سلامٌ على مَن كتب. اقتنص لحظة انفعال وسكبها ابداعا على الورق. اعتصر مداد روحه ليرسم مشهداً أو موقفاً. نثر أوجاعه ومشاعره بستان جمال. لذا فإن الكاتب نعمة من الله، وهدية من الوطن. ومهما اختلفنا مع الكاتب، فلابد أن نعى تفرُده، وأن نقدّر مهنيته. وحتى لو لم تعجبنا آراؤه أو تخاصمنا مع مواقفه فلا يعنى ذلك قلة احترامنا له، أو انتقاصنا لأى قدر من انسانيته، أو الاحتشاد لحرمانه من قول ما يريد. هكذا أرى الكاتب المخضرم عبد الله كمال الذى اختاره الله إلى جواره قبل أيام وكلنا إلى هذا المصير فى موته الذى شمت فيه الشامتون، وصبَّ عليه الكارهون دناءة القول، غير متهيبين لجلال الموت، وغير متعظين بخطفته المفاجئة. لم أكن اتفق مع شىء مما كتبه الكاتب الراحل عبد الله كمال، لا بعد الثورة ولا قبلها، لكننى كنت أحترم فيه مهنيته، وبلاغته، وموهبته، وكنت أُقدر تمسُكه بما يراه حقا، وكنت أعتبره ممن يجتهدون فيصيبون أو يُخطئون. كان عبد الله كمال يمتلك قلما ًمن رصاص، يكتب فيُدهشك بسلاسته، ويحُلل فيأسُرك بعواصف ذهنه. يقول فلا ينسى، ويتخذ موقفا فيُسانده حتى النهاية. وبعد سقوط مُبارك تحوّل كثير من حواريه للتنديد به، وفضح مخازيه، لكن عبد الله ظل ثابتا، ومُقدرا ما أحاط مبارك من ظروف، ومُحذرا من اختطاف الفاشية الدينية للحكم من بعده. وبعد ثورة يناير انقلب بعض مصفقى النظام إلى لاعنين له متناسين أن كل موقف لهم مُثبت ومُسجل، لكن عبد الله ظل مُدافعا عن الرجل فى هزيمته مثلما كان فى مجده. وهذا الخُلق يُحترم بغض النظر عن موقفنا من نظام مبارك ذاته، لأنه يعنى أن صاحبه ليس ناكرا للجميل وليس عابدا للسلطة وإنما هو يتسق مع ما يؤمن به. كل ذلك يجعلنى أقف باحترام أمام الكاتب الذى شتمه المرجفون يوم رحيله وشمت في موته الساقطون. لقد كتبت جريدة « المصرى اليوم « فى طبعتها الأول يوم السبت الماضى عن موته «رحيل آخر فتوات مبارك» وهى فى ظنى سقطة لا تغتفر، وخُلق لا يتسق مع جلال الموت وحقوق الزمالة. كما كتب عمرو فراج صاحب موقع «رصد» الإخوانى عنه «كلب وراح» ثم دعا الله عليه بأن يذيقه اللعنة والعذاب فى قبره. ومثل هؤلاء لا خٌلق لهم، ولا مبادئ، ولا قيم، ولا أدنى ذرة حياء. لم يقرأ هؤلاء المُدلسون ما كتبه أحمد شوقى قبل عقود عندما قال «محا الموتُ أسباب العداوة بيننا / فلا الثأر ملحاحٌ ولا الحقدُ ثائر»، ولم يتعلموا من وصية أبى العلاء المعرى الشهيرة: «لا تظلموا الموتى ولو طال المدى / إنى أخاف ُ عليكمو أن تلتقوا». إنهم يتصورون أنفسهم آلهة يمنحون الناس اللعنة والمغفرة، فبشرهم بحسابٍ عظيم. «يوم يقوم الناس أشتاتا ليروا أعمالهم، فمن يعمل مثقال ذرة خير يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره». والله أعلم. mostafawfd@ hotmail.com