الأطفال دائمًا ما يصنعون البطولات في كل زمان، فهم على الدوام أيقونة المقاومة وشرارة الثورة وعنوان الانتصار، وهم روح النضال المتأجج الذي لا يخفت بريقه تحت وطأة حاكم مستبد أو احتلال غاشم. عندما تشاهد أطفال غزة في مرمى النيران أو تحت القصف الوحشي لجيش الاحتلال، وبسالتهم في الذود عن أرضهم والدفاع عن شرف وجودهم، لا تجد مفرًا من الانحناء إعجابًا وفخرًا واعتزازًا بهم، حتى لو كانوا مضرجين في دمائهم. أطفال غزة؛ كما غيرهم؛ من الأطفال العرب الذين يحلمون بغد أفضل، ومستقبل مشرق، كانوا أكثر شجاعة من "كبار" متخاذلين خانعين مرتعبين.. فهم لا يعرفون لغة المصالح أو لعبة التوازنات الإقليمية والدولية، ولا ينتابهم أي خوف من قوة باطشة أو حاكم مستبد. في كل ثورة، يبرز مشهد يُغير الأحداث ويعيد رسم خارطة "النخوة العربية" التي كانت مضرب الأمثال.. هذا المشهد الحقيقي أبطاله أطفال في عمر الزهور، لم يعرفوا معنى الجُبن أو الاستسلام، ولم يعتنقوا غير الحرية دينًا، في زمن كثر فيه العبيد. وضع الأطفال في فلسطينالمحتلة، وفي غزة تحديدًا، لا يختلف عن أشقائهم في سورية، الذين أطلقوا الشرارة الأولى للثورة من مدينة درعا، عندما كتب 15 طفلًا على جدران مدرستهم شعارات تنادي بالحرية وتطالب بإسقاط النظام، الذي "استأسد" عليهم واعتقلهم جميعًا دونما شفقة أو رحمة. دائمًا ما يكون الأطفال في مقدمة الصفوف، ضد أي نظام مستبد أو احتلال همجي، يتبعهم "الكبار" مرغمين في الصفوف الخلفية.. يبدأون الكفاح والنضال والمقاومة، ويتركون غيرهم في حيرة من أمرهم، لا يعرفون ماذا يفعلون! في كل ما يحدث في فلسطين وسورية، الأطفال يصنعون الأحداث، ووراء كل طفل منهم حكاية تُروى بالدماء الطاهرة.. زهور في عمر التفتح تغتالهم آلة الحرب والقصف، من المحتل والمستبد على السواء، والهدف في الحالتين واحد، هدم الروح المعنوية وبث الرعب في قلوبهم، والقضاء على شعاع نور قد يولد من جديد. إن نصف عدد الشهداء واللاجئين في فلسطين وسورية هم تقريبًا من الأطفال، الذين فقدوا أرواحهم البريئة، ثمنًا لصمت دولي مريب وخذلان ذوي القربى، الذين لم تكفهم الأرواح التي أزهقت لوقف هذه المجازر بحق أطفال أبرياء. المشاهد الآتية من هناك مأسوية ومروعة، والمجازر الحاصلة بشعة ومؤلمة، والصورة لا يمكن وصفها أو تحملها، حتى أولئك الذين يرفعون شعارات عقائدية زائفة في بلاد الرافدين، لم يمنعهم قصفهم العشوائي للبشر والحجر من استهداف الأطفال واغتيال البراءة والزهور التي لم تتفتح بعد. إننا نعتقد أن ضمير العالم مات، لأنه ببساطة فقد الإحساس والنخوة، وبات الذل والهوان يجري في عروقه، ونصرة الضعيف اختفت من قواميسه، بل إنه اعتاد الأمر واستمرأ المهانة والخنوع الذي يأباه الأبطال من أطفالنا الذين يدفعون حياتهم ثمنًا بخسًا لحريتنا وكرامتنا.