عرضت فكرتها على زوجها ثم تناقشا فيها فتجادلا ثم علا صوتهما، وكانت الحجة أمام الحجة والمنطق أمام المنطق.. ثم طال الجدال.. فكان لابد من حسم.. فاتخذ الزوج قرارا ديكتاتوريا رقم (1) للسنة الزوجية الأولى، يفيد بحقه في حسم الموقف بصفته "رجل البيت". ردت الزوجة بأنها لن تتنازل عن رأيها ولو انطبقت السماء على الأرض فقال دون تردد"إذن فلتنطبق أفضل".. انتهى الموضوع.. وخرج الزوج منفعلا.. وظلت الزوجة في المنزل تضرب كفا بكف.. مرة تأخذها العزة وتقرر أنها ستترك المنزل.. ومرة تقول: أفضل أن أنتظره وأفاتحه في الموضوع بعد أن يهدأ.. لعل وعسى.. ثم يأتيها الرد من داخلها: كيف له أن يتخذ قرارا بهذا الشكل دون موافقتي ألست شريكته.. ألست من تعبت معه حتى وقف على رجليه واستطعنا أن نتزوج.. هل أنا أقل منه شأنا.. سأطلب الطلاق مقابل أن يفعل لي ما أريد.. وهنا يعلو صوت العقل فتقول في نفسها: الموضوع مش مستاهل الطلاق.. ثم تستطرد في سرها: لا إله إلا الله.. لو ماكنش بس بيصمم على رأيه بالشكل ده! بيوت ديكتاتورية كثيرة هي الأمور الخلافية بين الأزواج.. ولأن العلاقة بينهما تملأها تفاصيل وأطفال وحياة، فلابد إذن من وجود مساحة للخلاف والاختلاف ناتجة عن أي القرارات ستتخذ بخصوص هذا الموضوع أو ذاك. ولأننا كشعب عربي ومصري بالأخص لم نكن نمارس الحياة الديمقراطية في الحياة السياسية أو الاجتماعية بشكل عام.. فمن غير المتوقع أن نستطيع انتهاجها –أي الديمقراطية- في بيوتنا الصغيرة. فأحيانا كثيرة يستأثر الزوج بإصدار القرارات النهائية بشكل متنعت وديكتاتوري.. وتقف الزوجة عاجزة لا تدري ماذا تفعل.. ومعه تشعر بالقهر الزوجي الذي يؤثر بدوره على علاقتها بزوجها وأداء أدوارها بشكل عام.. فهي تشعر أنها إنسان من الدرجة الثانية.. عندها.. كيف تتصرف الزوجة في مثل تلك المواقف الصعبة..؟ تقول "سماح" معيدة في الجامعة: تزوجت قبل التخرج بسنة واحدة وكنت متميزة ومتوقع أن يتم تعييني معيدة بالجامعة، وبعد الزواج قال لي زوجي من الممكن أن تعملي، ولكنه ليس مسموحا لك عمل دراسات عليا، فأين سيكون الأولاد والمنزل في جدول أعمالك.. وبالطبع تضايقت جدا، فما كان مني إلا أن تركت البيت وذهبت لأبي الذي اشترط قبوله استكمال دراستي مقابل عودتي معه إلى بيتنا.. أعلم أن تدخل الأهل في حل الخلافات الزوجية ليس محبذا ولكنني حاولت معه بكل الطرق وفشلت في النهاية. أما "هند" فتقول: كنت أحلم عندما يرزقني الله بطفلة جميلة أن أسميها "نور"، وأعلمت زوجي برغبتي تلك منذ البداية.. ولكن عندما أنجبت بنتا بالفعل صمم أن يسميها على اسم والدته، بالرغم من كونه اسما قديما جدا.. وقد ترك هذا الموقف فجوة بيني وبين زوجي لم أتخلص منها إلا بمرور كثير من الوقت. لأنه كان قد وعدني أنه سيلبي رغبتي وسيسمي البنت كما تمنيت دائما.. ولم يفعل!! بدورها تقول "حكمت": اختيار مدارس الأولاد كان المعضلة التي واجهتني أنا وزوجي.. فأنا مقتنعة أنه لابد من إدخال الأولاد مدرسة ممتازة حتى لو تكلف الأمر أن نعمل جاهدين وبضعف طاقتنا حتى يتم تعليمهم بشكل يضمن لهم مستقبلهم، فتعليم الأولاد يعد استثمارا جيدا هذه الأيام، ولكن لم يتفق زوجي معي فهو يفضل بل يصمم أن نعلم أولادنا مثلما تعلمنا نحن في مدارس عادية.. و"الفالح فالح من يومه" كما يقول دائما.. ولأنني كنت مقتنعة برأيي بشدة مقابل اقتناعه برأيه بشدة فقد واجهنا كثيرا من النقاش والجدل بل والتهديد أيضا .. وفي النهاية صمم زوجي وقال لي: لن نفعل إلا كما أريد أنا وبالفعل هذا ما تم.. وهذا ما أحبطني وأذلني بشدة. مشكلة في الاختيار في تعليقها على هذا الموضوع تقول د.نعمت عوض الله المستشارة الاجتماعية: مبدئيا، لو حدث وكان الزوج من أصحاب القرارات الديكتاتورية والخطوط الحمراء والبرتقالية فهذه مشكلة في اختيار الشخص. ثم أن هناك مواقف يجب الاتفاق عليها بداية "قبل الزواج" أصلا مثل عمل الزوجة وأين تضع مرتبها، هل ستكمل الزوجة دراستها أم لا؟ هل تود إكمال دراستها العليا أم لا؟ هل ستعمل في هذا المجال أم لا؟ هل سترتدي النقاب أم لا (لأن بعض الرجال يتعنتون بعد الزواج مثلا أن ترتدي زوجاتهم ملابس معينة). وتستطرد عوض الله قائلة: أما باقي الأمور فهي تخضع للتفاهم والمناقشة والحوار، مثلا الاتفاق على أن يقوم هو بتسمية الذكور وتسمى هي الإناث ( ولو أن التسمية حق للأب وعلى كل زوجة أن تعرف ذلك وأن اشتراكها من قبيل لطفه). لكن ماذا لو صمم الزوج على اسم لا تستطيع هي تقبله؟ لن يكون أمام الزوجة سوى فكرة من اثنين إما أن تتقبل الاسم وأمرها لله وهي كلها أسماء والسلام، وإما أن تحايله بلطف من باب (من فضلك -وعلشان خاطرى) وليس من قبيل.. (أنا اللى تعبت في الحمل- وأنا اللى تعبت في الولادة) هذا الأسلوب لن ينتج عنه إلا مزيد من العناد. رؤية الزوج أعمق ومن ناحيته يقول محمد جمال عرفة، المستشار الاجتماعي، مبدئيا لا يجب أن تتصور الزوجة أنها على حق وزوجها على خطأ والأمر ذاته ينطبق على الزوج، وقد يكون لدى الزوج رؤية أعمق يتخذ على أساسها القرار بعكس الزوجة التي تتميز بالعاطفية أكثر فيكون قرارها وليد العاطفة فقط لا التفكير العقلاني المستقبلي. والأمر يتوقف على عدة نقاط أبرزها طبيعة الزوج وعلاقتها العاطفية به، فقد يكون ذي طبيعة وتربية لا تسمح للزوجة بالنقاش وبالتالي يرفض لمجرد الرفض لأن البيئة التي تربي فيها تعتبره (سي السيد) صاحب القرار وخلاف هذا يعتبره عيبا، وقد يكون هو على حق ويعتبر مخالفتها له وإصرارها على رأيها نوعا من المبالغة في تقدير حجم الخلاف. الأمر الآخر والأهم والذي أعتبره هو مفتاح حل الخلافات والوصول لحل وسط سواء كانت طبيعة وبيئة الرجل مختلفة عن الزوجة أم لا ؟ فهو يتعلق بقدرة الزوجة العاطفية والأنثوية على تليين رأس الرجل. ويضيف: مهم جدا اختيار التوقيت المناسب، فبعض الرجال قد يكونون مستعدين للمناقشة في أمر ما، ولكن اختيار الزوجة التوقيت السيئ للمناقشة مثل عودته مرهقا من عمله أو توتره لأمر ما يشغله، كل هذا يكون عاملا في رفضه المناقشة أصلا بسبب التوتر وعدم ملائمة الوقت. ويري عرفة أنه من الضروري والأفضل في حالة الخلافات حول أمور جوهرية لا فرعية الخروج في أي مكان عام مناسب للمناقشة في أجواء هادئة وبدون أن تحتد الزوجة أو ترفع صوتها أو تصر على موقفها، وإنما تطرح عليه البدائل وتحاول جذبه لما تفضله ويكون مناسبا للمشكلة. ويختم أن الأفضل للزوجة أن ترتضي قرار الزوج ولا تبدي غضبها أو معاقبتها له، وإنما تتقبل القرار بهدوء وتعتبرها جولة خاسرة من الممكن أن تعاود المناقشة في غيرها في وقت لاحق.