إذا كانت مسلسلات وجبة رمضان التليفزيونية المعتادة قد حققت العام الماضي أفدح خسائر المشاهد في مصابه الجلل وفاجعته في سوء ما قدمه صناع هذه المسلسلات، فالموضوعية تقتضي منا أن نسجل لبعض المسلسلات - علي قلتها - أنها قدمت موضوعات جادة جعلت بعض وجوه جديدة تظهر في هذه الأعمال لتقدم فناً حقيقياً من خلال شخوص أسندت إليها أدوارها فأجادت وأبدعت، مما تحول بهذه الوجوه الجديدة وقفز بها إلي نجومية حقيقية غير زائفة كما هو حال البعض، لكن سوء أحوال ما قدمته شاشة التليفزيون واللهث الذي كان بادياً علي بعض وقائع بعض المسلسلات جعل الناس لا تنتبه بالقدر الكافي إلي هذه الوجبات الإعلانية التي دفعت أصحابها ليس فقط لتقديم السخافات تحت بند الإعلانات!، ولكنها دفعت بعض المعلنين إلي تقديم مغالطات للمشاهد الذي يطول انتظاره أمام الشاشة مترقبا ووصل ما انقطع من أحداث المسلسل الذي تحمل مشاهدته، فإذا بالمشاهد لا يكاد يقع علي مشهد واحد متكامل حيث يفاجئ الإعلان الباتر المسلسل برمته، وبحيث لا يقع المشاهد علي ما يغريه بمواصلة المتابعة، ويتخلص من البلاء كله بإغلاق جهاز التليفزيون!. لكن بلاء الإعلانات التليفزيونية قد كشف لنا عن عقليات مريضة وراء ابتكارات إعلانية تقدم في اهتمام بالغ نماذج انسانية مشوهة ما بين أطفال ونساء ورجال فإذا بهؤلاء جميعاً يتنكرون لطبيعتهم وفطرتهم التي خلقوا عليها بالمبالغة في إرضاء المعلن حتي يرضي عنهم فيصرف لهم أجورهم!، مسوخ مشوهة تتحول بالرجال إلي مخلوقات لا تخلو من الشذوذ!، وفتيات وفتيان يتبادلون المهاترات التي تنتهي بعد سماجة مطولة إلي الحث علي تناول كيس من أكياس هذه الأيام التي تستحق أن ينعقد حولها شجار ونزاع!، وتشهد هذه الإعلانات علي انحدار بعضها إلي حد دفع الأطفال بنين وبنات إلي اعتبار البيت مكتب اتصال بمحال «الدليفري» التي تقوم بتوصل الأكياس إياها للمنازل، فقد اختفي في هذه الإعلانات هذا الترابط الحميم بين أفراد الأسرة مما عهدنا في البيت المصري وهم يجتمعون علي طعام!، بل يبدو الأبناء في هذه الإعلانات وكأنهم يفضلون الاستئثار بالأكياس دون سائر أفراد البيت!،ويخشي الأبناء أن يداهمهم أحدوهم يحرصون علي الانفراد بما يأكلون!، ثم يفاجئهم الوالد الذي يدخل معهم مباراة في التفاهة والابتذال بحركات أقل ما توصف به أنها لا يجب أن تصدر من أب بين أبنائه!، ويلاحظ متابع الإعلان أن الكبار والصغار من المختارين لتنفيذ الإعلان من أشخاص أجانب غرباء في مصر، ثم تنزل علي رؤوس المشاهدين الطامة الكبري التي تتألف من عمليات التسول تحت دعاوي مختلفة في تكرار ممل، وإشاعة النكد في نفوس المصريين حيث لا يصادفهم هذا الكم الهائل من مأساوية مبتذلة تحض الناس علي التبرع «بأي حاجة» حتي يواصل صرحهم رسالته «السامية» في تقديم المعونة للمصريين الذين أصبحوا بموجب هذه الإعلانات «فرجة»!، ولو وفروا نفقات هذه الإعلانات لكسبوا فينا ثوابا كبيرا عندما نحمد لهم التوقف عن الإضرار بنا، وهو ما وهبوا أنفسهم له بكل هذا الإلحاح والنصب لا مانع!.