تصريحات رئيس الحكومة والوزراء خلال اليومين الأخيرين، ذكرتني بتصريحات سابقة إبان عصر الرئيس المخلوع؛ التي كان المسؤولون فيها يرددون ليلًا ونهارًا؛ بأنه "لا مساس" بمحدودي الدخل، وترشيد الدعم وإيصاله إلى مستحقيه، وتأكيدهم أن ارتفاع الأسعار لن يؤثر على الفقراء الذين يمثلون الشريحة الكبرى في المجتمع. تلك التصريحات، لم تختلف فبها ثقافة المسؤولين عن ذي قبل، فلم تتبدل ولم يطرأ عليها أي تغير منذ عقود، مع فارق وحيد وهو أنه ربما نسي أو تناسى المبدعَين أحمد رجب ومصطفى حسين أن يكونا "فهامة" لنا، في خضم هذا السيل الجارف من الوعود البراقة عن خطط قابلة للتنفيذ وبرامج ناجحة وتجارب متطورة.. وغيرها من التصريحات التي يستبشر الناس معها خيرًا، إلى أن يثبت عكس ذلك! منذ عقود وأزمات مصر متكررة ومعروفة، لا تحتاج إلى خبراء لتشخيص الحالة، بل إنها فقط تحتاج لقرارات جريئة وخطوات شجاعة، تراعي أحوال الناس وتلبي احتياجاتهم اليومية، ولذلك نعتقد أنه قد آن الآوان لكي نعطي الفرصة لأصحاب الأفكار الجديدة غير التقليدية، بعيدًا عن التصريحات المستهلكة، التي تبدو محفوظة منذ نصف قرن، حتى أن الكلام أصبح معادًا ومكررًا، ولكنه بالتأكيد تكرار ممل. بعد أداء وزراء "حكومة محلب الثانية" اليمين الدستورية، تابعنا تصريحات الوزراء "خاصة أولئك الذين استمروا من الحكومة الأولى"، بأن لديهم رؤية جديدة وحلولًا للأزمات المتراكمة، ولكنهم لم يسألوا أنفسهم، لماذا لم يبدأوا، ولما انتظروا؟! هل إنهم يعتمدون على أن ذاكرة الناس سريعة التآكل! مؤخرًا؛ اتخذت الحكومة أولى خطوات تقليل العجز في الموازنة العامة، فقامت برفع أسعار الوقود والكهرباء بنسب كبيرة لا يحتملها محدودي الدخل؛ وبالتأكيد الطبقة الوسطى التي اختفت بفضل عوامل الغلاء المستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود. وعلى رغم رفع أسعار الكهرباء إلا أن ذلك لن يمنع انقطاع التيار، نتيجة نقص الغاز "الذي يتم تصدر جزء كبير منه للخارج"، إضافة إلى تهالك محطات الكهرباء وهو ما يصعب تداركه خلال الفترة القصيرة المقبلة. كما أن ارتفاع أسعار الوقود، سيثير جدلًا مجتمعيًا كبيرًا، وسيعيد إلى الأذهان مشاهد التكدس المروري والازدحامات الخانقة، أمام محطات البنزين والسولار، التي كنا نحاول محوها من الذاكرة، وبالتالي سنكون أمام غلاء محقق للمواصلات وزيادة أسعار نقل البضائع، وكافة المجالات المرتبطة بالنقل. برأينا؛ ستشكل قرارات رفع أسعار الكهرباء والوقود، عبئاً إضافيًا كبيرًا على محدودي الدخل والمعدَمين، وستنتج تلك السياسات الاقتصادية الجديدة آثارًا خطيرة على المجتمع، لأنها سوف تشعل غضب الفقراء، الذين تحملوا كثيرًا من أجل تحسين أوضاعهم، طبقًا لما وُعدوا به. نعلم أن خطط الحكومة تستهدف تقليص أزمة الطاقة وهيكلة الدعم الذي يلتهم الحصة الأكبر في الموازنة العامة التي تعاني عجزًا في حدود 240 مليار جنيه، حيث يستحوذ دعم الطاقة على نحو 130 مليارًا، ترتفع بنسبة لا تقل عن 6% سنويًا، وهذا يستدعي ضرورة البحث عن حلول ناجعة بعيدًا عن جيوب الفقراء. إن هيكلة الدعم وضمان وصوله لمستحقيه لا يختلف عليه أحد، ولكن الأزمة تكمن في استمرار التفكير بالمسكنات دون حل المشكلة بشكل جذري، خاصة وأن الدعم العربي لن يستمر كثيرًا طالما لم نحدد معالم الطريق الصحيح، بعيدًا عن "المساس" بالفقراء ومحدودي الدخل.