أن نبدأ الآن خير من ألا نبدأ.. البداية تكون من خلال مرحلة جديدة، نطوي فيها الماضي بكل آلامه، ونتصالح فيها مع أنفسنا قبل الآخرين.. بداية شعارها العمل للبناء، بعيدًا من الأقنعة الزائفة والشعارات الجوفاء، فلم يفت الأوان بعد، لتغيير عاداتنا وسلوكياتنا وأفعالنا. يجب أن نمتلك الشجاعة، ونقر بأن الفترة الماضية شهدت أخطاءً غير مسبوقة، سواء أكانت بقصد أو من دون قصد.. الجميع مسئول عن كل ما يحدث، ولا نعفي أحدًا من تبعات أحداث خاطئة، نتيجة سوء تقدير أو عدم فهم وإدراك أو حتى الشعور بالمسئولية. يكفي ما سبق إهداره من الوقت، في جدال عقيم، لا يسمن ولا يغني من جوع، فالقراءات "الفهلوية" للأحداث رهينة لحظتها، لأنها تتآكل في المنعطفات والتفاصيل، لتراوح مكانها تحت وطأة قوة أو ضعف ذاكرة المتلقي. البداية الجديدة يمكن أن تكون انطلاقة حقيقية للارتقاء، لأن تغيير الأوضاع يبدأ بتغيير النفوس والعقول التي أصابها الكثير من التشوهات، والفترة المقبلة تحتاج منَّا جميعًا تغييرًا في السلوك اليومي، والتعامل بإيجابية مع كل ما يحيط بنا، والابتعاد عن السلبية العقيمة.. فمن لم يكن جزءًا من الحل، فهو بالتأكيد جزءًا من المشكلة. إن التغيير المنشود برأينا، يرتبط بسيادة وإنفاذ القانون والتمسك بالحقوق وأداء الواجبات، ولذلك نرى أنه لا يمكن نيل الحقوق إذا كان الجميع لا يؤدي ما هو مطلوب منه تجاه ربه ووطنه وأسرته. أي تغيير للواقع الذي نعيشه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأسرة، لأن الفرد والأسرة كلاهما نتاج للآخر، والنتيجة إما ارتفاع بلا سقف أو انحدار بلا قاع، فالأسرة هي أهم مؤسسة تعليمية وتربوية واقتصادية على الإطلاق. إذا أردنا تحقيق تنمية شاملة وتقدم ملموس، يجب على الجميع أن ينخرط في الشأن العام وتغليب المصلحة العليا للوطن، والمساهمة في البناء والنمو، حتى يصبح المجتمع عصيًا على العودة مرة أخرى لعصور الاستبداد والتخلف. إننا نعتقد أن المرحلة التي نعيشها تتطلب مشاركة سياسية فاعلة، بعيدًا من "لغو المقاهي" أو الاكتفاء بمتابعة الأخبار السلبية، فلا ينبغي أن يقتصر التفاعل على التصويت في مواسم الانتخابات فقط! ليعلم الجميع أن العمل ليس مجرد وسيلة للاسترزاق، ولكنه قيمة ورسالة وعبادة، للإسهام في النهوض والازدهار، وهذا المنحى يرتبط بتحصين حياتنا من التعصب الأيديولوجي والحزبي والطائفي، والابتعاد عن الانتهازية والنفاق والتملق، لضمان عدم عودة الفساد مرة أخرى. يجب أن يكون "الحوار" منهاج حياة، وأسلوبًا للتعامل، فالمجتمعات "المتخلفة" عادة ما تكون أكثر حساسية في تقبل مبادئ وقواعد الحوار، وألا نقع فريسة للخداع والتضليل الممنهج؛ الذي يعد فنًّا يبرع فيه الأذكياء والأغبياء على السواء، وأن نعتمد الصدق معيارًا حقيقيًا للتمييز بين صدق التجربة والخيال المجاني الذي قد يمنح أدواته لتجارب مزيفة ومفتعلة.