لم تعد قضية التحرش الجنسي في شوارع مصر مجرد ظاهرة عادية، لكنها أصبحت أقذر جريمة يواجهها المجتمع المصري منذ عصر الفراعنة، لأن الفاعل في أحيان كثيرة، ربما يكون مجنياً عليه أيضاً علي اعتبار أن هناك أشياء كثيرة في المجتمع تغذي فيه هذه الجريمة دون أن يدري أنه في طريقه إلي الجريمة، من بين أهم الأسباب التي تغذي هذه الظاهرة القذرة، والجريمة البشعة هو الفن بكل أنواعه، خاصة السينما والأغنية، كما أن الإعلام أيضاً له دور كبير في هذا الأمر باعتباره يركز أحياناً علي أشياء ضررها أكبر من أي شيء آخر. السينما خلال العشر سنوات الأخيرة روجت للجنس بشكل لا يتخيله إنسان، علي اعتبار أن مشاهد ممارسة الجنس حرية إبداع، وكأن الفيلم سوف يعجز الناس عن فهمه لو لم يصور البطلة والبطل علي السرير أو تحت بئر السلم أو «خرابة»، مخرجو السينما اعتبروا أن تحويل البلد إلي كباريه في الأفلام نوع من أنواع الواقعية، لذلك شاهدنا «دينا» نجمة نجوم السينما في أفلام كثيرة، والمنتج بالمناسبة لم يعتمد عليها لأنها فنانة لديها موهبة التمثيل، لكنه قدمها باعتبارها راقصة لديها من المقومات ما يجعل الشباب يقبل علي الفيلم، وبالتالي شاهدنا أول واقعة تحرش جماعي في فيلمها مع سعد الصغير «عليا الطرب بالتلاتة»، أمام إحدي دور العرض بوسط البلد، والغريب أن عملية التحرش وجدها البعض وسيلة جيدة للدعاية، مما جعلهم يزيدون من جرعة الأفلام التي تعتمد علي المناظر مثل «شارع الهرم» و«عبده موتة» و«ولاد البلد».. السينما المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة قضيتها الأولي هي كيفية حشر الأفلام بمشاهد الجنس، وبالحوارات الخارجة عن كل التقاليد المصرية، وبالتالي لم تكن «دينا» بمفردها بطلة لهذه النوعية من الأفلام حتي لا نظلمها، ولكن شاهدنا أفلاماً مثل «كباريه» وهو ملئ بمشاهد التحرش والاغتصاب، بطولة جومانة مراد ودنيا سمير غانم وإخراج سامح عبدالعزيز، وشاهدنا أيضاً «ريكلام» بطولة رانيا يوسف وغادة عبدالرازق وعلا رامي ومادلين طبر علي أسماء أفلام علي سبيل المثال لا الحصر، ولو قمنا بعمل إحصائية فسوف نكتشف أن 99٪ من أفلامنا هدفها الجنس وآخرها فيلم «حلاوة روح» وهو قضيته الأساسية أن أهل الحارة لا حديث لهم سوي الزوجة التي سافر زوجها للخارج والكل يتعشم في نيل الرضا بمن فيهم الطفل، مصر ليست كذلك كما نشاهدها في أفلامنا، وبالتالي الشباب لم يعد لديه شيء يفعله سوي دخول تلك الأفلام والخروج من قاعة العرض يبحث عن فريسته غير مهتم بأي شيء، وبما أننا خلال العشر سنوات كان هناك تسيب أيضاً في الشارع المصري، وبالتالي كانت هناك البيئة المعدة لمثل تلك الأفعال. علي مستوي الأغنية كان الرهان الأول علي كلمات إباحية وموسيقي صاخبة تحت مسمي أغاني المهرجانات يصاحب هذا اللون في الغالب راقصة، ودائماً هذه الراقصة تكون لها مواصفات خاصة من حيث «التضاريس» وقبل ظهور هذه النوعية من الأغاني كان الاختيار الأول لمنتج الأغاني هو الموديل التي تظهر في الأغنية حتي يلتف الناس حولها، فخرجت لنا أعمال غنائية هزيلة، ومحرضة علي الفجور والفحش، وكان من نتيجة هذا الأمر ظهور قنوات فضائية لهذه النوعية من الأغاني تحت مسميات مختلفة، ثم ظهرت قنوات الرقص الشرقي، وأصبح لها نجومها، وأصبحت كل مقاهي مصر بلا استثناء وجبتها الأساسية هي تلك القنوات، وجولة بسيطة لأي مسئول في مقاهي وسط البلد سوف يشاهد بنفسه، كم المهازل، قنوات شبه «بورنو» ليل نهار. أما الشيء الأسوأ علي الإطلاق أن بعض الراقصات أصبحن نجوم «التوك شو» وتم تقديمهن باعتبار أنهن من نجوم المجتمع، فشاهدنا «صافيناز» تخرج علينا في أهم برامج «التوك شو» في مصر متحدثة عن تجربتها، وأصلها وفصلها وحتي رغبتها في الزواج من رجل مصري «حمش» ولا أعرف كيف سيقبل «الحمش» الزواج منها، وشاهدنا أخريات من فصيلة صاحبة قناة «فلول» سما المصري، أيضاً تخرج علينا باعتبارها جاءت من العالم الآخر لإنقاذ الفن المصري. والغريب كما ذكرنا أن «التوك شو» سار خلف الشهوات شأنه شأن السينما والأغنية وكأن ظاهرة «صافيناز» مثلاً تستحق أن تشاهدها فتيات مصر حتي يقتدين بها، راقصة أصبحت حديث الساعة، وكل ما تملكه من تاريخ عدة رقصات مثيرة، وبعض المشاهد في الأفلام، في المقابل نجد نماذج مهمة في المجتمع مهمشة وملقاة في سلة المهملات. لذلك أولي خطوات علاج عمليات التحرش إلي جانب الأحكام الرادعة من قبل القضاء المصري، هو تنقية القنوات المصرية من تلك الشوائب المتعلقة بها، الرقابة يجب أن تعود بقوة، وحرية الإبداع ليست الجنس، كنت أتصور أن نجوم الفن سوف يقفون ضد قرار «محلب» بمنع «حلاوة روح» لأنه يقدم قضية رأي وفساد، وليست من أجل عدد من المشاهد والكلمات الخارجة، المبدع يجب أن ينحاز لإعلاء قيمة الفن، وليس أي شيء آخر. كما يجب أن يكون هناك موقف ضد أي قناة تقدم أعمالاً خادشة للحياء، المقاهي أيضاً يجب أن نجد لها حلاً، حتي لو تم منع أجهزة استقبال القنوات الفضائية. المجتمع المصري الآن في حاجة إلي العودة إلي طبيعة الشخصية المصرية السمحة.