«إني عازم على أن تشهد مرحلة البناء المقبلة بمشيئة الله تعالى، نهوضاً شاملاً على المستويين الداخلي والخارجي. كل هذا، لكي نعوّض ما فاتنا، ونصحح أخطاء الماضي، ونؤسس لمصر المستقبل دولة قوية، محقة، عادلة وآمنة... دولة تنعم بالرخاء، وتؤمن بالعلم والعمل، وتدرك أن خيراتها يجب أن تكون من أبنائها... ولأبنائها». هذه باختصار اللافتات الكبرى لمشاريع الرئيس المُنتَخَب عبدالفتاح السيسي، ضمنها خطاب التنصيب بعد تسلم مقاليد السلطة من المستشار عدلي منصور، رئيس جمهورية مصر الموقت. ولوحظ أن عدلي منصور، المنتهية رئاسته، لم يغادر القصر قبل تقديم النصح لخلفه. وهي نصائح مختارة جمعها من اختباراته السابقة، ومن مهمته الموقتة كمدبر لشؤون البلاد ومراقب لأحوال العباد. قال في كلمة الوداع: «تقتضي الأمانة أن أحذر من جماعات المصالح التي تود أن تستغل المناخ السياسي الجديد لطمس الحقائق، وغسل السمعة، وخلق عالم من الاستفادة الجشعة. إن شعب مصر يود ألا تعود هذه الفئات... وألا تعود أيامها». وكان واضحاً من طبيعة اتهامه وتحذيره بأن المتزلفين والمنتفعين من عهد حسني مبارك سيحاولون الظهور من جديد لنهب الثروات الوطنية، وجني المكاسب بطرق غير شرعية. ويُستفاد من الرسالة المعنوية التي يريد عدلي منصور توجيهها إلى خلفه، وإلى كل حاكم، تُختَصر بالمحافظة على السمعة العطرة، والعمل على تنظيف الفساد المعشش في أجهزة الدولة منذ ربع قرن تقريباً. في تعليقه على نصيحة عدلي منصور، شكره السيسي مرات عدة، ووصفه بأنه كان رئيساً قديراً، صبوراً، حكيماً، خلوقاً، محباً للوطن. ثم عبَّر عن امتنانه وتقديره الخاص للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز على المبادرة التي أطلقها من أجل دعم مصر. وكان العاهل السعودي قد دعا إلى عقد مؤتمر للمانحين بهدف مساعدة مصر على تجاوز أزمتها الاقتصادية. وذكر خبراء أن الدعوة شبيهة ب «مشروع مارشال» الذي ساعد أوروبا على التغلب على أزمتها الاقتصادية الخانقة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية. ويرى الاقتصاديون أن مصر لا تحتاج إلى معونات، بل إلى استثمارات توظف آلاف الشبان العاطلين من العمل، وتحرك المشاريع المجمَّدة طوال ثلاث سنوات بسبب انشغال المجتمع المصري بالتظاهرات والإضرابات. وكان من نتيجة الاضطرابات المتواصلة توقف الاستثمارات الخارجية، وعزوف السياح عن ارتياد المنتجعات المصرية ومواقع الآثار. وكان من الطبيعي أن تتأثر بتلك المقاطعة الطويلة أعمال الفنادق والمطاعم والملاهي الموجودة في القاهرة والإسكندرية ومختلف المدن الأخرى. لهذه الأسباب الملحّة، ركز السيسي في خطابه أمام الحضور الواسع من قادة عرب ورؤساء وفود دولية، على أهمية مساندة مصر عبر الدعوة التي طرحها العاهل السعودي، أي دعوة مؤتمر المانحين الذي قد يُعقد خلال شهر رمضان المبارك... أو بعد موسم الحج. وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قد استقبل نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير سلمان بن عبدالعزيز الذي حمل له تحيات أخيه الملك وتمنياته بالتوفيق لجمهورية مصر العربية. وبعد انتهاء مراسم التنصيب، عقد الرئيس السيسي جلسة محادثات رسمية مع الأمير سلمان في حضور الوفد المشارك المؤلف من: الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز، نائب وزير الخارجية، والدكتور عبدالعزيز خوجة، وزير الثقافة والإعلام، والسفير أحمد بن عبدالعزيز قطان. كما حضر من الجانب المصري رئيس الوزراء إبراهيم محلب، ووزير الخارجية نبيل فهمي. وكانت مناسبة لإعلان رئيس مصر عن شكره العميق لمبادرة العاهل السعودي التي حفّزت الدول الصديقة على تشجيع هذه الخطوة الاقتصادية المهمة. وحول هذا الموضوع، أكد الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، أن الإمارات ماضية في دعم مصر خلال المرحلة المقبلة. وحرص أثناء وجوده في القاهرة على معرفة الخطط الشاملة لإنعاش الاقتصاد المصري. وقد اطلع على عرض قدّمه فريق المكتب الرسمي للمشاريع التنموية التي تنفذها الإمارات، في حضور إبراهيم محلب. وجدَّد دعم بلاده جمهورية مصر العربية التي تسعى إلى تركيز دعائم الاستقرار، وتعزيز مقومات النمو والتطور بما يكفل تحقيق طموحات الشعب وتطلعاته. ومن وعود الرئيس المصري الجديد، يتكرر السؤال حول أهمية الاستقرار السياسي في تأمين المناخ الملائم لتحقيق مبادرة العاهل السعودي والدول المؤيدة مصر مثل الإمارات والكويت. يوم الاحتفال بتنصيب السيسي رئيساً، أصدر «حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، بياناً يعلن فيه رفضه الاعتراف بفوز الرئيس الجديد. وجاء في البيان أيضاً: «إن الحزب لا يعترف بالنظام الانقلابي، ولا بأي قرارات صدرت، أو ستصدر، منذ 3 تموز (يوليو) 2013 حتى عودة الرئيس المُنتَخَب محمد مرسي إلى منصبه رئيساً لجمهورية مصر العربية». ودعا الحزب كل القوى الثورية والوطنية «إلى استعادة روح الميدان الواحد، ومواصلة نضالها عبر اصطفاف وطني وتلاحم ثوري يقضي على الثورة المضادة، ويُسقط الانقلاب العسكري، ويعيد مصر إلى مكانتها اللائقة بين الأمم، عبر نظام ديموقراطي حقيقي يعبِّر بصدق عن إرادة الشعب المصري». وأشار الحزب إلى أن الإعلان الرسمي عن تنصيب السيسي رئيساً هو والعدم سواء، ولن يفتّ من عضد الثوار، بل سيزيدهم إصراراً على استكمال مشوار ثورتهم. ومن المؤكد أن هذا التهديد المعلن ستترجمه «الجماعة» بلغتها العملية السابقة، أي لغة الاغتيالات والعنف. كل هذا بهدف منع السيسي من تحقيق تطلعاته الوطنية وتنفيذ ما وعد الشعب بتنفيذه. بعض المنشقين عن «الإخوان»، مثل الدكتور كمال الهلباوي، الرئيس السابق للتنظيم الدولي ل «الإخوان»، يرفض مضمون البيان، ويقول إن «الإخوان المسلمين» لم يحزموا أمرهم بعد، وإن المستقبل وحده يكشف عن مخططاتهم. ويرى الهلباوي أن هذا التنظيم انقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول، مَنْ شارك وساهم في صناعة العنف. ومثل هذا الفريق لن ينخرط في الحياة السياسية بعد اليوم. والثاني، سيجمِّد نشاطه بانتظار ما ستُسفر عنه الأحداث. والثالث، يضم الغالبية من الذين سقطوا ضحية الأوهام الخاطئة، وهم حالياً يفكرون بإقامة محكمة للقيادات التي تسببت في العنف الذي حدث في مصر. وتتوقع دوائر خارجية أن ينتقل نشاط «الإخوان المسلمين» إلى العواصم الأوروبية مثل: لندنوبروكسيل وباريس، حيث يلقون بعض الحماية، ويستغلون جمعيات حقوق الإنسان. والدليل أنهم أصدروا «وثيقة بروكسيل» بهذه الروحية. في حين تعتبرها الدولة المصرية محاولة تهرّب من المأزق الذي وضع «الإخوان» أنفسهم فيه. في حديثه عن سياسة «التسامح والتصالح»، قال الرئيس السيسي إنه مستعد لإجراء مراجعة كاملة تتعلق بالممارسات غير القانونية التي ارتكبها رجال العهد الماضي. ولكنه استثنى «الإخوان» من هذه المعاملة، معتبراً أنهم ينازعون الدولة على مسؤولياتها وصلاحياتها. في خطابه الأخير، وعد السيسي ببذل كل جهد كي تحصل المرأة المصرية على تمثيل عادل في المجالس النيابية والمواقع التنفيذية. كما دعا المصريين إلى الحرص والتأني في اختيار نوابهم في البرلمان الجديد. ووعد بإكمال الاستحقاق الثالث، آملاً من الشعب منح أصواته لمَنْ سيحيل النصوص الدستورية إلى قوانين ملزمة. رئيس «لجنة الخمسين» التي صاغت الدستور، الدكتور عمرو موسى، دعا إلى تشكيل تحالف انتخابي يكون النواة لولادة حزب جديد في مصر. وهو يسعى لأن يجيّر نتائج هذا التحالف إلى الرئيس الذي يدعمه الجيش، ولكنه يفضل أن يأتي الدعم الآخر من البرلمان. هذا، مع العلم أن البرلمان المقبل لن يمتلك السلطة التشريعية فقط، وإنما هو يشترك في وضع السياسة العامة عبر حكومة الغالبية. ويتوقع المحللون أن يركز المرشح الناصري حمدين صباحي اهتمامه على معركة الانتخابات النيابية مع أمله بتشكيل تحالف يضم كل القوى المطالبة بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وإلغاء اتفاقية «كامب ديفيد» التي تطبّع العلاقات مع إسرائيل. وهناك مَنْ يجزم بأن «الإخوان المسلمين» سيقدمون أصواتهم لحمدين صباحي، بهدف جعله رئيس الكتلة النافذة في البرلمان الجديد، بل رئيس الكتلة التي تمنع حزب مبارك من العودة إلى الساحة السياسية. في هذا السياق، ظهر اسم مؤسس حركة «تمرد» محمود بدر كشخص طامح لخوض المعركة الانتخابية أيضاً. وقد برَّر خطوته بالقول: لا بد من المشاركة السياسية الفعلية بدلاً من الاحتجاج والتظاهر. إن مصر مقبلة على مرحلة مهمة من تاريخها. لذلك، قررنا المساهمة في هذه المرحلة بحزب يُدعى «الحركة الشعبية العربية». هذا الأسبوع، قررت القاهرة العودة إلى عضوية «الاتحاد البرلماني الدولي» بعد تعليق استمر حوالى سنة. وتزامن القرار مع دعوة رئيس إثيوبيا الدكتور مولاتو تيشومي الرئيسَ السيسي، يطلب منه المشاركة في القمة الأفريقية التي ستُعقد في غينيا الاستوائية بعد أسبوع. والغرض من الدعوة، كما أعلنتها إثيوبيا، تفعيل اللجنة الوزارية المهتمة بوضع شروط التعاون في شأن الدول المنتفعة من مياه النيل. كذلك تلقى الرئيس السيسي رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يدعوه فيها إلى زيادة حجم التعاون في شكل وثيق، ويطلب منه القيام بزيارة رسمية في أقرب وقت ممكن. علماً أنه كان وعد بأن زيارته الأولى خارج مصر ستكون إلى المملكة العربية السعودية... نقلا عن صحيفة الحياة