تعد الثقافة الجماهيرية هى خط الدفاع الأول لمحاربة الإرهاب، واحتواء الشباب وتفريغ طاقاتهم، واستغلالها لتقديم أعمال فنية، وعندما قام الدكتور ثروت عكاشة ببناء قصور الثقافة فى المحافظات كان يهدف إلى تعويض أبناء الأقاليم عما يفتقدونه من مسارح وسينما موجودة بالعاصمة، ولتكون فناراً يضىء عقول الشباب. ولكن فى السنوات الأخيرة فقدت هذه القصور دورها، وواجه شباب المسرح العديد من المشاكل منعتهم عن تقديم أبسط حقوقهم، وهى تقديم عرض مسرحى عن هذه المشاكل، تحدثنا مع مخرجى وفنانى الأقاليم لنتعرف على مشاكلهم وطريقة حلها. المخرج جمال ياقوت، أحد كبار مخرجى الإسكندرية، قال: بالرغم من وجود بعض الجهود الفردية فى قصور ثقافة الأقاليم، إلا أن لغة التخبط هى السائدة بين القائمين على هذا المسرح ومنها: أن مدير قصر الثقافة هو من يحدد مخرجى العروض وغالباً ما تكون بالدور وهو أمر لا يجوز فى الإبداع، وقد تتدخل عوامل أخرى فى الاختيار وهى على سبيل المثال أن يكون المخرج الأكثر قرباً عند السيد المدير، أو مخرجاً ذا سلطان عند المسئولين، أو مخرجاً مثيراً للمشاكل فيعمل حتى يتلاشوا مشاكله، بالرغم من أنه من المفترض أن المخرج هو المايسترو الذى يقود فريق العمل، وخبراته تنعكس بشكل مباشر على الصورة النهائية للعرض المسرحى، وكذلك يعد الممثل أهم الأدوات التى تبرز الرؤية الإخراجية وتؤثر بشكل مباشر فى عملية التواصل الجماهيرى مع العرض، والواقع أن هناك الكثير من المخرجين والممثلين الذين لا يمتلكون الحد الأدنى من الأدوات التى يحتاجونها، ولا يهتمون بمحاولة خلق هذه الأدوات، أو تنميتها إن وجدت، ويرجع ذلك إلى التعالى على فكرة التدريب وعدم الاهتمام بحضور الورش التدريبية التى تساهم فى تنمية المهارات الإبداعية. وأضاف: يمكننا أن نلمس ذلك حتى فى نوادى المسرح، فالشاب الذى يمثل مرة واحدة يصبح مخرجاً فى المرة الثانية، وأغلبهم يقومون بالتأليف والتمثيل والإخراج فى العرض الواحد دون امتلاك الأدوات التى تمكنهم من ذلك، والطامة الكبرى تقع إذا فاز أحدهم بجائزة، وإذا أعلنت عن ورشة تدريبية يرون أنفسهم أكبر من الخضوع لبرنامج يطور مهاراتهم، وأخيراً يصبحون مدربين يقودون شباباً آخرين كى يمنحونهم الخبرة التى لا يمتلكونها. كما لا يقومون بالاطلاع على تجارب الآخرين لاكتساب خبرة المشاهدة والتعلم بالاحتكاك المباشر، والاهتمام بالنواحى الإجرائية دون الاهتمام بالتفاصيل الفنية التى تحقق الصدق الفنى، وعدم الاهتمام بعنصرى الجودة وانضباط العرض، وهو أمر يتطلب الكثير من المعارف والخبرات التى لا تأتى إلا ببذل الوقت والجهد، والاهتمام بصورية الإنتاج أكثر من الاهتمام بمحتوى العمل المسرحى، فالمهم هو ترتيب الأوراق، وعمل التسويات المالية المطلوبة دون الاهتمام بجودة المحتوى الفنى والتركيز على تحقيق مكاسب مادية من العروض التى لا تكفيها الميزانيات المرصودة أصلاً وهو ما يتم بالتواطؤ مع الإداريين المسئولين عن التسويات المالية، مما يؤدى فى النهاية إلى إنتاج عروض ضعيفة مهترئة. وأضاف: البعض يحمل مشاعر عدائية تجاه الأكاديميين ويعتقدون أن مسرح الثقافة الجماهيرية هو مسرح هواة لا يحق للمحترف العمل فيه، فى حين أن عمل المحترفين يحقق نوعاً من الاحتكاك وتبادل الخبرات يفيد غير المحترفين، وهذا التعسف فى التفكير يهدم مبدأ مهماً، هو أن الثقافة الجماهيرية هى مكان يخدم الجميع دون تفرقة. إلى جانب افتقار المواقع الثقافية للكثير من التخصصات مثل السينوغرافيا، والموسيقى والدراما الحركية، بسبب عزوف بعض الموهوبين عن التعامل مع الثقافة الجماهيرية لتفشى البيروقراطية ووقوف الكثير من النظم واللوائح فى سبيل الاستفادة من طاقات هؤلاء الفنانين، وكذلك للضوابط التى تقرها الإدارة العامة للمسرح والتى تمنع قيام الفنان بأكثر من عمل داخل الموقع الثقافى الواحد. وأشار إلى أن مسرح الثقافة الجماهيرية هو مسرح يهتم بجميع فئات الناس وممارسة المسرح حق مكفول للجميع، ولكن الأمر يحتاج لقيام الإدارة بدورها فى سبيل تنمية مهارات المتعاملين معها من خلال برامج التدريب والتثقيف، كما أن هذا المخرج أيضاً مطالب بالتحمس لهذه البرامج والسعى لتنمية معارفه بطرق أخرى بديلة أهمها الاطلاع على تجارب الآخرين ومحاولة فهم أفضل السبل لصناعة عرض مسرحى جيد شكلاً ومضموناً. الكاتب ناصر العزبى من دمياط قال: أول مشكلة تواجه الأقاليم هى «تأخر سلف الإنتاج»، وهذا أمر يرتبط بالوحدات الحسابية أو بتأخر وصول الميزانيات لها، والغريب أن ذلك يتكرر كل عام ويعد من أهم المشاكل ويتسبب فى تأخر العروض ومن ثم الانتهاء من العروض فى مواعيد الامتحانات وتأخر مواعيد المهرجانات، وبالطبع يترتب على ذلك سلبيات كثيرة. أما المشاكل الأساسية التى يعانى منها مسرح الثقافة الجماهيرية فهى ترجع إلى خلل فى تنظيم العمل داخل الإدارة ولطالما طالبنا بإعادة هيكلتها؛ حيث تعانى إدارة الفرق من غياب الفلسفة لكل منها، فلا فارق بين فرق البيوت وفرق القصور وفرق القوميات سوى من حيث المخصصات المالية، وهذا أمر شديد الخطورة، أيضاً نوادى المسرح، الأوضح من حيث وجدو الفلسفة، فى حاجة إلى تجديد فى الأفكار وتطوير للمشروع، ومن المشاكل أيضاً «إلزام المخرجين بنصوص قديمة» وذلك حتى لا يتم التعاقد على نصوص جديدة بما قد يترتب عليه زيادة النصوص الأجنبية على حساب المؤلف المصرى، وقد علمت أن الإدارة هذا العام تنوى فتح تعاقدات لنصوص جديدة. وقال الممثل والمخرج أسامة محمود من بنى سويف: نحن نواجه العديد من المشاكل فى إنتاج العرض، بالرغم من أننا نحتاج إليه الآن أكثر من أى وقت مضى، إلا أنه بعد محرقة بنى سويف لم يعد هناك مسرح فى مصر كلها، فأنا من أبناء بنى سويف ولدينا مشكلة فى الإنتاج والدعاية والبيروقراطية فى خروج العمل، فإذا تعاملنا كفرق حرة لا يوجد من ينتج لنا وإذا تغلبنا على عملية الإنتاج لا نجد دور عرض، وعندما أنتج العمل الخاص بى وأعرضه فى قصر الثقافة أمنع من فتح شباك تذاكر فلا أسترجع الأموال التى دفعتها، أما فى حالة إنتاج قصر الثقافة للعمل المسرحى فيتم تخصيص مبلغ 40 ألف جنيه للعرض وهذا مبلغ جيد لكنه يتم توزيعه كالآتى، 8 آلاف جنيه لمخرج الثقافة الجماهيرية، و5 آلاف لمهندس الديكور، و4 آلاف موسيقى و7 خامات ديكور، والممثلون الشباب لا يحصلون إلا على 300 جنيه بعد عملهم لأكثر من 3 شهور، ولا يحصل على مبالغ جيدة إلا المعينين بالهيئة، وبذلك تكون عروض الثقافة الجماهيرية فى الأقاليم للكبار فقط. وأضاف: لا نستطيع تقديم عروض من تأليفنا، بل يجب أن يكون النص لكاتب معروف وحاصل على موافقة الرقابة، وقبول لجنة التحكيم، وأنا كمخرج هاوٍ لا أستطيع إخراج عمل فى الثقافة الجماهيرية لأنى غير معتمد، ويسمح لى فقط بالتقديم فى نوادى المسرح التى ميزانيتها 1000 جنيه. بينما قال المؤلف والمخرج شاذلى فرح، مدير نوادى المسرح: المشاكل لدينا تنقسم لعدة أجزاء الأول مسئول عنه مخرج العمل والثانى الإداريون، والشق الثالث هم الفرق نفسها، فنجد المخرجين يقدمون نفس العروض المسرحية المعروفة ولا يقومون بتقديم الجديد، وإذا وجد أحد أصدقائه قدم عملاً ناجحاً يقوم بإعادته كما هو، بالرغم من وجود مواهب كثيرة داخل قصور الثقافة بالمحافظات، بجانب انفصال المخرج عن الواقع، حيث تجد مخرج الثقافة الجماهيرية آخر عمل يقوم به هو الإخراج، كما تجد أنهم لا يقومون بتطوير أنفسهم ولا يشاهدون عروض مسرحية خارج قصر الثقافة التابع لهم. ثانياً: الإداريون معزولون عن الفنانين، فكثير من المرات أقوم بتقديم عمل داخل قصور الثقافة دون رؤية المدير، كما أنه يوجد تعمد من الدولة على ذبح فنانى الثقافة الجماهيرية، فلا يوجد داخل المحافظات معهد للفنون المسرحية أو قسم مسرح بكليات الآداب، والأكاديمية فى القاهرة لا تقبل إلا 12 شخصاً كل عام، كما تجد المهرجان القومى للمسرح يتجاهل فنانى الثقافة الجماهيرية، ولا يكرم اسماً واحداً منهم.