رئيس قطاع التعليم: 40 ألف طالب سجلوا لاختبارات القدرات حتى مساء أمس    1810 فرصة عمل ب11 محافظة - التخصصات وخطوات التقديم    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية اليوم الجمعة الموافق 18 يوليو 2025    استقرار أسعار النفط الجمعة..وخام برنت يسجل 69.48 دولار للبرميل    ننشر سعر اليورو اليوم الجمعة 18 يوليو 2025 بالبنك المركزى المصرى    محافظ أسيوط يتفقد الموقع المقترح لإنشاء مشروع تنموي متكامل بمدينة أبوتيج    وزيرة البيئة من نيروبي: أفريقيا قادرة على ريادة التنمية المستدامة بالتكامل والالتزام متعدد الأطراف    في صفقة تبادلية.. زيلينسكي يعرض على ترامب سلاحا أوكرانيا    سوريا.. العشائر العربية تعلن النفير العام نحو السويداء    لا عودة للطاولة دون احترام الخطوط الحمراء.. إيران تشترط اتفاقا عادلا لأي جولة مفاوضات نووية    مانديلا العرب ينال حريته.. فرنسا تفرج عن جورج عبد الله.. اعرف قصته    أمريكا تقر مشروع قانون لاسترداد 9 مليارات دولار من المساعدات الخارجية والبث الإذاعي والتلفزيوني العام    الدفاع الروسية: إسقاط 73 طائرة مسيرة أوكرانية غربي البلاد    الهند: مدرسة بنيودلهى تتلقى تهديدا إلكترونيا بوجود قنبلة    بعثة الأهلي تُغادر إلى تونس لبدء معسكر الإعداد للموسم الجديد    اتحاد الكرة يُعلن إقامة عزاء لميمي عبد الرازق في القاهرة    الأهلي يغادر القاهرة لبدء معسكر تونس    سموحة يواصل استعداداته للموسم الجديد ويسابق الزمن لحسم الصفقات المطلوبة ب «الميركاتو الصيفي»    إصابة 21 شخصًا بينهم أطفال في انقلاب ميكروباص بالإسماعيلية    محافظ القليوبية يتابع انهيار كوبري مشاة بطوخ ويشرف على إعادة فتح الطريق الزراعي    تعرف على الطرق البديلة للأوتوستراد بعد غلقه لإصلاح هبوط أرضى    عبر من مكان غير شرعي.. تفاصيل مصرع فلاح وحماره صدمهما قطار بالبدرشين    ضبط شخص لإدارة كيان تعليمي بدون ترخيص بالقاهرة    «أمن المنافذ» يضبط قضيتي تهريب ويحرر 2460 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    ب5 ملايين جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية لمافيا الاتجار بالدولار في المحافظات    أغانى ينتظرها جمهور مهرجان العلمين الجديدة من أنغام بحفل افتتاحه اليوم    مشيرة إسماعيل ترد على انتقادات عدم الرفق بالحيوان    ابنة علي الحجار: قررت عدم دخول المجال الفني.. ووالدتي جعلتني أرى والدي ك«ملاك»    سما إبراهيم تعلن وفاة خالها: "كان بطلا في حرب أكتوبر"    بإطلالة جريئة.. ميرنا جميل تستمتع بإجازة الصيف وسط البحر (صور وفيديو)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 18-7-2025 في محافظة قنا    خلال تفقده ل«مستشفيات مطروح».. نائب وزير الصحة يوصى بإعادة تدريب الفريق الطبي على مكافحة العدوى    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 18 يوليو 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فشكراً أشرف!?    عقوبات مشددة لجرائم هتك العرض وخطف الأطفال وإفساد الأخلاق.. تعرف عليها    «موعد صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم 18 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    مدين يتعاون مع رامي صبري في ألبومه الجديد بأغنيتين مميزتين    توقعات الأبراج وحظك اليوم الجمعة 18 يوليو 2025.. مكاسب مالية ل«الثور» وتقدم مهني لهذا البرج    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة 18-7-2025    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 18 يوليو    موعد إعلان نتيجة الثانوية العامة 2025 برقم الجلوس عبر الموقع الرسمي للوزارة    الأهلي بين جنة إيفونا ونار أزارو وتمرد وسام أبو علي.. ما القصة؟    الهاني سليمان: الأهلي لا تضمنه حتى تدخل غرف الملابس.. والزمالك أحيانا يرمي "الفوطة"    مندوب السعودية لدى مجلس الأمن: نرفض التدخلات بسوريا ونطالب بوقف الاعتداءات الإسرائيلية فورًا    بالتفاصيل.. نقل رزان مغربي للمستشفى بعد سقوط سقف فندق عليها    عصام سالم: ميركاتو الزمالك واقعي بعيد عن الصفقات الكيدية    أبرزها حبس رجال الأعمال.. وزير العمل يوضح كيف اعترض النواب على قانون العمل الجديد    هل تعد المرأة زانية إذا خلعت زوجها؟ د. سعد الهلالي يحسم الجدل    حدث منتصف الليل| مظهر شاهين يرد على تصريح "يمامة" المثير.. وتحذير من طقس الساعات المقبلة    عم الأطفال الخمسة المتوفين بالمنيا: الطفل يكون طبيعيا 100%.. ويموت خلال ساعة من ظهور الأعراض    متحدث الصحة: لا أمرض معدية أو فيروسات وبائية في واقعة "أطفال المنيا"    «حزب الوفد مذكور في القرآن».. مظهر شاهين يهاجم يمامة: كتاب الله ليس وسيلة للدعاية    بمشاركة 9 جامعات.. غدا انطلاق فاعليات ملتقى إبداع السادس لكليات التربية النوعية ببنها    «لمصلحة الفريق».. الهاني سليمان يرد على هجوم البعض بسبب تضيعه للوقت    رسميا.. عدد أيام إجازة ثورة 23 يوليو 2025 بعد ترحيلها من مجلس الوزراء (تفاصيل)    رئيس جامعة المنيا في جولة مفاجئة بمستشفى القلب والصدر    100% نسبة تنفيذ.. قوافل دمياط العلاجية تقدم خدماتها ل 41 ألف مواطن في 2025    خالد الجندي: تقديم العقل على النص الشرعي يؤدي للهلاك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يزيد صايغ يكتب: المنطقة العربية عند نقطة تحوّل
نشر في الوفد يوم 22 - 08 - 2014

منذ عام واحد بالضبط، قُتل مئات المدنيين العزّل في هجوم بالأسلحة الكيماوية على ضواحي دمشق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة السورية. للحظة، كان من المحتمل وضع النزاع المسلّح السوري على مسار جديد.
فمن جهة، كان بمقدور ضربة عقابية أميركية أن تدفع إلى انشقاقات كبيرة داخل جيش الرئيس بشار الأسد، كان يمكن أن تؤدّي إلى سقوط نظامه. وبالأهمية ذاتها، كان سيؤدّي ذلك أيضاً إلى وقف التراجع في وضع الثورة المسلّحة وتغيير ميزانها الداخلي، ليستبق الصعود الحاسم لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). من جهة أخرى، أدّى الاتفاق حول إزالة الترسانة الكيماوية السورية، الذي نتج من الوساطة الروسية، إلى فتح المجال واسعاً أمام جهدٍ ديبلوماسي أميركي-روسي مشترك ناشط وفعّال لإنهاء الحرب الأهلية الدامية. وكان النجاح في سورية سيشكل قاعدة صلبة للجهود المشتركة القوية الأخرى في أنحاء أخرى من المنطقة، بما فيها العراق.
غير أنّ العالم قد تغيّر منذ ذلك الوقت. فباتت سورية بلا إطار ديبلوماسي للمفاوضات بعد انهيار محادثات جنيف 2 في شباط (فبراير) الماضي، وتواجه ما يبدو أنه نزاع مسلّح بلا نهاية. ويزيد من تعقيد الأمر الصعود المتفجّر لتنظيم «داعش»، الذي يهدّد بقاء العراق كدولة موحّدة والحكم الذاتي لإقليم كردستان على حدٍّ سواء. كما أنه مدّ ساحة المعركة إلى لبنان مؤخّراً، ولو موقّتاً. ولكن الأهمّ من ذلك هو التدهور الحاد في علاقات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع روسيا إثر الأزمة الأوكرانية، ما يغلق الباب أمام التعاون الديبلوماسي في الشرق الأوسط. ومن شأن القطيعة، إن طالت، أن تحوّل الموارد السياسية والمالية الاستراتيجية عن المنطقة، وهي بحاجة ماسّة إليها.
إلا أنّ مخاطر وتحدّيات أخرى تلوح في الأفق أيضاً. فليبيا تقترب من الحرب الأهلية، وتواجه خطر التقسيم الذي يهدّد أيضاً العراق وسورية واليمن. وفي موازاة ذلك، يشجّع إعلان «الخلافة الإسلامية» من قبل «الدولة الإسلامية في العراق» الجهاديين في بلدان أخرى على التهيّؤ لإطلاق إماراتهم الإسلامية أسوة بالعراق. أمّا مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، فلا تواجه خطر الحرب الأهلية أو التقسيم، ولكنها تسير على درب الكارثة الاجتماعية. فقد ساهم المزيج من المعونات السخيّة من بعض دول الخليج ومن المعدّلات المرتفعة للقمع الداخلي، في تأجيل الكارثة موقّتاً، ولكنّه غير كافٍ لمعالجة مشكلات مصر الاقتصادية الأساسية وتوعّكها السياسي العميق. إذا وقع الانفجار الاجتماعي، فسيكون مكلفاً للغاية وربّما يعصى على الاحتواء.
ليس جميع البلدان العربية في خطر. ولكن مُجتمعة، تجد المنطقة العربية نفسها عند حلول حقبة تاريخية تشبه ربع القرن المليء بالتقلّبات والصراعات الذي أعقب نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي تولّت خلاله الدول العربية الحديثة الاستقلال السيطرةَ المباشرة على سكّانها وأرضها ومواردها الطبيعية وآليّات الحكم، وتعلّمت كيف تدير سياساتها الخارجية والدفاع الوطني. فالآن، كما في ذلك الحين، ثمة تحدّيات تواجه شرعية الحدود وبنى السلطة، واصطفافات إقليمية متبدّلة، وتهديدات متبادلة عبر الحدود، واضطرابات سياسية تعكس التحوّلات الاجتماعية-الاقتصادية الطويلة الأجل.
في عقد الخمسينات، أدّت هذه الديناميكيات إلى نشوب «الحرب الباردة العربية»، التي لم تنتهِ سوى بعد حلّ الحرب الأهلية في اليمن في منتصف عقد الستينات وبعد حرب ال1967 الكارثية مع إسرائيل، واللذين أدّيا إلى المصالحة الباقية بين مصر والمملكة العربية السعودية. وكان دور المؤسسات المتعدّدة الأطراف، وخصوصاً جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، في حلّ النزاعات وإدارة الأزمات ضعيفاً وغير فاعل حينها، وهو كذلك الآن أيضاً. ومرّة أخرى، تجد الدول العظمى المهيمنة سابقاً – بريطانيا وفرنسا في الخمسينات، والولايات المتحدة اليوم – نفسها في حالة انسحاب كامل أو جزئي، ما يخفّف القيود على الفاعلين المحليّين، ويغيّر تقديراتهم للمخاطر والفرص.
لكن التاريخ لا يعيد نفسه. فقد أعقب زوال الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية – الذي انكشف جليّاً في الشرق الأوسط إبّان التدخّل الفاشل في قناة السويس في عام 1956 – تنافُس القوّتين العملاقتين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، الذي أحدث استقطاباً إقليميّاً حادّاً من جهة، ولكن أدّى أيضاً إلى الاستقرار الاستراتيجي من جهة أخرى. لكن الوضع يختلف الآن. فقد مثّل تدخّل حلف «الناتو» في ليبيا في عام 2011 ذروةً، غير أنّ استجابة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لسلسلة أحداث في المنطقة منذ ذلك الوقت جاءت هزيلة إلى درجة اللامبالاة: القتل «المخطط له» للمتظاهرين في مصر في آب (أغسطس) 2013، كما أسمَته منظمة «هيومن رايتس ووتش»، والانفجار الداخلي المتسلسل في ليبيا منذ أيار (مايو) 2014، والقتل والدمار الكبيران اللذان ألحقتهما إسرائيل بالمدنيّين في قطاع غزة في تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، وحتى التقدّم السريع لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» منذ حزيران (يونيو).
كما تختلف الردود العربية على حالة التقلّب والانتقال الجيو-سياسي الحالية عنها في الحقبة السابقة، من نواحٍ حاسمة الأهمية. فالدول الحديثة الاستقلال بعد عام 1945 كانت تعاني من قلّة الخبرة وغير حصينة – حتى أن غالبية بلدان شمال أفريقيا وساحل الخليج، إضافة إلى السودان، لم تنل استقلالها سوى في فترة 1951-1971 – وكانت تنقصها التنمية الإدارية والسياسية. ولكن بات أغلبها الآن نامياً أكثر من المطلوب، متسلّحاً بالأجهزة البيروقراطية والأمنية المضخّمة، وبعقودٍ من الخبرة في مراقبة المواطنين وحماية الحدود والأنظمة الحاكمة – تلك هي الدول «الشرسة»، كما سمّاها عالم السياسة الراحل نزيه أيوبي.
غير أن هذه الخبرة لم تجعل الدول العربية أكثر كفاءة بشكلٍ ملحوظ في توفير الحاجات الأساسية والخدمات والمنافع العامة، ولا في تأمين التكافؤ في ذلك. ولم تجعلها الصلادة أكثر تقبّلاً للتنوّع الديني أو المذهبي أو الإثني أو الجهوي لسكّانها ومواطنيها، ولا أكثر رحمةً على العموم. بل على العكس، فالأرجح أن الدول العربية أقلّ قبولاً الآن، مقارنةً مع سنوات تكوينها الأولى، للضغوط التي تُمارس عليها من أجل إحداث التغيير السياسي، وأقل استعداداً أو قدرةً على إدراج الإصلاحات التي تتيح التحسينات الحيوية في المجال الاقتصادي والتكافؤ الاجتماعي.
بالنسبة إلى غالبية الدول العربية، يجعلها كل ذلك في طريق هابط. فقد أدّى عدم المساواة الاقتصادي وبدائية نظم الرعاية الاجتماعية في حقبة الاستقلال في أغلب البلدان العربية إلى عدم الاستقرار السياسي، ما أدّى في نهاية المطاف إلى تغيير الأنظمة الحاكمة أم إلى محاولات متكرّرة لتغييرها. ولكن لم تكن الهوة بين الأثرياء والفقراء شاسعة كما هي الآن. ولا يقلّ عن ذلك أهمية أن تعداد سكّان الدول العربية آنذاك كان أقلّ، وأكثرهم من قاطني الأرياف، ما أتاح توفير الكفاية الغذائية بثمن معقول للأكثرية. بينما ازداد عدد السكّان الآن أضعافاً عدّة، وتعاظم عدد الذين يعيشون عند أو دون خط الفقر، وتحوّلت الأكثرية إلى قاطني المدن والمناطق الحضرية، ما يجعلهم معتمدين على الاستيراد والدعم الغذائيّين.
نظراً إلى هذه الخلفية، يتّسم الإخفاق الاقتصادي لعددٍ متنامٍ من الدول العربية – بما فيها دول مصدِّرة للنفط مثل العراق وليبيا – بأهمية خاصة. ويفسِّر ذلك تراجع الخطاب الإيديولوجي الأقوى لحقبة الاستقلال، أي القومية العربية، لصالح أشكال متنوّعة من الإسلام السياسي، التي تزداد حدةً ونزوعاً طائفياً. ويعكس ذلك التحوّلات الاجتماعية إلى حدِّ كبير: فقد تبنّت بعض الطبقات «الشعبية» القوميةَ العربيةَ، لكنها بقيت نتاجاً وحقلاً للنخب والمثقّفين أساساً، بينما غالباً ما تنتشر السلفية اليوم (ونظيرتها الشيعية) في أوساط الطبقة العربية «الدونية» الضخمة والمتنامية.
يرى البعض في ذلك قوة الهوية الطائفية. ولكنه يكشف في الواقع تآكل وتحوّل بُنى القوة السياسية والاجتماعية والثروة الاقتصادية على مرّ العقود منذ أن استقر النظام الإقليمي العربي في أوائل عقد السبعينات. فإن فشلها في التطور بطرق تستجيب للتحوّل الاجتماعي، وبطرق ديموقراطية في إعادة الهيكلة الاقتصادية، قد جعل أغلب الدول العربية، إن لم يكن جميعها، تعاني في مجابهة التحديات المعقّدة لعالم اليوم. ولا توجد قوة خارجية لديها القدرة على توفير المعونة أو التدخّل بالحجم والنطاق المطلوبَين لحلّ مشاكل المجتمعات العربية. بل ولم يَعُد مؤكّداً أن المنطقة العربية تتّسم بالأهمية الكافية لتوليد مثل ذلك الاهتمام لدى القوى الخارجية.
باتت الدول العربية عند نقطة تحوّل. ولقد تجاوز بعضها تلك النقطة، بينما يترتّب على الدول الأخرى أن تسلك خيارات صعبة كي تتجنّبها.
نقلا عن صحيفة الحياة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.