الأمان والأمل هما روح المجتمعات، ومحرك الشعوب، والدافع للتنمية والنهوض، واقتحام الصعاب، هما الحافز الأساسى للعمل، ولبذل الجهد وتحمل الصعاب، وبدونهما تخمد حركة الإنسان، ويركد المجتمع، وتتباطأ، أو تتوقف الحياة، الشعور بالأمان فى الحاضر، والأمل فى المستقبل، مثل الماء والهواء للمجتمع، ضرورات لا يتحقق الوجود بغيرهما، لذلك تحرص الدول والمجتمعات على ضمان تحقيقهما، وتسن من التشريعات والقوانين ما يحافظ على الأمان والأمل، فلا اقتصاد دون استقرار الإحساس بالأمان، ولا تقدم دون نور الأمل، وإذا فُقِد أحدهما، أو كلاهما، ينهار الاقتصاد، وتخمد طاقة الحياة فى المجتمع، وتفشل الدولة. منذ ربع قرن ذهبت إلى الولاياتالمتحدة فى بعثة دراسية، حينها سمعت كلمة «Fearmonger» ولم أفهم معناها، وسألت من يعلمني، فحاول الشرح، ولم يستطع أن يأخذنى إلى عمق الكلمة، ودلالتها الحقيقية، ونظرا لاهتمامي المبكر بالمفاهيم، والألفاظ، وعشقى للغة؛ لم يشبعنى المعنى السطحى الذى سمعته، وجادلت كثيراً إلى ان ضرب لى من يحاورنى مثالا واقعيا لمن يطلق عليهم هذا اللفظ، وهنا عرفت المعنى الحقيقى للكلمة، وهو «بياعين الخوف» ليس فى محلاتهم، أو أسواقهم، أى أولئك الباعة الجائلون؛ الذين يطوفون الشوارع والحارات ينادون على بضاعتهم بكلمات منمقة، أو أهازيج وأشعار، ومواويل وأغان ترغِّب المشترى فى البضاعة، وتدفعه للشراء حتى وإن كان لا يريد، أو لا يحتاج. بياعين الخوف يملأون فضاء مصر، يطلون على أهلها من جميع النوافذ، يخرجون من جميع القنوات، ينادون طوال الليل والنهار على بضاعتهم بحرفية واقتدار، شطار جداً فى فنون التسويق، والإعلان والبيع، لو كانت بضاعتهم غير هذه البضاعة لكانت مصر أقوى من الصين واليابان، لهم حيل السحرة والبهلوانات ومكرهم، يشدونك إلى بضاعتهم سواء بالترغيب، أو بالاستفزاز، المهم سوف تشترى منهم فى النهاية، ولا تغادرهم دون أن تفعل، يبيعون كل أنواع ومستويات الخوف، يحولون أية مشكلة صغيرة وعابرة إلى أزمة عميقة وعامة وطاحنة، المهم انهم يجدون ما يبيعونه كل يوم، تجدهم يهللون ويفرحون فى المصائب، هم مثل الحانوتية الذين تبهجهم أخبار الموت لأنها مصدر رزقهم، وبياعين الخوف كذلك يفرحون بالأزمات والمصائب، والمشاكل لأنها مصدر وجودهم، فمعها تسخن الحلقة، وتزداد الإعلانات، ويرتفع دخل القناة الفضائية، ومن ثم يرتفع وزن البياع أو المذيع. هذه لحظة تحتاج فيها مصر إلى الأمل، والطمأنينة بعد ثلاث سنوات من التوترات السياسية، وما صاحبها من افتقاد الأمن، والاستقرار الاقتصادى والاجتماعي، فى هذه اللحظة الإنسان المصرى متعطش إلى بارقة أمل بأن غداً أفضل من اليوم، وأن الأزمات التى مرت عليه فى طريقها إلى الانتهاء، وأن مشاكل اليوم سوف تنتهى فى الغد، وأن بكره أحلى من النهاردة، ومش مهم بكره ييجي، المهم أن يكون هناك أمل يحقق السعادة، وينزع الهم من القلب، وكفاه غما على ما فات، فلا ينبغى أن يجتمع معه همٌ بما هو آت، المصرى بسيط، يجذبه الأمل فى المستقبل؛ رغم صعوبة الواقع، أليس هو الذى كان يضع كل مدخراته، وأفضل ما لديه فى قبره، انتظارا للحياة الأخرى، وعودة الروح إلى الجسد المحنط فى عالم الخلود؟ وأليس هو الذى يترك الآن كل ما جمع فى حياته لأولاده، وهم خلوده، وحياته الأخرى؟ المصرى متعلق بطبيعته منذ الفراعنة بالمستقبل، يسعد فى لحظته الحاضرة، إذا كان المستقبل مشرقاً فى عينه، وتصبح الحياة سوداء حالكة إذا فقد الأمل فى بكره، بغض النظر عن واقعه. هذا المصرى البسيط تسلط عليه جهاز إعلامى مكون من مجموعة من الفضائيات الخاصة، والصحف الخاصة، لا هم لهم إلا تنكيد حياته، وإغراقه بكل ما هو متاح من المشاكل والهموم، وتضخيم تلك المشاكل، والنفخ فيها حتى تصير جبلاً لا أمل فى زحزحته، وما أن تظهر أزمة، ولو طارئة، إلا ويجعل منها إعلام البوم والغربان كارثة أكثر بشاعة من زلزال مدمر، أو طاعون مهلك، رغم أن الأمر ليس كذلك، وإذا لم تكن هناك مشاكل تكفى لملء مساحة البرامج الحوارية، ونشرات الأخبار، فتشوا فى الحوادث، والجنايات، وبحثوا على أكثرها بشاعة، ونشروه، أو بحثوا عن مواطن الخلل فى الدولة وجهازها الحكومي، والإداري، وتتبعوه، المهم أن يغرقوا المصرى البسيط فى حالة سوداوية، تزيد واقعه البائس المرير بشاعة، وهم أى الإعلاميون أو بياعين الخوف يعيشون فى رغد من العيش تتدفق عليهم الملايين من مجرد الحديث فى أوجاع الناس دون تقديم حلول لها، ومن خداع الناس بالإعلانات الاستهلاكية التى تسرق كل ما فى جيوبهم لتمويل الفضائيات وتضخيم ثروات البياعين.