تتفاقم ظاهرة التناحر عندما يسوق بعض المثقفين أن رجال الدين رجعيون ومتخلفون، وضد رحابة الخيال. وهذه النظرة من الوهلة الأولى تبدو قاصرة ؛ لأن القرآن الكريم يحث على التدبر التفكر والتعقل، ويدفع العقل البشرى دفعة هائلة ليحلق فى عنان الخيال وهو ما يبدو فى قوله تعالى: (إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) (الصافات64-65 )أن هذا التشبيهُ لا يُدرَكُ بالحواسِّ الخمسِ الظاهرةِ،والمعني دلالة على الكراهيَةِ وقبحِ المنظرِ؛ وقولِه: (مَا هَذا بَشَرًا إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ) (يوسف: 31) ولم ير أحد الملك من قبل، بيد أن المعنى دلالة على حسن المنظر،وفى السنة النبوية قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) : قال الله تعالى: «أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر»، وهذا هو قمة الخيال، فلا تعارض بين الخيال والدين، فكل المخترعات كانت مجرد خيال قبل أن تصبح حقيقة. بعض أنصاف المثقفين لا يسمعون إلا أنفسهم، ويغارون من أى دين يصرف الناس عنهم، ويتصورون وهمًا أن منتجاتهم الأدبية بديل لقرآن الشرق وإنجيل الغرب، فهؤلاء يضعون أنفسهم زورا وبهتانا فى منافسة مع الخالق، ودليل خوائهم أنهم يتحركون كآلات نفخ نحاسية ينفخ بها كل من له سطوة، ليسوق بالمال عبر حناجرهم وأقلامهم تجارة الوهم فى أسواق النخاسة. وفى المقابل ينظر بعض رجال الدين السطحيين إلى المثقفين على أنهم مارقون ومتحللون أو كفار وهذا يجافى الحقيقة، وفى غباء استقطب بعض أنصاف المتدينين شريحة نحو التطرف، ليرتد غباؤهم قذائف تدمر الأمة، لأنهم منحوا الحجة لبعض قوى الشر للتربص بنا. ويستمر الخلاف، ليستقطب كل فريق أتباعه من المغيبين فى صراع أحمق، فى حين أن الثقافة الحقيقية هى خلاصة تجارب البشر التى تحث على الخير وتنفر من الشر ، وهذا جوهر الدين.