يعد فضيلة القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي، شيخ عموم المقارئ المصرية ونقيب القراء في مصر، أحد عمالقة فن تلاوة القرآن الكريم، فقد تميز بصوته المتفرد، وأصبح له بصمة واضحة لا يختلف عليها اثنان، جاب العالم الإسلامي كله بصوته القوي، وهبه الله حنجرة قوية وصوتاً عذباً، يجذب إليه كل من يستمعه، ففي بداية الخمسينيات بدأ الشيخ حياته مثل أي قارئ صغير ينحت في الصخر، ويشق طريقه في عالم القراءة بصعوبة بالغة، بدءاً من قرية ميت عقبة التابعة لمركز إمبابة والتي نشأ فيها محباً للقراءة في الموالد والليالي والحفلات البسيطة، وكان يتقاضي خمسين قرشاً في الليلة - كما يقول - تكفيه لمدة شهر، إلي أن منّ الله عليه بالخير الوفير، ونال شهرة واسعة في أرجاء المعمورة حتي سافر إلي أقصي البلاد في استراليا، وقرأ القرآن في روما بالقرب من الفاتيكان واستمع له المسلمون في اليونان، ووقف صامداً متفرداً بصوته لم يقع في دائرة تقليد الكبار من مشاهير القراء، فصنع لنفسه مكاناً ومكانة تبوأ بها قمة عرش التلاوة في مصر والعالم الإسلامي، وفي هذا الحوار كشف لنا نقيب القراء عن أسرار رحلته في عالم التلاوة وغيرها الكثير، فماذا قال: في البداية قطعت مشواراً طويلاً في عالم التلاوة حتي وصلت إلي القمة، فما أسرار رحلتك مع القرآن؟ - بدأت رحلتي مع القرآن منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، فقد نشأت في قرية ميت عقبة بمركز إمبابة وكانت تتميز بانتشار الكتاتيب والاهتمام بحفظ القرآن، ولأنني كنت وحيد والدي، وليس لي إلا أخت واحدة، ومن ثم وهبني والدي رحمه الله لقراءة القرآن، وحفظت القرآن علي يد شيخي الأول وهو الشيخ غنيم عبيد الزغوبي، ولم تتجاوز سني أربع سنوات، وأتممت القرآن بأحكامه مجوداً وبعدها بدأت أدعي في سهرات كثيرة في قريتي وقري الجيزة والقاهرة والقليوبية، منذ أن كان عمري 12 عاماً وبدأ يطلبني كبار الشخصيات في مصر لإحياء المآتم جنباً إلي جنب مع عمالقة القراء وقتها وعمري لم يتعد 15 عاماً والتحقت بمعهد القراءات بالأزهر، وأتممت الدراسة فيه بعد ستة أعوام، وتخرجت فيه لأقرأ القرآن عن علم ومعرفة بجانب الموهبة. وماذا عن التحاقك بالإذاعة المصرية؟ - تقدمت تسع مرات للإذاعة ولم يأذن الله لي بالالتحاق بها، وفي المرة العاشرة تم اعتمادي قارئاً بها بإجماع لجنة اختيار القراء، وأشاد المختصون بالموسيقي والنغم والانتقال من مقام موسيقي إلي مقام آخر بإمكانياتي العالية، وحصلت علي تقدير ممتاز. ما شروط القارئ الناجح في رأيك باعتبارك أشهر قارئ للقرآن؟ - لابد أن يكون القارئ همه حفظ القرآن والعناية به وأن يجعل له ورداً يومياً بمعدل خمسة أجزاء في اليوم، حتي يختم القرآن مرة كل أسبوع، أي يجب المداومة علي تلاوته صباحاً ومساء، ولابد لحامل القرآن أن يتقي الله ويعمل بما يحفظه من كتاب الله، وألا يجعل من القرآن صنعة يتكسب منها فقط، فلابد أن يكون القرآن منهج حياة له، وأنصح القراء بألا يقلدوا أحداً، فلابد لكل قارئ أن تكون له بصمته المميزة التي يعرف بها. الكتاتيب كانت قديماً تلعب دوراً كبيراً في ظهور قراء محترفين لكنها اختفت فكيف تري تأثيرها؟ - الكتاب هو الحصانة الأولي بالنسبة للقارئ مثل الدبلوماسي الذي لديه حصانة، فالقارئ كان يتخرج في الكتاب، وهو يحفظ القرآن الكريم حفظاً كاملاً ويجيده، أما قارئ اليوم فتجده يحفظ خمسة أجزاء أو ستة أجزاء فقط. هل تتذكر البلاد والشخصيات التي قابلتها علي مدار رحلتك الطويلة في عالم التلاوة؟ - سافرت جميع البلاد في مصر من شرقها إلي غربها، وطفت جميع دول العالم، حتي إنني ذهبت إلي القارة الاسترالية، ولا توجد دولة أوروبية أو عربية أو أفريقية، إلا وقرأت منها القرآن، وقد أحببت الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات رحمه الله، والشيخ خليفة بن حمد والملك عبدالله والملك حسين الذي دعاني لإحياء مأتم والدته الملكة «زين الشرف» وأقمت وقتها في قصر «رغدان» بعجمان لمدة أسبوع أقرأ فيها القرآن لمدة ساعتين يومياً، وبفضل الله كنت أول من قرأ القرآن أمام جموع المسلمين في اليونان، بدعوة من مستر «جون لاتسيس» وكنت أول من قرأ القرآن في روما أمام الجاليات العربية والإسلامية هناك بدعوة من المسئولين بإيطاليا، وأجمل لحظات حياتي حينما قرأت القرآن في جوف الكعبة، فقد دعاني الملك خالد بن عبدالعزيز لقصره، ووقتها قال لي جملته الشهيرة: «يا شيخ طبلاوي القرآن نزل في مكة وطبع في أسطنبول وقرئ في مصر»، وحصلت علي وسام رفيع من لبنان أثناء إحيائي ذكري الاحتفال بليلة القدر هناك، وقرأت في الكويت في جامع الشيخ بدرية، وغيرها الكثير. وما أبرز المشاكل التي تعاني منها النقابة؟ - لا يوجد تأمين صحي للقراء والمعاش قليل جداً، حتي إن هناك بعض المحفظين لا يستطيعون دفع الاشتراك السنوي للنقابة، وأتمني من الله أن تلقي نقابة القراء رعاية حقيقية من الدولة. مؤخراً تم فصل بعض المشايخ من النقابة بسبب رفع الأذان الشيعي في إيران وعلي رأسهم الشيخ فرج الله الشاذلي؟ - خلافنا ليس خلافاً شخصياً، لكن نحن نحتكم إلي الأسباب المهنية، فقد ارتكب بعض المشايخ خطأ كبيراً في حق نقابة القراء، وأؤكد أن كل من حصل علي أموال من شيعة العراق أو إيران ستتم محاسبته والتحقيق معه، وستكون هناك إجراءات حاسمة ضد كل من حصل علي هذه الأموال.