ورد في صحيح البخاري عن أنس عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: (تسحَّرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة، قلت كم كان بين الأذان والسَّحور، قال قدر خمسين آية) ففي هذا الحديث أخبر زيد - رضي الله عنه - أنه تسحَّر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة، على الرغم من أن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - ما كان ينام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ولم يكن سحوره عارضًا، بل كان مقصودًا، و السبب في ذلك من أجل أن يتعلم الهدي في السحور فيما يتعلق بوقته والسنة فيه. والدليل على ذلك سؤال أنس بن مالك - رضي الله عنه - لزيد بن ثابت - رضي الله عنه - كم كان بين الأذان والسحور؟ وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى، فعند البخاري في موضع آخر: عن قتادة عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت - رضي الله عنه - تسحَّرا، فلما فرَغا من سَحورهما، قام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة، فصلى، فقلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سَحورهما ودخولهما في الصلاة، قال كقدر ما يقرأ الرجل خمسين آية. أي: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية متوسطة لا طويلة ولا قصيرة، ولا سريعة ولا بطيئة، هذا الجواب فيه قياس للزمن بعمل البدن، وكان العرب يستعملون ذلك؛ كقولهم: قدر حلْب شاة، أو قدر نحْر جَزور ونحوها، ولكن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قاسه بأمر مرتبط بالعبادة، وفي ذلك تميُّز في حياة المسلم، والتخصيص بالقراءة فيه إشارة إلى أن ذلك الوقت وقت عبادة وتلاوة؛ قال ابن أبي جمرة: فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة وكل هذه الروايات تدل على استحباب تأخير السَّحور، و على حرص السلف على تعلم الهدي النبوي، فقتادة سأل أنسًا، فتعلم منه، وأنس سأل زيد بن ثابت، وتعلم منه، وزيد تعلَّمه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم، وهو هنا يحثنا على تأخير السحور، لأنه أرفق للصائم وأدعى لحضور صلاة الصبح مع جماعة المسلمين، وفيه أيضًا اغتنام الفرصة بين السحور وإقامة الصلاة فيما يُقرِّب إلى الله - سبحانه وتعالى - وخاصة بقراءة القرآن.