تشهد مصر خلال الفترة القريبة المقبلة الانتخابات التشريعية المرتقبة لتشكيل مجلس النواب الذي يمكن النظر إليه باعتباره من أهم المجالس التشريعية التي ستؤثر على مستقبل مصر وتطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، خاصة أن هذا المجلس يأتي في ظل دستور جديد يعتمد على فكرة الضبط والتوازن بين السلطات، بمعنى أن السلطة تضبط السلطة وأن السلطة توازن السلطة ولذلك فقد منح البرلمان سلطات كبيرة وفقاً للدستور، وفي نفس الوقت لم يعد لرئيس الجمهورية تلك السلطات المطلقة التي عرفتها مصر خلال ستة عقود من الأخذ بالنظام الجمهوري، ويثير ذلك موضوع موقف الأحزاب السياسية من الانتخابات البرلمانية وكيفية الاستعداد لها، ويمكن في توضيح ذلك الإشارة إلى الملاحظات الأساسية التالية: أولاً: التناقض بين عدد الأحزاب المرتفع وتأثيرها المنخفض، حيث تعرف مصر ارتفاعاً كبيراً في عدد الأحزاب السياسية الذي يتجاوز 80 حزباً ولكن يبقى تأثير هذه الأحزاب من الناحية الفعلية محدوداً، حيث إن المواطن العادي أو الناخب لا يعرف معظم هذه الأحزاب ولا يعرف برامج هذه الأحزاب أو نخبتها، ما يعني ضعف تواجد هذه الأحزاب وتأثيرها في الشارع وتراجع قدرتها على حل المشاكل التي تواجه الوطن، حيث إن قوة أي حزب ترتبط بمدى تواجده في الشارع وقدرته على الحشد لقطاعات كبيرة من المواطنين المقتنعة بأفكاره وسياساته والحلول التي يطرحها للمشكلات، وربما يمكن تفسير هذا الضعف والتراجع للأحزاب السياسية في مصر بما تعرضت له الأحزاب السياسية في مصر لعدة عقود من عملية تجريف، بمعنى أن وجودها كان شكلياً بهدف إضفاء الشكل التعددي والديمقراطي على النظام، بينما من الناحية الواقعية كان هناك نظام الحزب المسيطر الذي لم تكن في عهده أغلب الأحزاب سوى أحزاب ديكورية ليس لها ثقل أو تأثير، كذلك ربما أحد العوامل التي أسهمت في إضعاف الأحزاب هو حداثة تواجد العديد من الأحزاب من الناحية الزمنية ولم تكتسب خبرة كبيرة لكي يكون لها التواجد الشعبي والتأثير المطلوب على الأرض، فضلاً عن التشتت في الأحزاب السياسية ذات الاتجاه السياسي الواحد. ثانياً: الاحتياج إلى نشأة التكتلات الحزبية، فبقاء الأوضاع على ما هي عليه من تشظي حزبي أي هذا العدد المبالغ فيه من الأحزاب يؤدي بالضرورة إلى عدم إمكانية حصول أي حزب بمفرده على الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة، وهو ما يثير مشكلة بشأن تشكيل الحكومة عقب انتهاء الانتخابات التشريعية القادمة، ولذلك فإنه يكون من المفيد أن تتجه الأحزاب إلى التكتل فيما بينها، وهو ما ظهرت بوادره مؤخراً، حيث بدأت مجموعات من الأحزاب تتجه إلى تشكيل كتل حزبية فيما بينها لخوض الانتخابات ورغم أن الصورة النهائية لهذه التكتلات لم تكتمل حتى الآن، إلا إنه يمكن الإشارة إلى عدة معايير أو مستويات لمثل هذه التكتلات الحزبية، حيث يمكن أن تتكتل الأحزاب ذات الاتجاه السياسي المتشابه أو المتقارب في كتلة واحدة، حيث لا يوجد ضرورة لتعددية كبيرة في الأحزاب المعبرة عن الاتجاه اليميني على سبيل المثال أو الاتجاه اليساري، وهكذا بل قد يكون من الأكثر ملاءمة اتجاه الأحزاب المتشابهة في برامجها إلى التكتل معا وبحيث تتشكل في النهاية أربع أو خمس كتل حزبية على سبيل المثال تعبر كل كتلة عن اتجاه سياسي معين، كما يمكن أن تكون الانتخابات الرئاسية معياراً لتلك التكتلات الحزبية، فمن المتصور أن تتجه الأحزاب المؤيدة للمشير السيسي في الانتخابات الرئاسية إلى التكتل معاً، وكذلك الأحزاب المؤيدة للسيد حمدي صباحي مما يترتب عليه نشأة كتلتين رئيسيتين إضافة إلى إمكانية نشأة كتل أخرى قد تكون كتلة شبابية على سبيل المثال أو كتلة ناتجة عن تحالف حزب النور على سبيل المثال مع بعض القوى الأخرى ويترتب على ذلك تزايد احتمال حصول كتلة حزبية على الأغلبية، بالإضافة إلى تسهيل مهمة الاختيار أمام الناخب. ثالثاً: إن التكتلات الحزبية تسهل إمكانية تكوين الظهير البرلماني اللازم لإصدار القوانين والتشريعات المكملة للدستور، بالإضافة إلى تحويل القضايا والموضوعات التي ينطوي عليها البرنامج الرئاسي إلى سياسات وتشريعات وقوانين يشعر بها المواطن العادي، بالإضافة إلى القدرة على تنفيذ المشروعات القومية التي تهم وتؤثر إيجابياً على الشعب ككل، حيث لا يوجد من يعترض على بعض القضايا المهمة أو المشروعات القومية مثل تعمير سيناء أو محاربة البطالة أو تحقيق العدالة الاجتماعية أو جودة التعليم والصحة ونشر مظلة التأمين الاجتماعي وغيرها من القضايا التي تحتاج لتنفيذها على أرض الواقع إلى موافقة الأغلبية البرلمانية، حيث يمكن تحقيق هذه الأغلبية في ظل وجود هذه الكتل الحزبية وفي ظل النظرة إلى طبيعة المعارضة داخل النظام، فالمعارضة جزء أساسي من النظام الديمقراطي وهي لا تعني الاختلاف في كل شيء بل تعني التوافق على القضايا الجوهرية التي تهم الوطن وإعلاء المصلحة العليا للوطن على المصالح الضيقة أو المكاسب المحدودة، وأن تكون المؤسسات السياسية المختلفة تتسم بالقوة سواء على مستوى البرلمان أو على مستوى الحكومة التي تتشكل عقب الانتخابات البرلمانية حتى تكون هذه المؤسسات على مستوى التحديات التي تواجهها مصر وتستطيع الاستجابة الناجحة لهذه التحديات. أستاذ العلوم السياسية