لا أحد يمكنه إنكار "زعم" الأسطورة الإسرائيلية والحلم الصهيوني فى إعادة مملكة "داوود" و"أوهام" إنشاء إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات. لم يتوان الكيان الصهيوني خلال عقود طويلة من تبني تلك "الخرافات"، خصوصًا أن جميع قياداته من دون استثناء يؤمنون بتلك المزاعم، ويدفعون باتجاه السيطرة على الشرق الأوسط. أحلام التوسع الإسرائيلية، كان لابد لها أن تتمدد ولو بطريق غير مباشرة من خلال إرهاق العراق، بحربي الخليج الأولى والثانية، ثم الحصار والاحتلال، أو إزكاء روح التفتيت والنعرات الطائفية والعرقية في سورية. على الدوام، كانت مصر عصيَّةً على الاختراق الصهيوني، على رغم أحلام اليقظة التي تراود إسرائيل وقياداتها المتعاقبة من حين لآخر، بأن القاهرة هي "الجائزة الكبرى". لم يستفد من حالة الضعف العربي التي نعيشها حاليًا سوى "إسرائيل"، التي ربما تعيش أزهى فتراتها على الإطلاق، بعد أن أُنهك الجسد العربي خلال السنوات الأربع الأخيرة. أما الطرف الآخر الذي حقق استفادة كبرى، في ظل تراجع الدور التركي، هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي لم تفوِّت الفرصة على نفسها، ولم تكبح جماح تيارها المحافظ لانتهاز فرصة التوسع وبسط النفوذ والهيمنة. لعل ما حدث أخيرًا من اتفاق للمصالحة بين النظام اليمني والحوثيين، يؤكد أن منطقة الخليج تمثل ركيزة الإغراء للنفوذ الإيراني، من خلال موقع اليمن الجغرافي، الذي تعتبر السيطرة عليه أمرًا ضروريًا لمحاصرة دول الخليج. بعد اقتناع إيران بنجاحها في العراق، ومساندة النظام السوري حتى يلتقط أنفاسه التي أنهكتها المعارضة المسلحة، فإن طهران تعتبر "الخليج" امتدادًا طبيعيًا لإمبراطوريتها وطموح قادتها. باعتقادنا، تفتقر السياسة الخليجية، تجاه الطموح الإيراني، إلى التخطيط الاستراتيجي والمبادرة، لأن سياسة دول الخليج كلها ردود فعل آنية، لا ترتقي الى حجم الموقف، ولا تستشعر الخطر إلا في الفضائيات أو في حضرة مسؤول أوروبي أو أمريكي. لقد حققت السياسة الإيرانية الكثير من أهدافها في بعض البلدان العربية والخليجية، كما أن طهران لا تتوقف عن التطوير الدائم لقدراتها العسكرية التي فاقت العرب أجمعين، في ظل انشغال عربي بمشكلات هامشية وصراعات داخلية. السياسات الاستعلائية والفوقية ونرجسية امتلاك الأموال والثروات، أسهمت في توسع النفوذ الإيراني، الذي نجح في الاستفادة من التشتت العربي، ليبسط "إرادته" على مضيق باب المندب للوصول إلى العمق الخليجي. المفارقة أن المصالح تقاطعت بين أعداء الأمس "الخليجيين والإيرانيين" و"الأمريكانوالإيرانيين" الذين أصبحوا أصدقاء اليوم بفضل "الحوثيين".. وبرأينا، ستتغير ملامح منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة، من خلال تشكيل قطبين أساسيين، الأول بقيادة أمريكا وحلفائها، والثاني بقيادة إيران والدول المنضوية تحت راية مشروعها. إننا نأمل في "استفاقة" عربية، لإدراك حجم الخطر، وأخذ زمام المبادرة، وعدم الوقوف "متفرجين" على ما يحدث، لأن العالم تغير، ولا مكان للضعفاء "عسكريًا واقتصاديًا وعلميًا"، وألا نكون كمن "يستجير بالنار من الرمضاء".