يخطئ من يظن أن أية علامة أو مؤشر معاكس لما أنتجته الثورة قد يكون من قبيل المصادفة أو هو قائم لظروف الفترة الانتقالية التي تمر الثورة بها وهي تتحول من أوار الاحتشاد والاعتصامات والغضب الي الرؤية وصنع القرارات ورصد التغيرات. من هنا فإن الكثير من الظواهر والمؤشرات التي حدثت إثر نجاح الثورة إنما تؤكد أن قوة النظام السابق لم تُستنفد بعد، أن رجاله «الطلقاء» الذين أفلتوا برقابهم من المحاكمات مازالوا يحاولون إعادة إنتاج النظام بطريقة «القوة الناعمة» الالتفافية التي يعمدون خلالها إلي التغلغل في مؤسسات الدولة ومراكز صنع القرار ويحاولون إعادة إنتاج النظام مرة أخري. أذكر تصريحا قريباً للكاتب علاء الأسواني، قال فيه (إن واحداً فقط من الموجودين في «طرة» يستطيع أن يمول الثورة المضادة من محبسه بمليار واحد من ملياراته خارج!). وهذا صحيح تماما. والمسألة لا تتوقف علي المليارات الحرة فحسب، بل في الرجال الطلقاء أيضاً الذين عاشوا علي خير النظام السابق. وبعدما ظن الكثيرون أن أحمد شفيق بعدما (أُطيح) بحكومته التي جاء بها وبه حسني مبارك قبل «خلعه» قد تواري عن الأنظار، ولم يخرج من شباب الثورة سوي بسواد الوجه بعدما حاول إهانة شباب 25 يناير قائلاً في أحد الحوارات التليفزيونية (أنا اقترح أن نجعل ميدان التحرير كال«هايد بارك» ونوزع الحلوي و(البونبوني) علي الشباب المعتصمين ليروّجوا إلي بيوتهم) مستهزئا بالشباب وثورتهم.. وحسنا أنه قال ذلك ليصب عليه ميدان التحرير جام غضبه ليطيح به وبحكومته. أقول إن رجلاً كأحمد شفيق، عينه مبارك في الأيام الأخيرة قبل السقوط، وحاول إنقاذ «سيده» بشتي الوسائل قبل أن يلحق به.. ما الذي يجعل رجلاً كهذا، من الواضح تماماً أنه معاد لثورة يناير وأحد الحرس المخلصين للنظام القديم.. ما الذي يجعله يعاود الظهور في المشهد السياسي المصري بهذه الثقة؟ ما الذي يجعله يحضر احتفال تخرج طلبة الكلية الجوية وعلوم الطيران ملاصقاً للمشير طنطاوي - الذي تنتشر أقول كثيرة حالياً من أن شفيق يتقرب له ومن المجلس العسكري برمته - وبجانبه سامي عنان والوزير سيد مشعل؟ هل هذا من قبيل المصادفة؟ أم أنه - كما ساقت بعض الصحف - يحضر بصفته قائدا أسبق للقوات الجوية؟ ولكن هذا (الأسبق) يختص بزمن حسني مبارك الذي عينه، ومن الطبيع وأن يغادر المشهد بعدما غادره مبارك. غير أنني لا أفهم كيف يكون أحمد شفق مرشحا محتملاً لانتخابات رئاسة الجمهورية القادمة؟ ما المتوقع منه وهو الذي سخر من الثورة وشبابها علي الهواء في البرنامج الذي جمعه مع علاء الأسواني؟ ماذا سيقدم لمصر الثورة رجل بذل أقصي جهده للحفاظ علي النظام السابق من السقوط وحاول منع نجاح الثورة بشتي السُبل؟ أحسب أن هذه أسئلة مشروعة كلها، أتساءل عن إجاباتها كمصري لا يري مستقبل بلده منفصلاً عن 25 يناير وما قدمته بغض النظر عن المرشحين للرئاسة واتجاهاتهم الحزبية أو استقلاليتهم. وقد أدهشني ما كتبته الزميلة فريدة الشوباشي منذ أيام من أن منتقدي أحمد شفيق خائفون ؟؟؟؟؟؟؟ التحرير.. فعن أي شعبية تتحدث السيدة شوباشي؟ إن الفريق أحمد شفيق وصلت شركة مصر للطيران علي يديه إلي تاسع أسوأ شركة طيران في العالم وفق تقرير مجلة بزنس إنسايدر الأمريكية، الذي رصد أداء شركات الطيران العالمية- والعهدة في المعلومة علي تقرير المجلة، وقد أصدر الجهاز المركزي للمحاسبات منذ شهور تقارير تفيد بمدي الخسائر التي لحقت بمصر للطيران في عهده ونشرت الصحف التقرير الذي أكد إهدار مئات الملايين من الميزانية المصرية في قطاع حيوي ونشط. وهذه شركة قادها.. فما بالكم بوطن! إن عودة أحمد شفيق وظهوره في بروتوكولات الدولة ما بعد الثورة، ليس منفصلاً عن غياب النتائج الذي استشعره الشعب من أهداف الثورة، وليس منفصلاً عن بطء المحاكمات ولا عما صار جلياً للناس من وجود ثورة مضادة تتحرك في مصر تهدف إلي إعادة إنتاج النظام. [email protected]