تحت هذا العنوان المثير نشرت وكالة رويترز لمراسلها «توم بري» في 10 مايو تقول: بينما تواصل الدولة المصرية الضغط علي الإخوان المسلمين فإن الرجل المتوقع أن يصبح رئيساً قد شهر سلاحاً جديداً في معركته مع المتأسلمين وهو رؤيته للإسلام، فعبدالفتاح السيسي قائد الجيش السابق الذي أسقط مرسي الإخواني، الذي يتوقع انتخابه رئيساً في هذا الشهر، قد قدم نفسه كمدافع عن العقيدة، ووجه سهامه إلي فقه الجماعات الدينية التي تحاول الدولة سحقها. وبنغمة مختلفة تماماً عما اعتاد الرئيس الأسبق مبارك استعمالها يبدو أن السيسي يستخدم دور المصلح الديني، فقد ألقي باللائمة علي الأسلوب الديني الجامد الذي أدي لتأخر الإنسان المسلم، فقد صرح قائلاً: «إنني أري أن الحديث الديني في العالم الإسلامي كله قد كلف الدين الإسلامي إنسانيته، وهذا يتطلب منا ومن كل القادة في العالم الإسلامي إعادة النظر في مواقفنا». وعندما يشير السيسي إلي الله وإلي الأخلاق، فيبدو أنه أكثر القادة العسكريين الذين حكموا مصر منذ أنشئت الجمهورية عام 1953 تديناً ومجاهرة بالإيمان، ولا يعني ذلك أنه سيزيد الجرعة الإسلامية في الحكومة التي تقوم قوانين دولتها وثقافتها علي الدين، وقد أعلن السيسي أنه لا يوجد شيء يسمي الدولة الدينية، وهو تحد واضح لمفهوم الإسلاميين، ولكنه يبدو أنه سيشجع دور الدين في الحياة العامة في هذا المجتمع المحافظ. وبينما تحاول السلطات تحجيم نفوذ الإسلاميين عن طريق السيطرة علي المساجد، فقد تكون فترة رئاسة السيسي فرصة لظهور إسلام غير سياسي تدعمه الدولة، ويسنده غطاء من علماء الدين الذين يعينونه علي سحق أعدائه المتأسلمين. ويقول خليل العناني، الخبير في الحركات الإسلامية في جامعة جون هوبكنز الأمريكية: إن السيسي يحاول الحلول محل الإخوان المسلمين ويلغي ادعاءهم بأنه عدو للإسلام. وقد اتهم السيسي جماعة الإخوان المسلمين بأنها تعتنق أيديولوجية تزعم أنها تحتكر الحقيقة وتحاول السعي لإقامة امبراطورية إسلامية الشعارات مكان الدولة المصرية. وفي حديثه التليفزيوني الذي أذيع في 5 مايو أعلن السيسي أن جماعات العنف هي واجهة للإخوان المسلمين، وأقسم أن جماعة الإخوان المسلمين سينتهي وجودها تماماً خلال رئاسته إذا وصل للسلطة. أما حركة الإخوان التي يقبع معظم قادتها في السجون حالياً، فعليها الاستجابة إلي الاتهامات التي وجهت إليها مؤخراً التي تحاول الجماعة إنكارها مرددة أنها قد نبذت العنف منذ وقت طويل، وتنظر الجماعة للسيسي علي أنه العقل المدبر لانقلاب عسكري دموي. كانت الجماعات الإسلامية التي تحاول فرض رؤيتها علي نظام الحكم شوكة في جانب الحكومات القائمة لعقود عديدة، وخرج معظم الإسلاميين المتطرفين في العالم من صفوف الشعب المصري وضمنهم أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة ومنذ إسقاط مرسي من الحكم واجهت الدولة في مصر أسوأ موجة من العنف المسلح منذ فترة تسعينات القرن الماضي. قتل عدة مئات من أفراد الشرطة والجيش في هجمات تصاعدت وتيرتها العام الماضي بعد أن قتلت القوات الحكومية المئات من مؤيدي الإخوان المسلمين، وقد أعلن السيسي أنه تم اكتشاف مؤامرتين لقتله حتي الآن. وقد أعلن السيسي أنه قد تصدي لتفسيرات للإسلام لا تتمشي مع تطور العالم، وقال في حديثه يوم 5 مايو: لقد جمدنا هذه التفسيرات التي تعود إلي الوراء لمئات السنين، وفي لقائه مع قادة القطاع السياحي أواخر أبريل الماضي رد السيسي علي أن الخلافات الدينية قد دمرت صناعة السياحة التي تعتبر قاطرة الاقتصاد، فقد أضرها المتأسلمون عدة مرات بهجماتهم الإرهابية طوال السنوات السابقة، وأضاف السيسي أن قطاع السياحة قد عاني بشدة من خلافات دينية ليست متماشية مع مفاهيم التطور العصري، لذلك يجب أن يكون هناك تفسير مستنير للإسلام يحمي المجتمع من الأفكار المتجمدة، وقد نشر كلامه هذا علي صفحة التغريدة الرسمية لحملته الانتخابية، وأضاف أن أماكن العبادة يجب أن تلعب دوراً في معالجة مشاكل مصر الأخلاقية، وأن القرارات الصائبة يجب أن تتمشي مع صالح المجتمع وإرادة الله في نفس الوقت. ويصف الصحفي ياسر عبدالعزيز الذي قابل السيسي وتتبع تعليقاته عن الدين، يصف السيسي بأنه مسلم تقليدي يؤمن بالحداثة، ويتميز فكره الديني عن الفكر الوهابي المتشدد مثل السعودية علي سبيل المثال، فالسيسي سيعمل علي تقوية الخطاب الديني وتقوية دور الدين في الحياة العامة، ولكنه لن يدخل الدين في شئون الحكم، فهو يري في الإسلام قوة للخير والعمل، لقد نشأ السيسي في قلب القاهرة الإسلامية، ويقول إنه يذكر أنه رأي المسيحيين واليهود يمارسون شعائرهم الدينية دون أي عائق، ويذكر في طفولته نفوذ رجال الدين مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي توفي عام 1998. كما يذكر السيسي مفتي الجمهورية الأسبق علي جمعة، كأحد منابع التأثير في السيسي، وكان السيسي حاضراً في اجتماع لضباط الجيش العام الماضي تحدث فيه علي جمعة بشر فيه رجال الأمن الذين يقتلون الإرهابيين أو يموتون برصاصهم بالجنة. وكغيره من كبار رجال الدين في الدولة المصرية فإن علي جمعة من أتباع فئة إسلامية هي الصوفية، وتتعارض الممارسات الصوفية أحياناً مع المسلمين المتشددين وضمنهم الجماعات الإسلامية، ويقول بعض المحللين إن السيسي قد يكون له جانب صوفي، بعد أن ظهر تسجيل يتحدث فيه السيسي عن الرؤية المستقبلية في أحد أحلامه، وفي هذا الحلم قال الرئيس الراحل أنور السادات للسيسي إنه سيكون يوماً ما رئيساً لمصر. وفي أحد اجتماعاته بعد ترك منصبه كقائد عام للقوات المسلحة، قابل السيسي زعماء ومشايخ الطرق الصوفية فضلاً عن أعضاء من السلالة النبوية، وقد أيدوا جميعهم ترشيح السيسي رئيساً، وقال السيسي لمستمعيه: أتمني أن يكافئنا الله علي حمايتنا للناس ودفاعنا عن الإسلام، وقد نشر تسجيل هذه الكلمة علي تغريدته الانتخابية، ويتهم أعضاء الإخوان المسلمين السيسي بأنه يستغل الدين لمكاسبه السياسية، وهو نفس الاتهام الذي يوجهه الناس للإخوان المسلمين. ويقول الإخوان إن السيسي استخدم الدين للسماح بإراقة الدماء، واستخدم الشيوخ لتبرير القتل، وقال أحد أعضاء الإخوان الذي رفض الإفصاح عن شخصيته خشية ملاحقة السلطات له إن السيسي يريد أن يكون الدين فقط صلاة وصوماً. وقد اكتسب السيسي نتيجة معارضته الشديدة للإخوان تأييد أكبر أقلية دينية في مصر وهم الأقباط، ولكن البعض يخشي أن الأقليات الأخري التي طال اضطهادها مثل الشيعة والبهائيين والملحدين ستواجه مزيداً من الاضطهاد عندما تنتهج الدولة سياسة تشدد ديني ظاهري. وقال كريم الديب الذي يصف نفسه بأنه مفكر متحرر إن السيسي لا يريد تغيير الثقافة الدينية للمجتمع، أو تبني سياسات تسبب مزيداً من الحرية الدينية، فهو يريد استغلال الثقافة السائدة لتحقيق أهدافه. ورغم أن معظم التيارات الإسلامية في مصر تشارك الإخوان المسلمين في معارضتهم للسيسي فإنه يتمتع بتأييد الجماعة السلفية وهي أكثر تيارات الإسلام السياسي تشدداً ويمثلها حزب الدعوة، الذي أيد مرسي أول الأمر ثم عاد فأيد خلعه من السلطة. وسلفيو حزب الدعوة المتشددون أكثر من الإخوان المسلمين في المناداة بإقامة دولة إسلامية بعد ثورة عام 2011 التي أسقطت مبارك، يقولون الآن إن السيسي هو أكثر شخص مؤهل لقيادة الدولة، وقد سمحت الحكومة للدعوة السلفية وذراعها السياسية حزب النور بالاستمرار في الوجود علي الساحة بعكس ما فعلت بالإخوان المسلمين. ويقول أشرف الشريف مدرس السياسة بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة إن السيسي مهتم بالإسلام الصحيح والإسلام السليم لذلك يحارب الحركات المتأسلمة. وإلي هنا ينتهي هذا التحليل الذي يقدمه بري علي وكالة رويترز الإخبارية، ويجمع فيه كل ما يراه كصحفي متخصص عن شخصية السيسي وتفكيره وموقفه من الجماعات التي تتخذ من الدين وسيلة للوصول للحكم وإقامة فاشية دينية تحتكر الحقيقة وتحتكر تفسير الدين، وقد رأينا خلال عام واحد من حكمها المنحوس كيف تعرض المجتمع للتمزق، وكيف كادت الدولة المدنية التي استغرق بناؤها قرنين من الزمان أن تسقط وتتقطع أوصالها، ولكن المولي تبارك وتعالي كان بالمرصاد لأعداء كنانته في أرضه، ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي، حيث قال: وقي الأرض شر مقادير لطيف السماء ورحمانها ونجي الكنانة من فتنة تهددت النيل نيرانها نائب رئيس حزب الوفد