فى 28 يونية 2013، توافد الآلاف من أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى إلي ميدان رابعة العدوية، تلبية لدعوات أطلقتها جماعة الإخوان لتأييد «مرسى» في مقابل حشد القوي السياسية التي أعلنت تنظيم مظاهرات حاشدة بدءاً من 30 يونية 2013 للمطالبة بإسقاط حكم الإخوان. وظل أنصار «مرسي» داخل ميدان رابعة حتي يوم 3 يوليو 2013 وهو اليوم الذي استجابت فيه القوات المسلحة للإرادة الشعبية وأعلنت خارطة طريق تقضى بتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا مهام رئيس الجمهورية بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات رئاسية. وفور ذلك اتسع نطاق دائرة اعتصام أنصار مرسى لتشمل ميدان رابعة والشوارع المؤيدية إليه وشارع النصر بامتداده شمالاً ناحية مدينة نصر، وجنوباً في اتجاه طريق الأوتوستراد وشارع الطيران، وغرباً في اتجاه مستشفي التأمين الصحى، وشرقاً في اتجاه طريق صلاح سالم وشارع يوسف عباس. نقاط تفتيش وبدأ المعتصمون في تحديد مداخل ومخارج الاعتصام وشكلت نقاط تفتيش علي كل المحاور المؤدية لدخول الميدان والخروج منه ووصلت إلي درجة بناء حوائط خرسانية في الطريق العام، وهو الأمر الذي تسبب في حدوث مشاجرات عديدة ومشاحنات بين لجان التفتيش التابعة للاعتصام مع سكان منطقة رابعة العدوية طوال فترة الاعتصام التي دامت 48 يوماً تعرض فيها سكان المنطقة إلي مضايقات شديدة وصلت لدرجة صعوبة التنقل وتعرضهم لتفتيش ذاتى كلما دخلوا أو خرجوا من منازلهم. وتصاعدت حدة التوتر داخل الاعتصام لدرجة إلقاء القبض على بعض المواطنين المعارضين للاعتصام وتعذيبهم بمعرفة عناصر تأمين الاعتصام وحسب تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان حول أحداث فض اعتصام رابعة، فإنه تم العثور علي 11 جثة أثبت الطب الشرعى وجود آثار تعذيب بها ووفاتها في تاريخ سابق علي تاريخ فض الاعتصامات منها 6 حالات بمحيط رابعة وحالتان بمنطقة ميدان النهضة و3 حالات بمنطقة العمرانية. وقد أحدثت هذه العمليات حالة فزع مروعة لسكان رابعة مما دفعهم للجوء للنيابة العامة مطالبين بفض الاعتصام بالقوة وبالفعل أمرت النيابة في أوائل أغسطس بفض الاعتصام وتكليف السلطة التنفيذية بالعمل الفورى علي فض الاعتصامين في رابعة العدوية والنهضة وبناء علي ذلك حددت وزارة الداخلية يوم 14 أغسطس لتنفيذ قرار النيابة العامة. طوال فترة الاعتصام كانت طائرات تابعة للقوات المسلحة تحلق فوق ميدان رابعة تدعو المعتصمين عبر بيانات تلقي عليهم إلي فض الاعتصام سلمياً وإخلاء الميدان وفتح الطرقات التي أغلقت منذ 28 يونية 2013. أما وزارة الداخلية فقد دعت عدداً من منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان للقاء تشاورى للاستماع لملاحظاتهم حول المعايير المتبعة في فض الاعتصامات، ودعتهم وبعض وسائل الإعلام إلي حضور عملية فض الاعتصام كمتابعين لها. ورصد تقرير لجنة تقصى الحقائق التي شكلها المجلس القومي لحقوق الإنسان والصادر في إبريل الماضى تفاصيل دقيقة لما شهده ميدان رابعة يوم 14 أغسطس 2013 وهو اليوم الذي تم فيه فض الاعتصام. وتضمن التقرير الآتى: التحرك إلى الميدان فى حوالي الساعة السادسة من صباح يوم الأربعاء الموافق 14 أغسطس 2013، بدأت قوات الأمن بتأمين من القوات المسلحة المصرية في التحرك إلي المناطق المؤدية إلي ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر، وقامت بإغلاق شارعى يوسف عباس والطيران بالأسلاك الشائكة. في إطار خطة قوات الأمن التي تضمنت تحديد ممر آمن لخروج المعتصمين، وحددته بطريق النصر من ميدان رابعة في اتجاه النصب التذكارى. الإنذار في حوالى الساعة السادسة والعشرين دقيقة صباحاً، بدأت قوات الشرطة في بث رسائل إلي المعتصمين عبر مكبرات الصوت، وكان نصها «وزارة الداخلية تناشد المعتصمين إعلاء مصلحة الوطن وإنهاء اعتصامهم فوراً وتتعهد بعدم ملاحقة المواطنين باستثناء الصادر بشأنهم أوامر بالضبط والإحضار وتؤكد كل الحرص علي سلامة المواطنين وتناشد المواطنين بالخروج الآمن من طريق النصر باتجاه المنصة، وزارة الداخلية تناشد بإجلاء المعتصمين من النساء والأطفال وكبار السن وعدم استخدامهم كدروع بشرية وتحذر المعتصمين من القيام بأعمال عنف أو استخدام السلاح ضد قوات الفض والذي سيقابل بمنتهى القوة والحزم وفقاً لقواعد الدفاع الشرعى. وزارة الداخلية تؤكد على أن مقاومة القوات تعرض حياتك للخطر والمسألة القانونية وفقاً لمقتضى القانون، كما تؤكد علي أن عملية الفض مراقبة بشكل كامل وسوف يتم رصد كل المخالفين وأي مخالفات ترتكب ضد القوات. عملية فض الاعتصام تتم بقرار من النيابة العامة وبحضور وسائل الإعلام والمجتمع المدنى. حوار الخطوط الأمامية استمرت الإنذارات الأولى لفض الاعتصام حتي الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً، وصدرت النداءات من القوات المحيطة بالاعتصام من الاتجاهات المختلفة، في طريق النصر تجاه المنصة (ممر الخروج المفترض) وأثناء بث إنذار الفض، دارت مناقشات بين بعض قوات الأمن المكلفة بالفض وأفراد تأمين الاعتصام وكان محتواها مماثلاً لما تمت إذاعته من خلال مكبرات الصوت، وأكد أحد أفراد الأمن علي وجود وسائل مواصلات للمعتصمين من الأقاليم وعدم التعرض أو القبض علي من يخرج منهم، وأن من معه أسلحة من المعتصمين فعليه أن يتركها قبل الخروج ولن يسأله أحد عن ذلك. وكان رد أفراد التأمين من المعتصمين أنهم لن يتركوا الميدان. وبدأ المعتصمون في إلقاء الحجارة علي قوات الأمن في هذه المنطقة. ساعة الصفر وفى حوالى الساعة السادسة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً بدأت قوات الأمن بإطلاق صافرات تحدث طنيناً وألماً شديداً في الأذان، تستخدم كوسيلة من وسائل الفض للتجمعات، تلاها تحرك الجرافات لإزالة الحواجز والسواتر الترابية والخرسانية التي وضعها المعتصمون بمداخل الميدان لإعاقة قوات الأمن من الدخول، فبدأ المعتصمون بإلقاء الطوب علي هذه الجرافات وردت قوات الأمن علي الطوب بالمياه، فألقى المعتصمون علي قوات الأمن قنابل المولوتوف وردت عليهم قوات الأمن بقنابل الغاز المسيل للدموع الكثيف. وأطلق المعتصمون الخرطوش علي قوات الأمن فردت قوات الأمن عليهم بالخرطوش. وصاحب ذلك تقدم قوات الأمن تجاه الميدان، واستمرت الاشتباكات حتي الساعة الحادية عشرة صباحاً. حالة الارتباك أحدث الغاز المسيل للدموع الكثيف بالميدان ومحيطه الاضطراب والذعر، وسقط العديد من المعتصمين -مغشياً عليهم- مختنقين من آثار كثافة الغاز. وكان المصابون من مختلف الفئات العمرية (أطفال وشباب وفتيات ورجال ونساء وكبار السن). وبدأت المستشفي الميداني تفتح أبوابها لتتلقى هذه الحالات. وأخذت المنصة الإذاعية الداخلية لرابعة العدوية (وهي المنصة الموصلة بمكبرات صوت في مختلف أرجاء الميدان والمقامة أمام مسجد رابعة العدوية) تطالب المعتصمين بالثبات أمام الهجوم وعدم الاستجابة لمطالب قوات الأمن، وبدأت في تصوير عملية الفض علي أنها حرب علي الشرعية أو عملية إبادة جماعية. وبدأ عدد من المعتصمين في إشعال إطارات السيارات (منفصلة) وجذور الأشجار من أجل إحداث سحابة دخان كثيف تقلل من آثار الغاز المسيل للدموع الذي أطلق بكثافة من قبل قوات الأمن. التصعيد المفاجئ شهدت المنطقة الواقعة بين شارعى الطيران ويوسف عباس تصعيداً مفاجئاً باستخدام الأسلحة النارية من قبل المعتصمين تجاه قوات الأمن، أسفرت عن مقتل ضابط وأربعة مجندين، فردت قوات الأمن بإطلاق نيران كثيفة تجاه مصادر إطلاق النيران بحسب شهادة الشهود، وتزامن مع هذه الوقائع تقدم قوات الأمن من جميع المحاور -عدا طريق النصر تجاه النصب التذكارى- إلي محيط الميدان، فيما يمكن أن يوصف بإحكام السيطرة علي الميدان. ساعات الرعب في ظل حالة إحكام السيطرة -المؤقتة- من قبل قوات الأمن تقدم أحد قادة الأمن يحمل مكبراً للصوت، ووقف في مواجهة دار المناسبات المجاور لمسجد رابعة العدوية لبث نداءات بإخلاء الميدان مع وعد بعدم التعرض للمعتصمين، فأطلق النار عليه من قبل مسلحين من اتجاه دار المناسبات، فسقط قتيلاً في الحال. ومع سقوطه تحول مجرى الأحداث في ميدان رابعة العدوية إلي حالة من التبادل الكثيف لإطلاق النيران بين قوات الأمن وعناصر مسلحة متمركزة داخل دار المناسبات، أطلقت فيها قوات الأمن كثافة نيرانية شديدة، وعلي أثر ذلك اندلعت اشتباكات مسلحة في كل محيط مسجد رابعة العدوية، شارع أنور المفتى وشارع سيبويه المصرى وشارع يوسف عباس، وشارع الطيران، وفي ظل ارتباك المعتصمين السلميين وعدم قدرتهم علي الخروج من أي مكان، حتي الممر الآمن نتيجة تلك الاشتباكات المسلحة. ويواصل تقرير لجنة تقصى الحقائق رصده أحداث فض رابعة فيقول: في حدود الساعة الواحدة ظهراً استطاعت مسيرات المؤيدين للاعتصام الوصول من شارع امتداد رمسيس إلي طريق النصر في اتجاه النصب التذكارى، كما وصلت مسيرات أخري عند تقاطع ميدان الساعة مع طريق النصر في اتجاه طيبة مول، وأدى وصول هذه المسيرات إلي تراجع قوات الأمن عن ميدان رابعة العدوية، بغرض وقف تقدم الوافدين من مؤيدي الاعتصام من جميع الجهات. وهو ما أدى إلي توقف العمليات داخل ميدان رابعة مؤقتاً فيما يمكن وصفه بالهدنة المؤقتة، تجمع علي أثرها المعتصمون حول المنصة مرة أخرى، واعتلت قياداتهم المنصة ودعوا المعتصمين إلي الثبات وعدم الخروج من الميدان، وأعلنت في حوالى الساعة الواحدة ظهراً أن حصيلة الاشتباكات في الساعات السابقة بلغت أكثر من 300 قتيل بحسب ما قرر الدكتور محمد البلتاجى، القيادى بجماعة الإخوان المسلمين، وظل الوضع علي هذا النحو حتى الثالثة عصراً. فزع الخروج كان الممر الآمن (طريق النصر) مغلقاً بشكل كامل نتيجة الاشتباكات التي اندلعت في جميع المحاور مع المسيرات الوافدة للميدان، مما أعجز المعتصمين عن الخروج أو الفرار أو الابتعاد عن محيط الميدان، وهو الأمر الذي دفع عدداً من المعتصمين إلي محاولة إيجاد ممرات آمنة فرعية عبر الشوارع الجانبية، والتي تعرض العديد منهم بداخلها إلي الاعتداء أو الإمساك بهم من قبل اللجان الشعبية التي كونها المواطنون من سكان منطقة مدينة نصر تحت منازلهم وتسليمهم لقوات الأمن التي قامت بدورها بإلقاء القبض علي مجموعات منهم، وتكرر المشهد عندما قامت قوات الأمن بفتح ممر آمن جديد في شارع الطيران في اتجاه صلاح سالم، واستخدمه عدد من المعتصمين للخروج مما حال دون استخدام هذا الممر من قبل باقى المعتصمين. الجثامين المحترقة في حدود الساعة الثالثة عصراً نجحت قوات الأمن في وقف تقدم المسيرات القادمة من المحاور المختلفة، وقامت بتنظيم صفوفها والعودة مرة أخرى لدخول الميدان. وتم ذلك عبر المحاور الثلاثة (طريق النصر اتجاه طيبة مول وطريق الطيران من الاتجاهين). وتم تأمين طريق النصر (الممر الآمن) تجاه النصب التذكارى، وكان الهجوم باستخدام الغاز المسيل للدموع بكثافة شديدة مما دفع المعتصمين للخروج بكثافة من طريق النصر دون إعاقة، في ذات الوقت الذي دمرت فيه الجرافات جميع الخيام الموجودة في محيط الميدان والشوارع الأساسية المحيطة، وأشعلت النيران في الخيام الخاوية، وأثناء دخول أحد الجرافات لإزاحة أحد الأكشاك وما خلفه قام بإزاحة أحد الخيام الواقعة خلف الكشك، وكان بها العديد من الجثامين دون علم قائد الجرافة، فحاول المعتصمون إثناءه، وقام السائق بالتراجع والتوقف فوراً، لإتاحة الفرصة للمواطنين بإخلاء الجثامين من منطقة الخيام التي اندلعت فيها النيران. وعجز المعتصمون عن نقل كل الجثامين حتي طالت النيران المشتعلة بالخيام المجاورة لها عدداً من الجثامين لم يتمكن المعتصمون من انتشالها، وفي موقع آخر احترق عدد من الجثامين نتيجة اشتعال النيران في الخيام القريبة من المنصة والتي انتقلت إليها وإلي مسجد رابعة العدوية، حيث بلغت أعداد الجثامين المحترقة ثمانية جثامين بحسب تقرير مصلحة الطب الشرعى. حريق المسجد والخروج الكبير في حدود الساعة الخامسة إلا ربع انضمت تشكيلات جديدة من قوات الأمن داخل الميدان في ظل تبادل إطلاق النيران وغاز مسيل للدموع بصورة عشوائية، وحدثت اشتباكات بين المعتصمين وبعض المواطنين المرافقين لقوات الأمن المرتدين لثياب مدنية تبادلوا إطلاق المولوتوف مما أسفر عن إشعال النيران في الخيام القريبة من المنصة وانتقلت النيران إلي المنصة ومسجد رابعة العدوية، مما أدى إلي إحراقه وامتداد النيران إلي واجهة المستشفى الملاصق للمسجد. وبحلول الساعة السادسة مساءً أحكمت قوات الأمن سيطرتها الكاملة علي ميدان رابعة العدوية وما حوله وتم إخراج جميع المعتصمين بمحيط الميدان، كما قامت بإخلاء المستشفى الميداني والمركز الطبي المجاور من كل الأطباء والمساعدين إلي خارج الميدان، وفي السادسة والنصف مساء سمحت قوات الأمن لمن تواجد بمحيط الاعتصام من أطباء وأهالي ومعتصمين بالرجوع للمستشفي الميداني لحمل الجثامين أو الجرحى لإخراجهم من المستشفي، بعد انتقال حريق المسجد إلي إحدى واجهات المستشفى، وكان في سبيله الامتداد إلي كامل المستشفي. وقرر المعتصمون نقل هذه الجثامين إلي مسجد الإيمان بشارع مكرم عبيد الذي يباعد (700م) من مسجد رابعة. وبحلول الساعة الثامنة مساء كان محتوى المستشفي قد انتقل إلي مسجد الإيمان، هذا بخلاف الحالات التي حضر إليها ذووها ونقلوها بمعرفتهم أو الجرحى ممن انتقلوا إلي أماكن أخرى. نهاية ساعات الفض بحلول الساعة الثامنة والنصف مساء تقريباً انتهت عملية فض الاعتصام بما خلفته سقوط ضحايا بلغ عددهم 632 قتيلاً حسب بيان مصلحة الطب الشرعى ومصادر أخرى، كما تم إلقاء القبض علي 800 شخص تقريباً من الاعتصام ومحيطه بحسب تقرير وزارة الداخلية. إلي هنا انتهت أحداث يوم فض رابعة كما رصده المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو جهة محايدة ومستقلة عن السلطة التنفيذية وهو ما يجعل شهادته الأقرب إلي الصدق من كل الروايات الأخرى.