان ولكنها تقدم مقلية.. ولا أدرى ماذا يفعل المصرى إذا كان الجدى قد تم «إخصاؤه» يعنى جدى «مخصى»!! ومازلت أتذكر وليمة أقامها لى شيخ مشايخ قبائل منطقة السمارة فى اقليم الصحراء المغربية فى أواخر السبعينيات عندما قمت بتغطية صراع البوليساريو.. وقرر شيخ القبيلة «ذبح معزة» وطبخها لنا وكنا أكثر من 20 صحفيًا من المنطقة العربية، ومن فنزويلا. وتم طبخ كل شىء من الذبيحة.. وأكلناها بشغف شديد.. فقد كنا فى جوع رهيب.. ذلك هو حديث «حلويات الذبيحة» ونحن نعيش الآن أجواء عيد الضحية.. يا ترى سيادتك هتاكل ايه النهاردة؟!